في اللقاء المطول الذي اجراه الرئيس السوري بشار الأسد على فضائية الميادين مع الصحفي القدير غسان بن جدو،بدا الأسد واثقاً،ولم يلجا للغة العنتريات و"الهوبرات" الإعلامية ولم يتحدث عن الإنتصارات الكاسحة،وفي هذا الإطار قال"الرئيس بشار الاسد: نحقق تقدماً للأمام، أحد عناصر التقدم هو تقدم عسكري في كثير من المناطق،والأهم هو العنصر الداخلي،حيث فقد الإرهابيون الكثير من عناصر القوة،وفي مقدمتها الحاضنة الشعبية.
كلام وحديث هذا الرجل يعيدنا إلى عهد عبد الناصر،عهد القومية والعروبة،عهد الموقف العربي الموحد والإرادة العربية الواحدة،عندما كانت الجامعة العربية تعبر عن إرادة العرب،قبل ان تتحول الى"ماخور" في عهد مشيخات النفط والكاز،وهذا الرجل وريثة عبد الناصر،رجل قومي عروبي،همه تحرير سوريا من الجماعات الإرهابية والتكفيرية،ومن ثم توحيد الوطن العربي،وواضح بأنه يمتلك بعد نظر ورؤيا ثاقبة،فيما يخص الدولة الوطنية السورية والمشروع القومي العربي،وقد أجاب عن أسئلة بن جدو حتى الصعب والحرج منها بدون إنزعاج وإنفعال،والنقطة الجوهرية التي تسجل لهذا الرجل،إعترافه وتحمله للمسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في سوريا،فرغم ما تعرضت له سوريا من مؤامرة خارجية،ما كان لها ان تنجح في زعزعة إستقرار سوريا،لو كان الوضع الداخلي السوري محصناً بما فيه الكفاية،ومثل هذا الإعتراف قلما تجد له نظيراً عند أي زعيم عربي،وحتى عند قادة فصائل المقاومة والثورة،الذين يرددون دائماً بان الواقع والوقائع أثبتت صحة برامجهم ومواقفهم،رغم كل المصائب والأخطاء التي جلبوها لشعوبهم وقضاياها،فهم من يوحدون،وأيضاً هم من يفرقون ويقسمون،سبحان الله الشعوب عاقرة ولم تنجب سواهم؟؟.
والأسد في لقائه تحدث عن الكثير من العناوين الهامة وكشف المستور في قضايا اخرى،حيث أشار الى ان سوريا رغم التهديد والوعيد من قبل الولايات المتحدة لها بعد حربها وإحتلالها للعراق،رفضت ان تخضع او تستجيب للشروط والإملاءات الأمريكية،او ان تكون خاضعة للمظلة الأمريكية وتتلقى قراراتها من واشنطن،فأمريكا طلبت منه عدم إستقبال القيادتين السياسية والعسكرية للنظام العراقي السابق وكذلك العلماء العراقيين،وذهب كولن بول وزير الخارجية الأمريكي السابق الى أبعد من ذلك،عندما طالبه بطرد فصائل المقاومة الفلسطينية من سوريا،وكذلك عدم تزويد حزب الله بالسلاح وقطع العلاقات معه بشكل نهائي،والأسد لو كان خياره امريكا لأصبح المتحكم في مصير المنطقة وقرارها، وشخص الأسد معسكر اعداء سوريا وحلفائها بشكل دقيق،وأشار الى ان السعودية وقطر وتركيا وامريكا وبعض الدول الأوروبية،هن المتورطات بشكل أساسي في العدوان على سوريا،فالسعودية وصفها الأسد بانها ليست دولة مستقلة بل تنفذ السياسات الأمريكية وفق المعطيات السياسية الحالية وفشل المؤامرة على سوريا، فإن صدور "فرمان" أمريكي بتغيير نظام " آل سعود" على غرار إمارة قطر، أصبح مسألة وقت. وهو أحد أسباب رفض نظام " آل سعود" عضوية مجلس الأمن. فهي أرادت توجيه رسالة احتجاج لأمريكا على رضوخها للشروط الروسية والصينية بخصوص سوريا، بالإضافة إلى معرفتهم بأن انتهاء الموضوع السوري بانتصار بشار الأسد، يعني تحويل نظام " آل سعود" للمعاش.
،في حين قطر والتي حكمت على شاعر انتقد النظام هناك بخمسة عشر عاماً لا يمكن لها ان تقدم نصائح في الديمقراطية والإصلاح،وهي من قال عنها حليفها بندر بن سلطان بأنها 300 شخص ومحطة تلفزه،وتركيا كان يعنيها ويهمها بالأساس حركة الإخوان المسلمين فعندهم الجماعة فوق الدولة،وأردوغان كان طامحاً بان يتمدد حكم الإخوان الى اكثر من قطر ودولة عربية،حتى يصبح اكثرية في مواجهة العلمانية في تركيا،ويحقق احلامه البائدة بالزعامة والسلطنة على حساب الدم والجغرافيا العربية،ولم يتورع عن وصف جماعة الإخوان بانها جماعة إرهابية وانتهازية وغير وطنية،تقوم على النفاق لا على الدين،وحول حركة حماس التي وفرت لها سوريا الإقامة والحركة والدعم بمختلف أشكاله،فإن سوريا هي اكثر من دفعت ثمن علاقتها بحماس،ورغم كل ذلك لم نلمس بان الأسد تحدث بلغة ثأرية معها،بل قال عندما تكون صادقة حماس ومع المقاومة سنكون معها،ولكن عودتها الى سوريا،رهن بموقف الجماهير السورية،فحماس في مواقفها وغدرها وطعنها لسوريا وللمقاومة،فقدت الحاضنة الجماهيرية،وغزلها وتصريحاتها الناعمة الأخيرة جاءت مرتبطة بسقوط مرسي والإخوان،وهي ليست تعبيراً عن تغير في موقف حماس،بقدر ما هو موقف انتهازي تنتهجه حماس في مواقفها وعلاقاتها وسياساتها.
وحول المعارضة قال الأسد بأنه من الطبيعي،ان تتواجد في الدولة مشارب سياسية وفكرية مختلفة،ولكن هذه المشارب تتصارع برامجها وأفكارها حول خدمة الوطن،والمعارضة مفهوم سياسي ولها بنيتها وحاضنتها الجماهيرية،وليس المعارضة المأجورة الموقف والقرار والتي لا تمتلك أي حضور ووجود جماهيري لها على أرض الواقع.
وحول إحتمالية ترشحه لفترة رئاسية قادمة،يبدو ان الأسد حسم الجدل حول هذه القضية،بالقول بان من حقه الترشح،وهو يوجه رسالته لما يسمى بقوى المعارضة ومن يقف خلفهم،والمدعون الى حضور جنيف(2 ) بانه مرشح وهذه قضية ليست مدار او مجال بحث او طعن او تشكيك.
سوريا تمسك بالمقود من جديد وحلف المقاومة والممانعة يتعزز عربياً وإقليمياً ودولياً،والحلف الأمريكي- الغربي الأطلسي- الخليجي-التركي،يتراجع ويفقد نفوذه وحضوره في المنطقة.