مصر "ما تبقى لكم"

بقلم: أحمد إبراهيم الحاج


مع كل الدعوات لله بالرحمة على روح الشهيد/ غسان كنفاني/ الكاتب والروائي والمناضل الفلسطيني الذي اخذت عنه عنوان هذه المقالة من روايته "ما تبقى لكم". حيث خاطب فيها الفلسطينيين بعد حرب عام 1967م متسائلاً ماذا تبقى لكم من أرض فلسطين، وفي هذا المقام وعلى وقع هذا الواقع العربي الغائم نوجه السؤال للعرب:
ماذا تبقى لكم أيها العرب؟
بعد أفول دولة العراق الغنية والحال الذي آلت اليه اليوم من تمزيق وتبديد للثروات وفقر وعدم استقرار، ومن تحول في العقيدة العسكرية العراقية الى اتجاه مضاد للعقل والمنطق، ويشكل تهديداً للأمن القومي العربي، تلك الدولة التي كانت تحمل مشروعاً تنموياً عربياً، وكانت قلعة حامية للبوابة الشرقية للوطن العربي تكسرت عليها أطماع الطامعين، وبعد سقوط دولة سوريا في مستنقع الحروب العربية الذاتية العبثية في غياب للعقل والتعقل من أطراف الصراع، حرب تقودها عصابات عربية مرتبطة بأجندات أجنبية تديرها بالوكالة وبالنيابة عن أعداء الأمة ضد الأمة ونظام سياسي متكلس لا يقبل التغيير، وكذلك نشوء كيان رخو هيلامي في ليبيا خارج عن نطاق السيطرة بعد تحطيم الدولة الليبية والجيش الليبي، وذلك لهدف تهديد الأمن القومي العربي في شمال أفريقيا، سيما وأن هذا الكيان الليبي الرخو متصل بكيان تونسي مترنحمتململ لا يحظى بثقة وإجماع الشعب التونسي، كل ذلك يستهدف زعزعة مصر بالمقام الأول والجزائر بالمقام الثاني لتلحقا بالعراق وسوريا وليبيا وتونس، يأتي هذا في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية بدعم من اسرائيل، ومساندة وتناغم بالمصالح من قوميات تركية وايرانية متربصة ولها أطماع في الوطن العربي للسيطرة على مقدراته. مما يؤدي الى تمزيق الكتل العربية العسكرية ومراكز القوى الفاعلة بالمنطقة والمحيطة بدولة الكيان الصهيوني، ويمتد الى الكتل العربية البعيدة والمؤهلة لقيادة نهضة عربية تحدث التوازن الإسترتيجي في القوى بين دول المنطقة، وتؤدي في المستقبل الى رجحان الكفة العربية بمقومات عوامل الوحدة، وبالكثافة السكانية، وبالموارد الطبيعية المتنوعة والمتكاملة والقوى البشرية على الكفة الإسرائيلية مما سيؤدي في نهاية المطاف الى شرق أوسط بدون اسرائيل كما تنبأ به كيسنجر.
من مقومات الدولة الناجحة جيش قوي يحمي حدود الوطن، وقوات أمن داخلية تحفظ أمن المواطنين الذين يحملون جنسية هذه الدولة بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والعقائدية، وسيادة قانون مدني عادل يفض النزاعات المجتمعية ويسري بالتساوي على جميع المواطنين، واقتصاد قوي يؤمن في حده الأدنى العيش الكريم لمواطني هذه الدولة. ما حدث في العراق وفي ليبيا وما يحدث في سوريا وما كان سيحدث في مصر لولا ثورة الثلاثين من يونيو هو هدم وتدمير متمعد مع سبق الإصرار لما كانت تملكه هذه الدول من هذه المقومات المنقوصة أصلاً حيث كانت تفتقر الى سيادة القانون العادل، واقتصادها ضعيف تنبعث منه رائحة فساد إداري كريهة، زكمت أنوف شعوبها في ظل سيادة أنظمة سياسية مستبدة متكلسة لا تقبل التغيير الا بعمليات جراحية، أدت الى ما يسمى بالربيع العربي، وكانت الفرصة مواتية لركوب صهوة هذا الربيع للتحكم بمنتجاته الساسية والإقتصادية والعسكرية للوصول الى دول وكيانات هشة ومجتمع ممزق في غياب للقانون، وفلتان أمني وفقر وجوع، وذلك بالعزف على أوتار النعرات الطائفية والحزبية والقبلية وتأجيجها بين أبناء الشعب الواحد، وإحداث التدمير الذاتي بالنيابة وبالوكالة بأيدي أبناء الوطن الواحد. ومما يؤسف له انسياق تيارات دينية متطرفة وتساوقها وتواطئها مع هذا المشروع الغربي الصهيوني الخبيث بحثاً عن ركوب صهوة السلطة في إطار مشروع هيلامي سرابي مستوحاً من أحلام اليقظة، في تعبيرعن العجز الفكري العلمي النهضوي الذي تعيشه الأمة، في ظل انتكاسة النخب الفكرية والثقافية الوطنية الواعية وانكفائها وتحجيمها وتقزيمها وتفتيتها وتكميم أفواهها بفعل أسواط ومعتقلات الأنظمة المستبدة، والهروب الى التعصب والتطرف الديني في تنفيس عن حالة الركون والعجز والتخلف، في إطار ردة الفعل المعاكسة، وانتقام للهزائم العربية في سياق علاج للخطأ بالخطأ الفادح، وانغلاق فكري منصب على نظرية الدين هو الحل وبالأحرى وصفة سحرية هي "الإسلام هو الحل"، ووصف العلاج في قياس على ماضينا، دون تشخيص للحالة التي نعيشها ومعرفة أسبابها، وذلك للتخفيف من آثارها الجانبية المؤلمة دون علاج مرضها واجتثاثه من جذوره، ويستحيل تطبيق هذا الفكر السرابي الذي يفتقد الى مشروع عملي ظاهر المعالم وملموس النتائج، وفي غياب آليات التطبيق على واقع الأمة الراهن وليس على ماضيها البعيد، إذ لا ينفع إسقاط الماضي بكل معطياته وظروفه على الحاضر ومعطياته وظروفه في ظل المتغيرات المتسارعة التي أحدثتها الأمم الناهضة ونحن في بيات شتوي نتغنى بالماضي ونجاحاته.وخاصة في ظل التخلف العلمي والثقافي والتوعوي والعجز الإقتصادي الذي تعيشه الأمة.
ما تبقى لكم أيها العرب من قوة عسكرية متماسكة وكثافة سكانية عالية على حدود الأخطار التي تتهددكم من كل اتجاه هي مصر بدولتها المتماسكة، وجيشها الوطني الباسل، وشعبها العريق وتاريخها العميق وحضارتها القديمة، وقابليتها السريعة للنهوض من الكبوات كما نهضت من كبوة النكسة عام 1967م رافضة للهزيمة والإستسلام، وذلك بمعطياتها ومقوماتها الحضارية والثقافية والتوعوية وقواها البشرية، وقدرتها على حمل أمانة الأمة وتحمل أعبائها، والنهوض بنفسها وبكم الى بر الأمان. فدعم مصر اليوم في ثورتها الشعبية المباركة على مخططات الإستهداف للأمة، وفي صحوتها الواعية التي استبقت الأخطار المحدقة بها وبكم قبل وقوعها بوعي رجالها المخلصين وأبنائها البررة،دعمها ومساندتها واجب عليكم وتستحق منكم الإلتفاف حولها بكل ما اوتيتم من قوة وعوامل الدعم والمساندة ضد الإرهاب الذي يمارس في أراضها ضد جيشها ومواطنيها.لتستعيد عافيتها وعافيتكم، وتسترجع توازنها ودورها الطليعي في بناء نهضة الأمة وتحررها واستقلالها ومنعتها ضد الأخطار الملتفة حولها. فقد رفعت مصر بثورتها الشعبية المباركة الفيتو ضد المشروع الأمريكي الصهيوني الذي يهدف الى تمزيق الأمة والإبقاء عليها ضعيفة لتنعم اسرائيل بالأمن، فأمن اسرائيل في نظر ساستها هو الضعف العربي، وقوة اسرائيل في ضعف الأمة وتشرذمها.

بقلم أحمد ابراهيم الحاج
16/9/2013م

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت