مع اقتراب يوم الانتخابات للسلطات المحلية وساحة الحسم الديمقراطي ، بعد غد الثلاثاء، فإن المنافسة الانتخابية تزداد حدة وشراسة وتدق الأبواب محتدمة، وذلك بعد أسابيع بل أشهر من العمل الانتخابي المضني والمشاورات والاجتماعات الليلية الممتدة الى ساعات الصباح ، فضلاً عن الجلسات اليومية في المقرات واصدار البيانات والبرامج الانتخابية وتعليق صور المرشحين في الشوارع وعلى الجدران وواجهات البيوت ، اضافة الى الأعلام التي ترفرف فوق سطوح المنازل والسيارات .
وبدون أدنى شك ان الدعاية الانتخابية تمثل السلاح النفسي الأقوى والمؤثر في هذه المنافسة الديمقراطية ، ولكن لا يتبقى في النهاية سوى ما هو صحيح وحقيقي ومدجج بالأرقام والحقائق والبراهين والأدلة والمعطيات ، أما الردح الاعلامي، والدجل والتضليل ، فحبله قصير ويتجاوزه الزمن بسرعة . فالناخب اليوم واعٍ ويدرك جيداً من هو المرشح المناسب والأقوى والأفضل ، ويفرق بين صاحب الحظ الأوفر وبين من سيحرق الأصوات ، ومن يبيع الناس اوهاماً وشعارات براقة ووعوداً معسولة وبراقة كاذبة ، ويوزع الغنائم قبل الوصول الى رئاسة المجلس البلدي .
هنالك ظواهر ملموسة وواضحة في الانتخابات للسلطة المحلية ، منها انحسار
التنافس الحزبي – السياسي ، وانتعاش مذهل للعصبية العائلية واشتداد الاستقطاب والتقوقع والتناحر العائلي والحمائلي والقبلي والحاراتي ، وتحويل العائلة الى "حزب" أو كتلة داخل المجلس اعتقاداً بأن تمثيل العائلة هو شرف وانتصار لها ، دون أي اعتبار لمن يمثلها ، ويرون بممثل العائلة في المجلس وكأنه شاعرها وحاديها وناطقاً باسمها ومدافعاً عن حقوقها ومطالبها مثلما كان الحال في زمن الجاهلية .
أما عن لوثة الطائفية فحدث ولا حرج ، انها عاهة تنخر في جسم مجتمعنا بشكل مؤسف ومقلق ، وهي آفة خطيرة جداً وتشكل أساساً للتفرقة والتمزق الداخلي والضعف الاجتماعي . والمأساة ان الاكاديميين والمثقفين "الأنبياء المنقذون" غارقون حتى أذنيهم في اللعبة العائلية والطائفية القذرة . ولعل ابتكار البرايمرز في انتخابات العائلة يجسد عقلية هؤلاء "المثقفين" و"الاكاديميين " شكلياً ،عقلية تغطية المضمون الرجعي بغلاف عصري، عقلية استحداث وتوظيف الادوات الحديثة لخدمة الأغراض الضيقة والمتخلفة.
وهذا الوضع المأساوي يشير الى تراجع فكري عميق بين شعبنا وجماهيرنا ، ويدل على عمق المأزق الحضاري والأزمة الشاملة ، سياسياً واجتماعياً وفكرياً ، التي يعيشها ويمر بها مجتمعنا . وتتحمل النخب المثقفة الواعية والقوى والاوساط التقدمية المتنورة والاحزاب السياسية المسؤولية المباشرة عن هذا التردي والتراجع والحال الذي آل اليه هذا المجتمع .
ان أكثرية القوائم التي تخوض الانتخابات للسلطة المحلية ليست حزبية – سياسية بل ذات طابع عائلي وحمائلي وعشائري أو طائفي ، وهذه شهادة فقر دم ، وشهادة لحياتنا الحزبية بشكل عام .
ويحق لأبناء واهالي قريتنا العامرة "مصمص" ان نفخر ونعتز ونباهي البلدان بالانجاز العظيم والمشروع الذي بنيناه وعبدناه ، مشروع وحدوي يتجاوز ويتخطى النزعات العائلية ، ويصون النسيج الاجتماعي الداخلي ، ويعمق وحدة الاهالي ، ويتصدى ويقاوم التزمت والتعصب العائلي والفئوي . ويتجسد هذا المشروع بقائمة "الوحدة للتغيير" أو "النداء للتغيير" ، وهي قائمة وحدوية تحالفية تجمع بين ظلالها مختلف الاوساط الشعبية والشخصيات الاعتبارية والشرائح الاجتماعية والاطياف والانتماءات السياسية والفكرية والحزبية . انها قائمة فوق عائلية ، وفوق حزبية انصهرت بداخلها غالبية مركبات وعائلات وحارات وأحياء مصمص ، وبمشاركة اوساط شعبية واهلية من قرى طلعة عارة الخمس .
وفي ظل الواقع الاجتماعي الموبوء تتحول الانتخابات المحلية الى ساحة مواجهة ومعركة للتنافس الشديد ، يفوق شدته انتخابات الكنيست. ويتجلى ذلك في نسبة التصويت العالية جداً ، وفي مظاهر العنف والبلطجية والتحلل الاخلاقي واطلاق الرصاص والاعتداء على صور المرشحين واحراقها . ومع هذا نريد ان تكون المنافسة الانتخابية ذات بعد وطني وسياسي واجتماعي وحضاري ، على أسس وطنية واخلاقية وعصرية ، ونظرة تفدمية تتخطى العائلة والحمولة ، كجزء من عملية التحول الديمقراطي والتغيير النهضوي الشامل لمجتمعنا العربي ، الذي تتكرس فيه العائلية التي تعيق التطور والتقدم الاجتماعي .
أخيراً فكلنا ثقة بوعي الناخب الذي سيختار من هو مؤهل لقيادة السلطة المحلية للخمس سنوات القادمة ، ومن هو قادر على احداث واجراء التغيير المرتجى والمشتهى ، والنهوض بقرانا ومدننا نحو مستقبل أكثر اشراقاً وتقدماً وتطوراً وعصرنة . فلنصن اخلاقيات الانتخابات ، ولنجعل من يوم الانتخابات عرساً للديمقراطية والنزاهة والتنافس الحر الشريف ، بعيداً عن التوتر والمشاحنات والعنف ، لكي يمر هذا اليوم بسلام وهدوء ، ولنتذكر دائماً اغنية فيروز " سوا ربينا " ..!