أثيرت الكثير من المغالطات حول موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من موضوع " إدارة غزة" الذي أعلنته حركة حماس عبر الأخ اسماعيل هنية، حيث أوضحنا موقفنا الرسمي خلال لقاء ضم القيادات الأولى للعديد من القوى، لمناقشة هذا الموضوع. عارضنا فيه المشاركة في هذا الموضوع أو في حكومة غزة، لأن ذلك يعزز الانقسام، ويقطع الطريق أمام الجهود التي تبذل لاستعادة الوحدة، وهو ذات السبب في رفض الجبهة أيضاً المشاركة في حكومات الضفة المتعاقبة.
وإحدى أهم الأسباب التي دعت الجبهة للتشبث بموقفها هذا هو أن الحكومتين تعتبرا من أبرز تجليات أوسلو ولعناتها، فتلك الحكومتين أو حكومات السلطة أعاقت النضال الوطني الفلسطيني، وبدلاً من أن تكون سنداً وداعماً لاستمراره من أجل نيل أهداف شعبنا في الحرية والاستقلال، أصبحت عبئاً على هذا النضال، فلكل حكومة أجهزتها الأمنية التي تمارس القمع على المواطنين سواء في الضفة أو في غزة، وحكومة رام الله تمارس التنسيق الأمني البغيض، والأخرى في غزة تنشر قواتها على طول الحدود لمنع المقاتلين الفلسطينيين من القيام بأي عمل ضد الاحتلال، كل ذلك يعني أن طاقة جزء هام من الشعب الفلسطيني وُجهت لقمع الشعب الفلسطيني بدلاً من أن توجه ضد الاحتلال.
كما أن كل حكومة من الحكومتين أصبح لها وزارات ووكلاء وزارة ومدراء عامين بما يستوجبه ذلك من سيارات ومرافقين، وهذا ينهك ميزانية الشعب الفلسطيني التي من المفروض أن توجه بشكل رئيسي لمواجهة الاحتلال بكل الأشكال، كما أن الحكومات الفلسطينية ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بتفاهمات مع الاحتلال تضع قيداً على تحرك المقاومة الفلسطينية.
أجدد التأكيد مرة أخرى بأن لعنة الحكومتين أصابت كل من غزة والضفة، أدت إلى انعكاسات سلبية على مسيرة النضال والتحرر للشعب الفلسطيني، وزادت من معانيات شعبنا الفلسطيني المنهك أصلاً جراء الاحتلال وممارساته العدوانية المتواصلة.
لكن هنا أستدرك وأتساءل: هل هنالك طريقة لإشراك الكل الفلسطيني في اتخاذ القرار ومتابعة تنفيذه وتحمل عبء النضال؟! جوابي نعم، ذلك ممكن، واسمحوا لي أن أركز في هذا الممكن على مجموعة من الخطوات الضرورية، التي يمكّن أن تشكّل خطة إنقاذ بديلة عن الحالة الراهنة في المشهد الفلسطيني، قادرة على أن تبعدنا عن مستنقع الانقسام الكارثي، والهبوط السياسي، تبدأ بتشكيل قيادة وطنية موحدة تقود نضال الشعب الفلسطيني في الداخل (غزة والضفة) لمواجهة الاحتلال وممارساته، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تبحث في هموم هذا الشعب وتعمل على علاجها بإشراك الجميع حتى تعزز صمود أبناء الشعب الفلسطيني.
إن هذه القيادة يجب أن تكون ممثلة لكل قطاعات الشعب السياسية والمجتمعية، وقد تكون بشكل الإطار المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي انبثق عن اتفاق القاهرة، بشرط ألا يكون رئيس منظمة التحرير هو رئيس السلطة حتى يتحرر من قيود رئاسته للسلطة عند اتخاذ أي قرار أو موقف بشأن النضال الوطني الفلسطيني. وهذا الإطار المؤقت يقود الشعب الفلسطيني ويتولى شؤونه في داخل الوطن والشتات.
كما نؤكد على ضرورة أن تبادر حركة حماس وحكومتها في غزة بشكل جدي لتعزيز ثقة القوى بما تقول، وذلك من خلال وضع ما صرّح به الأخ اسماعيل هنية حول إجراء انتخابات بلدية ونقابية وطلابية في غزة موضع التطبيق العملي، وعدم وضع العراقيل أمام هذا التصريح، حتى لا يبدو كأنه تصريح للعلاقات العامة، وليس تصريحاً جدياً لإشراك الكل الفلسطيني في إدارة الوضع الفلسطيني الداخلي، ولتنفيذ ذلك أقترح الخطوات المحددة التالية:
1- إعلان حكومة غزة الاتفاق مع القوى على إجراء انتخابات في جميع المجالس البلدية والمحلية على قاعدة التمثيل النسبي الكامل بإشراف لجنة الانتخابات المركزية وأن تضع كل إمكانياتها وإمكانيات القوى لتحقيق هذا الهدف.
2- التوافق على إجراء انتخابات في كل النقابات والجمعيات المهنية في قطاع غزة على أساس التمثيل النسبي الكامل وبتوافق وإشراف كل الكتل النقابية حتى نضمن وطنية وشفافية تلك الانتخابات، وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة توقف الإخوة في حركة حماس وحكومتها عن مشروع تشكيل نقابات منفصلة في غزة، ووضع تشريعات جديدة من المجلس التشريعي لذلك، لأن ذلك يعرقل مشاركة الجميع في هذه الخطوة ومن ناحية أخرى هو أحد أشكال تعزيز الانقسام.
3- إجراء انتخابات في الجامعات لاختيار المجالس الطلابية بمشاركة كل الكتل والأطر الطلابية.
إن هكذا إجراء سيفعّل خلايا المجتمع المختلفة وسيشرك الكل الفلسطيني في الشأن الوطني الفلسطيني، وسيساهم أيضاً في إنهاء الانقسام. وسيبقى مهمة وطنية ضرورية وهامة.
إن ما ذكرت لا يعني أبداً أنني لا أرى ضرورة في إنهاء الانقسام، بل أعتبر ذلك خطوة نحو تحقيق هذا الهدف، مع التشديد على أن إنهاء الانقسام يأتي عبر تطبيق ما تم الاتفاق عليه في القاهرة, وذلك حسب الخطوات التالية:
1- تفعيل وانتظام اجتماعات الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي اتفق عليه، حتى يقوم بواجبه في إدارة الشأن الفلسطيني في الوطن والشتات، والتحضير لانتخابات وطنية شاملة للمجلس الوطني الفلسطيني على أساس التمثيل النسبي في الوطن وحيثما أمكن في الشتات، وفي الوقت ذاته يقوم هذا الإطار بدور المرجعية القيادية للشعب الفلسطيني لمعالجة قضايا النضال الوطني الفلسطيني بما في ذلك إصلاح كل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيلها.
2- قيام الإطار القيادي المؤقت بالتوافق على برنامج الحد الأدنى السياسي مستنداً إلى وثيقة الوفاق الوطني بعد تطويرها بعد حوار معمق ومراجعة للتجربة واستخلاص العبر للوصول إلى برنامج الحد الأدنى هذا.
3- تشكيل حكومة فلسطينية موحدة تكون مهمتها توحيد المؤسسات الفلسطينية في الداخل (غزة والضفة) وعلاج آثار حصار غزة والتحضير للانتخابات.
4- تحديد موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني بعد ست شهور من تشكيل تلك الحكومة.
5- وتمهيداً لكل هذه الخطوات تتوقف كل الممارسات القمعية لحكومتي رام الله وغزة، وتتوقف المناكفات السياسية ضمن آليات محددة يتم التوافق عليها.
إن الوضع الفلسطيني حرج والقضية الوطنية في خطر، فالانقسام لا يمكن لمن يمارسه أن يساهم في قيادة الشعب الفلسطيني، فالنضال يحتاج إلى قيادة وطنية موحدة تقوده، والأوضاع العربية وبالذات في دول الطوق لا تخفى على أحد حيث أن الشعوب العربية وحكوماتها مشغولة بمشاكلها الداخلية وتتعامل مع الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينية مدعومة بشكل كامل من الإدارة الأمريكية، أيضاً استمرار المفاوضات العبثية والضارة سيؤدي إلى مزيد من حالة الهبوط عن الثوابت الفلسطينية، بالإضافة إلى أن المقاومة الفلسطينية بكل أشكالها في هذه الأوضاع أصبحت غير مجدية، وأصبحت الحاجة ماسة إلى إعادة تصحيح مسارها ليعود بريقها مرة أخرى، وتزداد عنفواناً وقوة تستطيع مواجهة التصدي للاحتلال الصهيوني، وتجعله يشعر بأن احتلاله لأرضنا وتنكره لحقوقنا سيكون خاسراً وباهظاً له.
9/10/2013
· عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين