في تصريحاته الأخيرة حول الوضع في سورية قال الرئيس الأمريكي أوباما بأنّ واشنطن ستحمي مصالحها وحلفاءها ، كما قال بأنّ سورية تمتلك أكبر مخزون في العالم للسلاح الكيماوي ، كما أكد بأنّ الضربة لسورية ستكون محدودة ، وبأنّ الضربة ستتم خارج موقف الكونغرس الأمريكي سلباً أو ايجاباً.
إذاً سورية تمتلك مخزوناً كبيراً للسلاح الكيماوي ، معلومة لا نعتقد أنّ واشنطن لا تملكها من قبل ، حيث أنّ واشنطن تعرف حقيقة ما تملكه سورية من أسلحة كيماوية ، ووجود الأسلحة الكيماوية في سورية ليس أمراً جديداً وسرياً ، فكل دول العالم توجد فيها أسلحة كيماوية بكميات مختلفة ، وكيف لا تملك سورية السلاح الكيماوي وهي المهددة بالسلاح النووي الصهيوني ، وكيف لواشنطن أن تفاجأ بكمية مخزون السلاح الكيماوي السوري ، وكيف يصبح امتلاك سورية للسلاح الكيماوي جريمة تعاقب عليها دولياً بغض النظر أينما وكيفما استخدم هذا السلاح ، والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل سورية قامت بتصنيع هذا السلاح داخلياً ، أم استوردته من دول كبرى تقوم بتصنيعه وبيعه إلى كل دول العالم ، أليست الولايات المتحدة الأمريكية أهم دولة مصنعة لأنواع السلاح الكيماوي وبيعه لدول العالم ، ومن أجل ماذا تقوم الولايات المتحدة بتصنيع السلاح الكيماوي وهي تدرك جيداً مدى خطورته على الإنسان ، وأنه سلاح لتدمير الجنس البشري ، مثلما كان السلاح الذري تدميراً للبشر والحجر في هيروشيما وناغازاكي في اليابان ، يبدو أنّ الولايات المتحدة تنسى نفسها وهي تبعث بالسلاح الكيماوي إلى جهات الأرض كلها وهي تعلم جيداً أن السلاح الكيماوي هو واحد من الأسلحة التي يمكن استخدامها في الحروب بين الدول أو في النزاعات داخل الدول ، فلماذا تقود الولايات المتحدة اليوم حملة دولية ضد النظام السوري لاستخدامه السلاح الكيماوي في نزاعه الداخلي ، هل لأنّ عدد قتلى السلاح الكيماوي قد بلغ نحو 1400 قتيل دفعة واحدة ، هنا نسأل هل وحده السلاح الكيماوي هو الذي يقتل البشر ، أم أنّ كل الأسلحة التقليدية وبكل أنواعها هي لقتل البشر ، هي حجة أمريكية واهية لضرب سورية وزيادة الدمار فيها ، فمنذ بداية الأزمة السورية قـُتل أكثر من مائة ألف إنسان ، فإذا كانت الولايات المتحدة حريصة على الشعب السوري لماذا لم تتخذ مثل هذا الموقف عندما بلغ عدد القتلى السوريين عشرة آلاف قتيل ، او عندما بلغوا ثلاثين ألف قتيل أو ستين ألف قتيل أو عندما وصل إلى مائة ألف قتيل ؟ إذاً فالولايات المتحدة ليست حريصة على أرواح السوريين كما تدعي اليوم ، وعدم حرصها على ذلك واضح بعدم اقتران احتجاجها على قتل السوريين بأي فعل مماثل لفعلها اليوم ، فالسوريون قتـّلوا ، والسوريون هجـّروا , وأصبح عدد اللاجئين يزيد على المليوني لاجىء سوري خارج سورية عدا النزوح الداخلي ، حتى أنّ سحب سفيرها من دمشق كان بسب الأوضاع الأمنية التي تسود دمشق ولم يكن احتجاجاً على سياسة النظام الداخلية ، فهي تعيد نفس اللعبة التي مارستها في العراق ودمرته تحت عنوان الأسلحة الكيماوية العراقية ، فهل نحن أمام نفس المشهد ولكن تحت عنوان تدمير سورية بكل مكوناتها بنية وجيشاً وشعباً ؟
وهل توجيه الضربة الأمريكية لسورية وأياً كانت الأهداف المنتقاة تدخل تحت عنوان حماية المصالح والحلفاء ، فعن أية مصالح وحلفاء يتحدث الرئيس أوباما ، فمن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية تدمير سورية وجعلها تهتم بإعادة بناء إعمار بنيتها الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والتعليمية والعسكرية والتي تحتاج لعشرات السنوات القادمة ، كما تحتاج سورية للعديد من الدول المساهمة في إعادة إعمارها وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة سواء كان بشكل مباشر أم غير مباشر ، فتشغيل رأس المال الأمريكي والأوربي في إعمار سورية سيضع سورية القادمة تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مباشر ، وسيضع سورية تحت الوصاية الدولية وخضوعها للابتزاز السياسي والاقتصادي وهذه هي أهم مصالح الولايات المتحدة .
كما أنّ من المصالح الأمريكية في ضرب سورية توفير شبكة أمان أمني للكيان الصهيوني وخاصة أنّ سورية هي الداعم اللوجستي الحقيقي لحزب الله وجسر مرور الأسلحة الإيرانية لحزب الله ، وهذا ما دعى الكيان الصهيوني إلى تخفيض ميزانيته العسكرية نحو ستة مليارات دولار لعام 2013 ، وإذا ما تمت الضربة الأمريكية وتم انهيار سورية فإنّ ذلك سيجعل الكيان الصهيوني أن يخفض ميزانيته العسكرية عام 2014 إلى نحو الربع بحيث يتم تخفيضها من نحو 52 مليار دولار إلى نحو 39 مليار دولار ، حيث يمكن أن يتحول نصف التخفيض إلى بناء المستوطنات في أرض الضفة الفلسطينية واستكمال بناء جدار الفصل العنصري ، و يستكمل الكيان الصهيوني بذلك ترسيم حدود الدولة الفلسطينية وفق مقتضياته الأمنية .
ومن هم الحلفاء داخل سورية الذين تقتضي حمايتهم أمريكياً ، فإذا كان هدف الضربة تدمير سورية والتخلص من النظام ، فهل طرف الأزمة الآخر هو المتمثل بالمعارضة بكل أطيافها هو حليف الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو الطرف الذي سعى منذ أن أخذت الأزمة طابع الاقتتال الداخلي مطالبة الغرب والمجتمع الدولي بمساعدته عسكرياً وإقامة مناطق عازلة داخل سورية ومناطق حظر جوي ، أم أنّ حلفاء الولايات المتحدة هم الكيان الصهيوني والأردن والعراق الحالي وهم حلفاء طبيعيون للولايات المتحدة التي تتحمل مسؤولية حمايتهم من أي تصرف سوري قادم ، أم أن المعني بالحلفاء سورية ما بعد الضربة العسكرية ؟
وأمام تهديد البيت الأبيض بتوجيه ضربة محدودة لسورية يـُستشف منها عدم ضرب مقرات النظام السوري وإنما توجيه ضربة لبعض المواقع الاستراتيجية السورية التي يقوم عليها النظام السوري وخاصة قيادة الفرقة الرابعة وأسلحتها ، وبالتالي إضعاف مرتكزات النظام السوري وجره إلى طاولة الحوار والمفاوضات في جنيف 2 وإدخال سورية في مرحلة انتقالية ، لأنّ الرئيس أوباما لا يريد أن يدخل في حرب طويلة في سورية كما حدث في العراق .
ومهما كانت أسباب الضربة الأمريكية ونتائجها فإنها تعني المساهمة في تدمير البنية التحتية لسورية ، وإدخال سورية في نفق مظلم لسنوات طويلة كما يحدث الآن في العراق معتمدة في ذلك على العامل الطائفي والقومي في سورية ، وبحيث لا تقوم لسورية قائمة في الزمن المنظور ، فهذه الضربة وأياً كان حجمها وهدفها هي ضربة لسورية الشعب والأرض والوطن والدولة وحماية لمصالح وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة .
حمص في 31/8/2013 صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت