البحث في القواسم المشتركة

بقلم: مصطفى إبراهيم


المشهد في قطاع غزة معقد ويعيش الناس وسط حالة اللا يقين والارتباك والاحتقان، التي تسيطر عليهم وعلى وحركة حماس، و يغرق القطاع في بحر من الشائعات و الادعاءات والمبالغات، بان مصر ربما تقدم على استهداف حركة حماس عسكرياً، الناس عادة ما تلتقط هذه الشائعات وتروجها وكل حسب مصلحته وموقفه من حركة حماس.
لكن الاهم أن ملامح الازمة واضحة في قطاع غزة والمشاهد كثيرة ومتعددة، مع ان حركة حماس تقول ان هذه الحال ليست ازمة، بل هي منعطف كما وصفها المسؤول في الحركة عماد العلمي خلال لقاء معه في وقت سابق، وان هذا لن يدوم وحماس ليست السبب فيها كما يشاع وتصوره وسائل الاعلام المصرية، وأنهم يدفعون ثمن شيطنة جماعة الاخوان المسلمين في مصر.
ومع ذلك يختلف الفلسطينيين على من يتحمل المسؤولية فيما يجري في العلاقة بين مصر وحركة حماس وتأثير ذلك على الناس في القطاع، و منذ بداية الازمة تقدم كثر من المهمومين بالوطن بمبادرات الى حركة حماس من اجل تحسين الصورة والعلاقة مع مصر، و نفي الاتهامات الخطيرة التي وجهتها ضد حماس، وتخليص الناس من شرور قادمة، إلا ان الحركة لم تقدم أي مبادرة لتخفف من الازمة مع مصر.
لا يمكن المفاضلة بين ازمة وأخرى فالقضية الفلسطينية برمتها تعيش أزمة، ولا يمكن الاستمرار بهذه الازمة التي يشارك الجميع في استفحالها، كما يعيش قطاع غزة ازمة خاصة مستمرة منذ عدة سنوات إلا انها تفاقمت خلال الشهرين الماضيين، ويعاني الناس على جميع المستويات والمشهد خطير ويستنزف الناس التي تدفع ثمن يومي.
استمرار الانقسام بين ابناء الوطن الواحد ليس عدلا، فالقواسم المشتركة بينهم كبيرة، فتاريخهم يشهد على معاناتهم وآلامهم وحزنهم الكبير، واستمرار الاحتلال ونكبتهم تذكرهم كل لحظة بان المساحة المشتركة بينهم كبيرة، فنظرة الى الوراء قليلا سيجدوا ان ما لديهم من وقفات عز وتضامن وتكافل وبطولة كثيرة، يكفيهم ان يتذكروا ايام الانتفاضة الاولى، وكيف واجه الفلسطينيين شيوخ وشباب ورجال ونساء طلاب وعمال وأغنياء وفقراء قوات الاحتلال بالمظاهرات السلمية وبالحجارة.
كان الفلسطينيون يداً واحدة، قبل ان تفرقهم اوهام السيطرة والاستئثار والتفرد بالقضية ومصير الناس واتخاذ القرارات، إلى ان وصلوا الى تفتيت نسيجهم الاجتماعي والوطني وتعزيز ثقافة الاغيار فيما بينهم.
الصورة واضحة امامهم ومع ذلك مصرين على السير في الطريق المظلم، كل الشواهد تدل على ذلك، ويسرعون الخطى نحو المجهول والفوضى والدم والقتل، واستمرار الاحتلال ومحاولات تصفية المشروع الوطني قائمة.
هم بين خيارين، الاول خيار المفاوضات والإصرار على المضي فيه مختلفين وغير موحدين وبرؤية سياسية وما يشكله هذا الخيار من خطورة على المشروع الوطني، ولم يتم التقدم به عدا عن استشراء الاستيطان وتهويد القدس، واستمرار الاحتلال وقمعه وممارساته الاجرامية اليومية، والخيار الثاني خيار المقاومة وغياب الاستراتيجية الوطنية والاتفاق على آلياتها ووسائلها السلمية والمسلحة، و بين الرد على العدوان الاسرائيلي المستمر او مقاومته من خلال المبادرة باستهداف دولة الاحتلال، وما له من استحقاقات دفع الفلسطينيين ثمنها بالدم خاصة في قطاع غزة.
ويقع الفلسطينيين بين ايهما افضل لهما، ويتم تخويفهما بالبدائل او أي من الخيارات يختاروا ويسلكوا، وهم لا يملكون من ان يختاروا، وكأن لا بديل لهما سوى المضي في الطريق المجهول، والاستمرار في الخيارين منفردين و تعزيز الانقسام وغياب الرؤية والبرنامج.
قد تكون كثير من الحقائق غيبت عن الفلسطينيين عمدا او بحسن نية، فالمبالغات والأكاذيب والهواجس والوهم والخوف الذي يبثه كل طرف لتسويق رؤيته على حساب رؤية الطرف الاخر من اجل البقاء على موقفه وتحقيق مشروعه، تساهم في استمرار الازمة.
لكل طرف روايته الخاصة والناس بحاجة الى من يرحمها من حال التيه ومن ضياع الوقت والجهد والروايات المتناقضة، والكل الفلسطيني ارتكب خطايا بحق الوطن والقضية والناس.
وكأن الفلسطينيين لا يستطيعوا ايجاد البدائل لحل ازماتهم المزمنة وأنهم بين خيارات غير محسوبة و ارتجالية تشبه ما يعرف بين الفلسطينيين "بالفزعة" واجترار تجارب الماضي الفاشلة، عدا عن ذلك فهم وقعوا بين سلطتين لم ترحما معاناتهم وصمودهم، وتمارسا عليهم سطوة القوة والاستبداد والاعتداء على حرياتهم وتعرض حقوقهم للانتهاكات بشكل يومي.
أحلام الفلسطينيين بسيطة وممكنة التحقيق بأن يتفق المختلفون ويتركوهم يعيشوا بهدوء لتربية ابنائهم وتلبية احتياجاتهم اليومية، في مجتمع يسوده القانون والعدل والمساواة بين الناس.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت