حالنا اشبه بجلسات العزاء

بقلم: مصطفى إبراهيم

يقيمون جلسات العزاء يوميا. في ما يشبه الصالونات السياسية والثقافية، وما هي إلا جلسات رثاء الحال، ومحاولة اسقاط الحواجز النفسية والمادية فيما بينهم، وتوجيه الاتهام للآخرين و لومهم والشك فيهم، وكله يهاجم كله، لا يقبلون بعضهم اصلاً والشك قائم فيما بينهم و في داخلهم.

وجلساتهم للمزايدة كل على الاخر، والكلام من اجل الكلام وتوجيه النقد الكاذب للآخرين فيما بينهم، و لا يجرؤون على نقد انفسهم والآخرين بجرأة، فهم يتحدثون بصوت خافت من دون البوح بحقيقة الحال المقيت في العلن، ولا يجرؤ أي منهم القول للأعور انه اعور.

هذا هو الحال مجموعات متناثرة تعقد جلسات مبعثرة، وكل مجموعة تحاول اثبات وجهة نظرها، و استقطاب الاشخاص الذين يوافقونهم الرأي او الصحبة والمصلحة او المعرفة او الانتماء السياسي سابقاً. كل مجموعة منطوية على ذاتها ومعزولة عن الناس الذين يدعوا انهم يمثلونهم، و يبحثون في مصلحتهم، والحقيقة انهم يبحثون عن مصالحهم ومحاولة حجز أماكن لهم في أي تغيير قادم. كل مجموعة لا ترى في الاخرى سوى منافسة لها وعلى النقيض منها، وتتمنى ان تنام وتصحوا كي لا ترى الاخرى، فكل مجموعة من تلك المجموعات تدعي المعرفة والحقيقة المطلقة، وانها قيمة على المجتمع والناس.

مجموعات تعمل لمصلحتها، وأخرى تعمل كأدوات لشخصيات او لحساب اجهزة امنية هنا وهناك غير مهم هويتها واصلها وفصلها، و أخرى تعمل لصالح انظمة. كل يضرب في الاخر من دون خجل او مواربة ولا يرى في الاخر انسان له الحق ان يكون انسان وله موقف ورؤية مختلفة. يريدون من الناس ان يكونوا ابطال وهم من يفكرون لهم، مع ان افكارهم لا تصل للناس. وعند المواجهة يكون النفاق والمجاملة الكذابة، فهم يبحثون عن سلطة زائفة وشبق السلطة يسطو على افئدتهم وعقولهم ويتمنوها في كل لحظة.

بعضهم انانيين نرجسيين لا يرون إلا انفسهم، لا يسمعهم احد من العامة وهم يتغنون بالمبادئ والقيم، فهؤلاء ابعد من ان يعرفوا منها سوى الاسم، يرتدون الملابس الانيقة وتغطيهم بدلاتهم، وهي تخفي خلفها اجساد مترهلة متعبة من شدة الحكي و الحقد والكراهية، و كثرة الكلام من اجل الكلام، فهم لا يقدمون إلا الكلام الزائف عندما يقولون كلام حق يراد به باطل.

بعضهم عند الواقعة يفر، وبعضهم له تجارب سابقة في الفرار، يتكلمون من اجل الوجاهة وإقناع الذات بأنهم يستطيعوا التغيير، فهم كمن يحرثون في البحر، فلا احد يستجيب، لا يمتلكون ادوات التغيير ولا يستطيعوا اقناع نملة، فهم بالنسبة للآخرين ادوات يتم استخدامهم لمصالحهم، على حساب المأساة التي يعيشها الناس.

كلنا تواقون للتغيير من اجل الوطن والناس، فالتغيير يبدأ بالتسامح و التصالح مع الذات والآخرين، و لا يكون بالشللية والعمل الفردي وعدم احترام الاخرين وقدراتهم والإيمان بهم.

الحل الاسلم لمأساتنا لا يكون بالدعوة لانتخابات جديدة وبرلمان وحكومة جديدة، بل بوقف نزيف الدم وسقوط الضحايا والوحدة الوطنية، و بنظام وعقد اجتماعي جديدين، وثقافة وعلاقات اجتماعية وحياة جديدة، نظام يحترم حقوق الانسان والحريات. فنحن نرزح تحت احتلال عنصري يمارس شتى انواع الجرائم والظلم والقهر ويصادر الارض، وما زلنا نوهم انفسنا بان لنا نظام، وهو في الحقيقة نظام قمعي مستبد مستأثر بالسلطة، لا يقبل بالشراكة ويقصي الاخرين.