تعج الساحة الفلسطينية بالمؤسسات الأهلية التي تهتم بمختلف قضايا المجتمع، حيث أن كل مجموعة من هذه المؤسسات تشكل فيما بينها اتحاد أو هيئة أو مجلس مؤسسي يغطي أحد القطاعات أو القضايا الرئيسية للمجتمع، مثل مؤسسات قطاع المرأة والطفل، وقطاع الزراعة، وقطاع الإغاثة والخدمة الاجتماعية، وقطاع تأهيل المعوقين ...الخ. ولكن لا يوجد قطاع مؤسسي يختص بقضية الأسرى، رغم وجود عدد من المؤسسات المختصة بقضية الأسرى، وعدد من المؤسسات الحقوقية والاجتماعية التي تهتم بأحد جوانب قضية الأسرى.
وحيث أن قضية الأسرى باتت الأكثر أهميةً لدى الرأي العام، والأكثر تأثيراً في الحراك الشعبي والفصائلي، والأكثر جذباً في الفضاء الإعلامي، فإن ذلك يتطلب وضع برنامج تضامني واسع لإحداث ضغط سياسي وحقوقي لصالح الأسرى، كذلك تبرز عدد من القضايا المتفرعة والمستجدة في ملف الأسرى، مثل رعاية أسرهم المحتاجة، وبرامج تأهيل الأسرى بعد تحررهم، وآليات دمجهم بالحياة العامة، مما يتطلب وضع برنامج اجتماعي شامل لتعزيز صمود الأسرى وذويهم، وإعادة تأهيل المحررين ليأخذوا دورهم بالمجتمع بشكل أكثر ايجابية.
هذه البرامج الواسعة بأبعادها السياسية والحقوقية والاجتماعية تتطلب جسم مؤسسي يضم المؤسسات الأهلية المختصة بقضية الأسرى، والمهتمة بأحد أو ببعض جوانبها، ويتطلب اختيار هيئة عامة مهمتها تنسيق جهود هذا القطاع الجديد ضمن برنامج موحد، وتضع السياسة العامة لهذا القطاع المؤسسي، وتحدد شكل ونوع العلاقة مع الأحزاب السياسية، ومع الجهات الحكومية المختلفة بشأن قضية الأسرى والمحررين وذويهم.
إن هذا الجسم المؤسسي الأهلي لا يتعارض مع جهود الحكومات والأحزاب الوطنية من أجل تحرير الأسرى بمختلف الوسائل، بل من شأنه التكامل مع هذه الجهود، بما يحقق العديد من نقاط القوة لقضية الأسرى محلياً وإقليمياً وعالمياً، حيث أن الحراك الأهلي الإنساني والحقوقي والإعلامي يؤثر بقوة في الرأي العام العالمي، وفي صناعة القرار الدولي.
كما أن هذا الجسم المؤسسي الأهلي سيشكل حالة معالجة للانقسام في الساحة الفلسطينية، حيث أن التنسيق فيما بين هذه المؤسسات، سيوفر الحشد الشعبي والنخبوي الذي تضاءل حضوره بشكل واضح في ظل الانقسام، كما أن هذا الجسم الأهلي سيحقق تقارباً بين المؤسسات الأهلية التابعة للفصائل السياسية، مثل جمعية حسام وجمعية واعد وجمعية مهجة القدس ونادي الأسير ...الخ، والتي كانت تحاول منفردةً التعامل مع ملف الأسرى ضمن برنامج حزبي محدد، فهذا الجسم التنسيقي سيقلل من حدة التنافس فيما بينها، وسيوحد جهودها وإمكاناتها وبرامجها، ويتغلب على الحساسيات الحزبية التي تولدت في ظل الانقسام.
إن قضية الأسرى تحتاج منا التوحد وإنهاء الانقسام، وبحاجة لتوحيد الجهود العربية والإسلامية لتحريرهم، وحيث أن أسرانا أدركوا مبكراً كل هذه الأبعاد، فقد تقدموا لنا بوثيقة مصالحة نبيلة، لكن للأسف استمر الانقسام، وظل شعار تحرير الأسرى شعاراً يخدم البرنامج الحزبي أولاً، مما أضعف البرامج الوطنية الناشطة لأجل الأسرى. لذا فإنني أتقدم بهذه المبادرة كأسير محرر وكناشط في مجال الأسرى، وهي دعوة مختلف المؤسسات الأهلية والحقوقية لمناقشة مقترح إنشاء قطاع مؤسسي أهلي يختص بقضية الأسرى.
كتب خضر شعت المنسق العام لمفوضية الأسرى لحركة فتح بالمحافظات الجنوبية