السلام لا يمكن صناعته بالقوة العسكرية واستعراضها بلغت ما بلغت , فحالة الهدوء والأمن التي تفرضها البنادق سرعان ما تزول وتخترق من جديد , هذا ما جربته إسرائيل ومازالت تجربة مع كل حدث بالضفة الغربية , والسلام لا يمكن أن يستمر في حالة كالتي يعيشها الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة مهما وصلت حالة العسل التي تعيشها قوات إسرائيل على خلفية التهدئة والتفاهمات المؤقتة , ففي الضفة الغربية الأمر مختلف عن غزة تعتقد إسرائيل أنها بقوتها تستطيع أن تصنع الأمن والاستقرار وتهود وتستوطن و تقتلع الآمنين من بيوتهم وأرضهم بقوة البنادق والجرافات الصهيونية لكن سرعان ما تتكشف الأمور أن هذا لا يصنع حالة سلام قوي ومقبول بين الطرفين يضمن العيش والتطور الطبيعي للشعبين , وبعد العمليتين الفدائيتين اللتان حدثتا بالضفة الغربية في اقل من ثمان وأربعون ساعة واللتان أسفرتا عن مقتل جنديين إسرائيليين اتضح هذا بقوة وخاصة أن الجندي الأول اختطف على يد أخ لأسير فلسطيني على أمل أن يطلق سراح أخيه الذي يقبع في السجون الصهيونية منذ سنوات, وقنص الثاني عندما كان جنود الاحتلال و المستوطنين يحتفلوا على بوابة الحرم الإبراهيمي الشريف بمدينة الخليل.
قبل اقل من ثلاثة أسابيع صعدت إسرائيل من حربها ضد الفلسطينيين وقتلت ثلاثة من خيرة شباب مخيم قلنديا بالضفة الغربية عندما اقتحمت القوات الصهيونية بالمجنزرات وعربات الهامر بلدة قلنديا دون داعي أو أسباب حقيقية سوي ممارسة الاحتلال والقتل والإرهاب وقتلت من قتلت و دمرت ما دمرت وانسحبت إلى منطلقها التي جاءت منه , وقبل أسبوع بالضبط أعدمت إسرائيل وقتلت خارج القانون الشاب إسلام الطوباسي من جنين بعد أن اقتحمت بيته وألقت القبض علية مصابا بالقدم وبعد ذلك سلمته جثة إلى أهله, واليوم بعد مقتل الجندي الإسرائيلي الأخير بالخليل فرضت إسرائيل حصار شاملا ومحكما على مدينة الخليل واقتحمت العديد من مدن الضفة الغربية واعتقلت نشطاء فلسطينيين , هذا بخلاف الإجراءات العسكرية الاحتلالية الأخرى التي تعيق دخول وخروج الفلسطينيين من وإلى المدن الكبرى بالضفة الغربية كرام الله والخليل والقدس ونابلس وجنين وقلقيلية التي مازالت تقيد حركة سكانها عقب مقتل الجندي الصهيوني الذي اختطف .
اليوم وفي أول رد فعل سياسي إسرائيلي على حادثة قتل الجندي الاحتلالي بالخليل أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليلة ( الأحد) المستوطنين بالتحرك فورا والاستيلاء على المنزل المتنازع عليه في البلدة القديمة بمدينة الخليل والمعروف ببيت( المكفلا) والذي أخلته إسرائيل في ابريل نيسان 2012", وهذا رد فعل احتلالي استيطاني إرهابي متوقع لان إسرائيل لا تفكر إلا بهذا الأسلوب ولا يمكنها أن تفكر بغير ذلك ,فلا يمكنها التفكير بالانسحاب من بوابات المدن الفلسطينية وترك سكانها دون يعيشوا ويتنقلوا في سلام وامن واستقرار , وهنا تعتقد إسرائيل أنها بقوتها تستطيع أن تصنع سلام وتجبر الفلسطينيين على صنع السلام واحترام قواتها الاحتلال والتعامل مع بنادقها وحصارها و حواجزها و تهويدها واستيطانها بسلام , ولم يقف الأمر عند هذا التحريض فقد سارع عدد من الوزراء الإسرائيليين في حكومة نتنياهو للدعوة إلى وقف المفاوضات مع الفلسطينيين وكأن المفاوضات التي تجري الآن على وشك تحقيق سلام عادل بين الطرفين , وشن وزير المواصلات (إسرائيل كاتس) هجوما على الرئيس الفلسطيني أبو مازن، واتهمه برعاية "الإرهاب" في إشارة خطيرة إلى استهداف رئيس السلطة الفلسطينية وعقابه على ما يجري من أحداث سببها إسرائيل في الأول والأخر , ومن هنا يبدو أن إسرائيل تتوجع بالفعل عندما يقتل جنودها على أيدي فلسطينيين وترفع مستوي التحريض ضد السلطة الفلسطينية وقيادتها ولا تريد أن يتوجع الفلسطينيين عندما يقتل جيشها الآمنين ويدمر بيوتهم ويرهب عائلاتهم .
انه مفهوم إسرائيلي خاطئ لطبيعة الصراع ,فلا يمكن لقوي الاحتلال مهما كانت تملك من آلة عسكرية وأدوات إرهاب منظم أن تصنع سلام أو حتى توظف ردات فعل الصراع والاحتلال لممارسة أساليب إرهابية أكثر عنصرية لصالح أحكام السيطرة على الفلسطينيين وكف أيديهم عن المقاومة وإمكانية رد الوجع بالوجع وإجبار قادتهم على إدانة القتل في الجانب الإسرائيلي فقط دون إدانة جرائم إسرائيل وممارسات جيشها القتل والإرهاب الذي هو سبب رئيسي لدوافع رد الفعل الفلسطيني وعودة العمليات الفدائية ضد قوات الاحتلال, ولعل أسلوب استخدام القوة العسكرية والتهديد السياسي لا يمكن أن يجلب سلام ما تنتهجه إسرائيل خلال التعامل مع أحداث الصراع الدائر منذ أكثر من ستين عاما ولا يمكن أن يأتي إلا بمزيد من الدماء والقتل , و لو فهمت إسرائيل هذا منذ أن مارست احتلال أراضي الفلسطينيين بالقوة وشرعت تستوطن وتهود وتحمي قتلها بالقتل وممارسة مزيد من الاحتلال والاستيطان لكانت صنعت سلام حقيقي مع الفلسطينيين والأمة العربية وعاشت شعوب المنطقة جمعاء دون مزيد من الدماء ومزيد من المعاناة والحروب .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت