"الاستشفاء البيتي".. برنامج لعلاج مدمني الترامادول سرًا

بدأ طبيب نفسي فلسطيني من مدينة رفح جنوب قطاع غزة ببرنامج أطلق عليه اسم "الاستشفاء البيتي"، لمعالجة مدمني عقار الترامادول الشهير باسم "الترامال" المُستشري بين صفوف الفئات العمرية التي تزيد عن 15 عامًا في قطاع غزة سرًا، بعيدًا عن انظار المجتمع الذي بات ينظر لمدمني الترمادول كفئةٍ شاذة.

 

ويعتقد مدمن عقار الترمادول زيارته للعيادة النفسية بهدف التخلص من حالة الادمان التي يعيشها مع هذا الوحل "شبهة"، وتتطلب فتح ملف خاص بالمدمن يحتوي على معلوماته، وانتظام لزيارة العيادة بشكل متتالي، مما يدفعه في غالب الأحيان لعدم اللجوء لتلك الطريقة خوفًا من الفضيحة.

 

وينتشر الترامادول الذي يُهرب عبر الأنفاق مع جمهورية مصر العربية، بين صفوف الفئات العمرية خاصة المراهقة بشكلٍ كبير، وأدى انتشاره لإصابة عدد كبيرة من الذين اصبحوا مدمنين على تناول هذا العقار بشكلٍ شبه يومي، للإصابة بالعديد من الأمراض خاصة المزمنة، وسجلت بعضًا من حالات الوفاة جراء شرب جرعات زائدة.

 

طبيعة البرنامج

ويقول الطبيب يوسف عوض الله الذي بدأ بتطبيق البرنامج على عدد من مدمني الترمادول في قطاع غزة برفقة ممرض لـ مراسل "وكالة قدس نت للأنباء" : "البرنامج عبارة عن خطة علاجية تتم داخل البيت بالمحاليل والمسكنات وعقاقير طبية أخرى، ليتجاوز المدمن مرحلة الشفاء بشكل سري يحفظ الكرامة ويمنع الفضيحة".

 

ويضيف عوض الله "بحكم فهمي البسيط لواقع مجتمعنا في ظل تفشي مشكلة تعاطي الترامال وجدت أن هناك شريحة من مدمني الترامال لا نصل إليهم، ونحن لسنا ملامين دائما، لأنهم خائفون، ويعتقدون أن الطبيب النفسي يفتح ملف للمدمن ويرسل اسمه لشرطة مكافحة المخدرات، وهذا تفكير خاطئ".

 

ويتابع " أعداد كبيرة من المدمنين يتعاطونه في المناسبات كـ الأفراح وفي الأعمال الشاقة مثل العمل في الأنفاق، اعتقادًا منهم أن الترامال يمدهم بالطاقة الزائدة، قائلا: "حقيقة الترامال أنه يسكن الألم وبالتالي فإن العامل لا يشعر بالتعب ويستعد لبذل المزيد من الجهد".

 

دوافع اطلاق البرنامج

ويلفت عوض الله إلى أن ما شجعه على إطلاقه برنامج الاستشفاء، هو عدم استعداد الأطباء النفسيين في القطاع زيارة المدمنين في بيوتهم، إضافة إلى أن العملية ستكون بشكل سري وتحفظ كرامة المريض المدمن، قائلاً "عندما دخلت البيوت وجدت أن من ضمن المدمنين أناس من الطبقات العالية والراقية في المجتمع".

 

ويشير إلى أنهم غير مستعدين للذهاب إلى طبيب في عيادته الخاصة أو إلى العيادة الحكومية، خشية الفضيحة، لافتًا إلى أن عدم توفر الأدوية اللازمة للعلاج بشكل كامل في وزارة الصحة يجعل بعض الأشخاص يدفعون مبلغ مالي مقابل كشفية الدكتور ومتابعته للحالة المرضية وأيضا متابعة الممرض اليومية للحالة.

 

وينوه عوض الله إلى بعض العائلات من الممكن أن تدفع الغالي والنفيس من أجل أن تقدم لابنها المدمن أفضل خدمة علاجية ومتابعة جيدة، فالمريض الذي يعتمد على العلاج في العيادة الحكومية يختلف عن الذي يعتمد على العلاج بطريقة الاستشفاء البيتي.

 

ويلفت إلى أن من مميزات هذا البرنامج ضمان السرية التامة وفيه حفظ للكرامة، فضلاً عن أن فترة العلاج قصيرة مقارنة بغيرها، وهي طريقة سهلة وبسيطة للتخلص من الأعراض الإنسحابية، معتقدًا أن معظم مدمني الترامال يريدون أن يتخلصوا من هذا الوباء لأن بعضهم أصبح يشحت ويسرق وينهب لأجل توفيره.

 

الأعراض وطريقة العلاج

ويوضح عوض الله "في العيادة نعطي المدمن نوعين من الأدوية، أو ثلاثة إذا كان المريض يتعرض لنوبات تشنج، ونعطيه موعد للمراجعة بعد أسبوع، أما المريض الذي يعتمد على العلاج في الاستشفاء البيتي يبقى على اتصال بشكل دائم على مدار 24 ساعة".

 

ويشير إلى أن المريض يتعرض إلى أعراض إنسحابية تقدر بـ "25عرض" تظهر عليه عندما يترك الترامال بعد 48 أو 72 ساعة بشكل متغول، وهذا ما يخيف المدمن ويجعله شرس، قائلا "الذي يتعاطى الترمال يبدأ بنصف حبة بقوة 225 وبعد أسبوع تصبح نصف الحبة لا تكفيه فيأخذ حبة كاملة وبعد أسبوع تصبح الحبة لا تكفيه وهكذا"..

 

وينوه عوض الله إلى أن أحد الأشخاص الذين يتابع علاجهم وصل لدرجة تعاطيه لـ 18 حبة ترامال بشكل يومي، وهذا الأمر لو لم يُعالج منه لتعرض للوفاة أو على الأقل أصيب بأحد الأمراض المزمنة.

 

ويعدّد بعض الأعراض التي تظهر على المريض ومنها "تعب عام، آلام في المفاصل، آلام في العضلات، سرعة في الغضب، أرق، فقدان شهية الطعام، زغللة في الرؤية، صداع، دوخة، إمساك، إسهال، تعرق، رعشة، غثيان، وانتفاخات.. إلخ، مشيرًا إلى أنه في مرحلة العلاج لابد من السيطرة على جميع تل الأعراض.

 

مراحل العلاج

ويشير عوض الله أن عدد الحالات التي يتابعها في البيت 11 حالة، مبينًا إلى أن مراحل الاستشفاء البيتي ثلاث مراحل "في المرحلة الأولى -مرحلة الفطام- و تستمر من 7 أيام إلى 10 أيام يتم فيها محاصرة الأعراض الإنسحابية، وتكون هذه المرحلة صعبة ويتابع فيها الممرض الحالة بشكل متتابع ويزور المدمن بشكل يومي ويركب له محاليل ومسكنات ومهدئات.

 

ويلفت "المرحلة الثانية هي التأهيل النفسي ومدتها أربعة أسابيع، وهي عبارة عن جلسة نفسية أسبوعية داخل بيت المدمن، يكون فحواها وهدفها هو تعليم المدمن مهارات حياتية معاكسة للضغوطات الاجتماعية والسلوك الإدماني الخاطئ ومهارة حل المشكلة وتمارين الإيحاء الذاتي التي يحول فيها أفكاره السلبية إلى إيجابية وتمارين التأمل الذهني ومهارة كتابة مذكراته اليومية".

 

ويتابع عوض الله "المرحلة الثالثة وهي مرحلة عن منع الانتكاسات، يتم إخضاع المدمن خلالها لعلاج جماعي داخل البيت، بحيث يلتقي مجموعة أشخاص من المدمنين الذين عاشوا نفس التجربة، وعانوا من نفس المشكلة وعالجهم نفس الطبيب فأصبح لديهم نفس الخبرة، لجعله يتكيف مع عالم جديد".

 

ويبين إلى أن متوسط المبلغ لمعالجة حالة إدمان واحدة يمتد من 900 إلى 950 شيكل "بحيث أتكفل بإيجاد الأدوية والمحاليل والمواصلات وأجرة الممرض المساعد، مشيرًا إلى أنه يجد صعوبة في إيجاد الأدوية لعدم توفرها في الصيدليات".

المصدر: رفح - وكالة قدس نت للأنباء -