دحلان .. القوة الصاعدة

بقلم: طلال الشريف

دحلان اختلفوا معه أم اختلفوا عليه فالسياسة لا تعرف الفراغ ولا تعترف بالخيال،
على مدى ثلاثة عقود من العمل السياسي تبلور لدي مفهوم خاص عن السياسة وتعريفاتها الكثيرة وأقول أن تعريفي الجديد للسياسة هو " أين تقف " فالسياسي ليس خيالا أو فراغا، بل هو يقف في مكان ما ماثل للعيان.
ركزوا معي فقد تكون المصالحة قد أصبحت أكثر قربا والمصالحة هنا هي المصطلح التجميلي للمصطلح المؤلم وهو التغيير فالمصالحة القادمة أو التغيير هي أقرب من أي وقت مضى بعد أن تراجعت بحكم الواقع علامات المعضلة dilemma"" الفلسطينية الداخلية حتى ولو باقترابها للاشتباك أو بالمصالحة فإن الحالة الفلسطينية غادرت موقع اللا حل وهي في طريقها الآن تقترب من محطتها الأخيرة.


نحن الآن في مرحلة الصراع الجديد conflict"" وهذا الصراع هو أقل عدمية من المعضلة رغم صعوبة الصراع ، وكما هو معروف فالمعضلة العدمية الجامدة لا تدوم للأبد وتضطر جماعات الناس لتغيير مواقفها ومفاهيمها جبرا أو خاطرا لكي تتخطى صخرة المعضلة للذهاب للمستقبل وفي أحيان كثيرة تخضع جماعات الناس لقوانين الطبيعة التي تفعل فعلها للتغيير.


بعد سبع سنوات من المعضلة بالانقسام الفلسطيني تغير المشهد لجماعات الفلسطينيين للتغلب على انغلاق آفاق المستقبل وصعدت قوة جديدة فاعلة يمثلها دحلان الفتحاوي أصلا وفصلا وكم كنا نتمنى أن تصعد هذه القوة الجديدة الصاعدة من جماعة أخرى ومن لون آخر في الحركة الوطنية أو ولادة جديدة غير فتح وحماس ولكن الجماعات الاخرى أضاعت الفرصة التاريخية والطبيعية لإحداث التوازن المطلوب في الازمات السياسية الكبرى حسب قانون الجماعات.


اختلفنا أو اتفقنا مع دحلان فقد أفرزه الواقع بحيثياته ومناصريه وإدارته للسياسة وأصبح دحلان قوة صاعدة لا يستهان بها تنافس الأصل والنقيض في صراع الديكة، وهذه ظاهرة فريدة في تاريخ الجماعات السياسية رغم عدم انشقاق دحلان الذي مازال متمسكا بفتح، أصبح دحلان ينافس فتح وهو ابن فتح وأصبح ينافس حماس وهي النقيض المناوئ لفتح.


عندما تتبلور هنا قوة ثالثة في الصراع الثنائي الداخلي الفلسطيني يحدث التوازن المطلوب للمصالحة أو الاشتباك أو الحل أو التغيير، فإن عاد دحلان لفتح فهو قوة مضاعفة لفتح وإن لم يعد لفتح فقد تصاعدت قوته بمؤيديه ومناصريه والملتفون حوله من فتح وغيرها من المجتمع الذي ينتظر منقذا ومخلصا بعد أن فقد الأمل بالحكام الذين لم يغادروا مربع الانقسام وآثاره المدمرة عميقا في في نفوس الناس والمجتمع، فالمجتمع دائما يريد تصعيد قوة جديدة منافسة بعد أن تيقن من فشل الجماعات الاخرى يسارا ويمينا حيث لم يتمكنوا من التقاط بوصلة مجتمعهم لأسباب ذاتية بالأحزاب المواكبة وأسباب موضوعية تحتاج مقالا آخرا.


الآن أطراف الصراع في المشكلة الفلسطينية الداخلية قد تعنونت بين ثلاثة قوى ، بين فتح وحماس وبين فتح وفتح وحماس بعد التغيرات في الواقع الفلسطيني والإقليمي ودول الجوار والربيع والخريف في المنطقة وارتداداتها.


الآن هناك قوة تمثلها حماس بعد أن فقدت من حلفائها الأهم سوريا وحزب الله وايران وانتكاسة حكم الاخوان في مصر وهي في موقف لا تحسد عليه رغم استمرارها في حكم غزة وحالة التماسك الحمساوي على الأرض ولكنها في مأزق وتعاني وستعاني أيا كان القادم.


الآن قوة فتح عباس وأنصارها وعنصر التهديد الذي يواجهها جراء عدم التمكن من استرجاع غزة وكذلك الالتفاف حول دحلان من كثيرين من فتح لكاريزميته وعنصر الضعف المستقبلي إذا ما خرجت جموع من فتح في محطة انتخابات قادمة لصالح دحلان بالإضافة لأزماتها المالية المتكررة ونمطية العلاقات الاقليمية والعربية التي لم تتطور نوعيا رغم التغيرات الحادة التي حدثت في الاقليم بل يمكن أن تكون بعض العلاقات قد تراجعت مع بعض الدول الفاعلة مثل السعودية والإمارات والمستقبل الشائك بشأن مراهنتها على المفاوضات.


الآن القوة الصاعدة لدحلان وأنصاره على الارض في ازدياد كلما طال غياب المصالحة لأن الجمهور الأوسع يذهب تدريجيا للقوة الجديدة المنافسة لعقم الحالة التي يمثلها عباس وحماس هي القوة الاكثر استرخاء لعدم وقوعها تحت ضغط المسئولية عن توفير احتياجات وأمن ورواتب السلطتين حتى لو كان لديه ألف موظف، وهذه القوة الصاعدة تتمتع بعلاقات دولية وإقليمية وعربية ومالية كبيرة وواضح أن علاقات دحلان جيدة بدول فاعلة عربيا مثل مصر والسعودية والإمارات ومعهم الكويت ومخيمات لبنان والمهجر.


عندما تصبح الحقيقة واضحة فى المسرح الفلسطيني للقوة الصاعدة من أعداد ومن امكانيات مالية ممتازة مقارنة بأزمة حماس وعباس السياسية والمالية لابد لهذه القوى الثلاث دحلان وعباس وحماس من الجلوس للوصول لحل للإشكاليات بينهم التي أرهقت المواطن والقضية والاتفاق على الذهاب للانتخابات بعد مراجعة المواقف فالصورة واضحة وعلى كل منهم أن ينظر " أين يقف " كما قلنا عن السياسة، ففي السياسة لا توجد انتصارات دائمة ولا توجد تحالفات دائمة ولا عداءات دائمة ولكن هناك مصالح لكم ولشعبكم في منتصف الطريق فاذهبوا لمنتصف الطريق للحوار هناك.
4/10/2013م