علاقة العشر بعرفة والنحر

بقلم: القاضي ماهر خضير


روى عن أنس بن مالك ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال " كان يقال في ايام العشر :" بكل يوم الف يوم ويوم عرفه بعشرة آلاف يوم" يعني في الفضل . لقد خلق الله السماوات واختار منها السابعة وخلق الجنّات واختار منها الفردوس وخلق الملائكة واختار منهم جبريل وميكائيل واسرافيل وخلق البشر واختار منهم المؤمنين واختار من المؤمنين الانبياء واختار من الانبياء الرسل واختار من الرسل اولي العزم واختار من اولي العزم الخليلين واختار من الخليلين محمد صلى الله عليه وسلم . وخلق الارض واختار منها مكة وخلق الايام واختار منها شهر رمضان ومن ايامها الجمعة ومن لياليها ليلة القدر ومن ساعاتها ساعة الجمعة ومن عشرها عشر ذي الحجة، وهي العشر الأوائل من هذا الشهر المبارك ذي الحجة والتي لها مكانة عظيمة عند الله وهي عشر مباركات كثيرة الحسنات قليلة السيئات عالية الدرجات متنوعة الطاعات ولها فضائل كبيرة وعظيمة منها:
ان الله تبارك وتعالى اقسم بها في القرآن فقال" وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ" والله تعالى لا يقسم الا بأعظم الاشياء كالسماوات والارض والشمس والقمر والنجوم والفجر والعصر والعشر فالقسم بها يدل على رفعة مكانها .
من فضائلها أن الله قد قرنها بأفضل الأوقات كالفجر والشفع والوتر وبالليل فالفجر هو أقرب الأوقات للنزول الالهي في الثلث الأخير من الليل وقرنها بالشفع والوتر لانهما العددان المكونات للمخلوقات فما من مخلوق الا وهو شفع أو وتر وحتى العشر فيها شفع وهو النحر وفيها وتر وهو عرفة.
ومن فضائلها أيضا ان الله تعالى أكمل فيها الدين اذ تجتمع فيها العبادات كلها وبكمال الدين يكمل العمل ويكمل الاجر وينتصر الانسان على شيطانه وعلى الهوى والشهوات فهذه العشر فيها كمال الدين من صلاة وصوم وصدقه وحج ولأجل اجتماع كل هذه العبادات في هذه الايام حسدنا اليهود على هذا الكمال فقال حبر من احبارهم لعمر رضي الله عنه عندكم آية في كتابكم لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه عيدا لنا هي" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا" قال سيدنا عمر رضي الله عنه اني اعلم متى نزلت واين نزلت انها نزلت يوم عرفه في يوم جمعة .
ومن فضائل العشر الأوائل من ذي الحجة ان الله أتم فيها النعمة فأرواح المؤمنين تنعم فيها بشتى أنواع الطاعات القولية والفعلية فالعبادات تجتمع فيها ولاتجتمع في غيرها فهي ايام الكمال فكما ذكرت فيها الصلاة كما في غيرها وفيها الصدقة لمن حال عليه الحول وفيها الصوم لمن اراد التطوع وفيها الحج الى بيت الله الحرام ولايكون في غيرها وفيها ايضا الذكر والتلبية والدعاء واجتماع كل العبادات ففي هذه الايام شرف لها لا يضاهيها فيه غيرها ولايساويها سواها .
ومن فضائلها أنها أفضل أيام الدنيا على الاطلاق دقائقها وساعاتها وأيامها وأسبوعها فهي أحب الايام الى الله تعالى والعمل الصالح فيها أحب الى الله تعالى فهي موسم للربح وهي طريق للنجاة فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب الى الله تعالى من هذه الايام " يعني العشر الأول من ذي الحجة قالوا يارسول الله ولا الجهاد في سبيل الله قال " ولا الجهاد في سبيل الله الا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" وهذا يدل على ان العمل والعبادة في ايام العشر افضل من الجهاد بالنفس وافضل من الجهاد بالمال وقد روى عن أنس بن مالك ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال " كان يقال في ايام العشر :" بكل يوم الف يوم ويوم عرفه بعشرة آلاف يوم" يعني في الفضل وروي عن الأوزاعي قال بلغني أن العمل في يوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله.
ان العشر الأوائل من ذي الحجة فيها يوم عرفه وهو اليوم التاسع وهو معروف بالفضل وكثرة الاجر والغفران من الذنوب وقد قال صلى الله عليه وسلم " خير الدعاء دعاء يوم عرفه " وهو يوم الحج الأكبر قال المصطفى صلى الله عليه وسلم " الحج عرفه "وصومه تطوعا يكفر ذنوب سنتين ،وفي هذه الاوائل ايضا يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة وهو أفضل الايام كما ورد في الحديث " أفضل الايام يوم النحر " وفيه تكون معظم أعمال النسك من رمي الجمرة وحلق الرأس وذبح الهدي والطواف والسعي وصلاة العيد وذبح الاضحية .
ان فضائل العشر الاوائل من شهر ذي الحجة كثيرة وثوابها أكثر واعظم فلا ينبغي للمسلم ان يضيعها بل ينبغي ان يغتنمها وان يسابق الى الخيرات فيها وان يشغلها بالعمل الصالح ويكون بالتهليل والتكبير والتحميد روى الامام أحمد عن الرسول صلى الله عليه وسلم " مامن أيام أعظم عند الله ولا أحب اليه من العمل فيهن من هذه الايام العشر فاكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد . "
وكان الصحابة رضوان الله عليهم وهم أكثر اتّباعا للسنة ،فاذا دخلت العشر من ذي الحجة يخرجوا الى السوق يكبروا فاذا سمعهم الناس تذكروا التكبير وكبروا. ويحبذ فيها التسبيح وقراءة القرآن والذكر وكثرة الصلاة وخاصة في النوافل بعد الفرائض فالمحافظة على النوافل سبب من أسباب محبة الله ومن نال محبة الله حفظه وأجاب دعاءه ورفع مقامه لأنها تكمل النقص وتجبر الكسر وتسد الخلل . كما يحبذ الاكثار من الصدقة اذ الصدقة فيها افضل من الصدقة في رمضان فالناس بحاجة للاستعداد للحج والعيد وطلب الاضحية كما يحبذ فيها كثرة الصيام حتى لو صام التسعة لكان ذلك مشروعا لان الصيام من العمل الصالح فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه كان يصوم يوم عاشوراء وتسع من ذي الحجة .
ان المسلم يجب ان يتسابق للخيرات في هذه العشر بكل عمل صالح ويكثر من الدعاء والاستغفار ويتقرب الى الله بكل قربة كما انه ينبغي للمسلم اذا دخلت عليه العشر ويريد ان يضحي فلا يأخذ من شعره ولا بشرته ولا أظافره شيئا .والاضحية هي الشاة التي تذبح ضحى يوم العيد تقربا الى الله تعالى وهي سنة واجبة على أهل كل بيت مسلم قدر مستطاعه عليها لقوله تعالى" فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " وقول الرسول صلى الله عليه وسلم "ماعمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب الى الله من اراقة دم وانها لتاتي يوم القيامة بقرونها واظلافها واشعارها وان الدم ليقع من الله عزوجل بمكان مثل ان يقع على الارض فطيبوا بها نفسا " وحكمة هذه الاضحية هي التقرب الى الله تعالى اذ قال "قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " والنسك هنا هو الذبح وهي احياء لسنة امام الموحدين ابراهيم الخليل عليه السلام اذ اوحى الله اليه ان يذبح ولده اسماعيل ثم فداه بكبش فذبحه بدلا عنه قال تعالى " وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ. " ثم ان الاضحية تشيع الرحمة بين الفقراء والمساكين وتوسعة على اهل البيت والاولاد يوم العيد فنسأل الله العلي القدير ان يتقبل منا طاعتنا في هذه الايام المباركة العشر الاوائل من ذي الحجة التي اقسم بها الله عندما قال "وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ " ونسأل الله ان تكون علينا وعلى امتنا العربية والاسلامية ايام خير وان نرى في هذه الايام النصر القريب لتحرير فلسطين والقدس الشريف.
د. ماهر خضير