..... كثير من الدول المنتجة والمصدرة للنفط إحتلت لها أدوار إقليمية بفضل ما تمتلكه من ثروات نفطية،وأصبحت لها مكانتها ودورها الإقليمي والدولي بفضل ذلك،وفي الوقت الذي تقل او تختفي الحاجة لهذا المنتوج،فإن تلك الدول التي لم تستغل ثرواتها النفطية في خلق وبناء بنية إقتصادية صناعية وزراعية ومالية،وإحداث عملية تنموية شاملة في مجتمعاتها،واستمرت في العيش على الريع النفطي، فإنها ستواجه مشاكل مستقبلية على صعيد وضعها الداخلي،ومدى قدراتها على التحكم والسيطرة على شعوبها،وكذلك قدراتها على فرض نفسها كقوة إقليمية لها وزنها،فعلى سبيل المثال لا الحصر السعودية بفضل ثروتها النفطية،كانت لاعباً رئيسياً في الساحتين العربية والدولية،ومن خلال النفط فرضت حضورا وتمثيلاً لها في اكثر من دولة عربية العراق واليمن ولبنان ومصر ،وكذلك الثروة النفطية،هي التي تمنح مشيخة ميكروسكوبيه بحجم قطر،لكي تسطو على قرارات الجامعة العربية،ولكي تأمر دولة بحجم مصر في عهد مرسي،وتهدد دولة بحجم الجزائر فيما يتعلق بالموقف من النظام السوري،وتفرض قراراتها على العرب في قمة الدوحة الأخيرة.
النفط يفرض البلد المنتج او المصدر له،إذا ما جرى إستغلاله،كما قلنا في حماية البلد والدفاع عنها،من خلال اقتصاد قوي يستند الى التصنيع والى قوة عسكرية وعلمية،كما هو حاصل الان في ايران،حيث إستطاعت أن لها تحتل لها موقعاً إقليميا،من خلال قدراتها وقوتها الإقتصادية والعسكرية،قوة جعلت أمريكا واوروبا الغربية،تتجه وترغم على مفاوضتها والتسليم بمصالحها في المنطقة،في الوقت الذي لم تشفع فيه الثروة النفطية السعودية لها في الضغط على امريكا حليفها الإستراتيجي،من اجل شن حرب على سوريا،برغم تعهدها بتغطية كل نفقات تلك الحرب،وكذلك لم تفلح ملياراتها ال 15 في تطويع الموقف الروسي تجاه الموافقة على شن حرب على النظام السوري،وأيضاً أمريكا ذهبت للتقارب مع ايران،دون ان تلتفت او تعلم حتى العربية السعودية بذلك،فامريكا تنظر لذلك من زاوية مصالحها البحتة،وهي تدرك تماماً بأن السعودية وقطر في المستقبل القريب،ستعودان الى حجميهما الطبيعيين،هما وبقية مشيخات النفط والكاز،حيث ان هناك بدائل عن النفط،وكذلك أصبحت روسيا وامريكا في مقدمة الدول المنتجة للنفط والغاز،وبالتالي وجدنا بأن الحرد السعودي من الموقف الأمريكي برفض شن حرب عدوانية على سوريا،والذي جرى التعبير عنه من خلال إعتذار وزير الخارجية السعودي عن إلقاء كلمته في الدورة السادسة والستين للجمعية العامة،وإعتذارها كذلك عن إشعال مقعدها في مجلس الأمن الدولي من بداية عام 2014،لم يحدث أي استدارة في الموقف الأمريكي،فالسعودية غير قادرة على إيجاد حليف استراتيجي،يشكل غطاءً وظهراً لها على الصعيدين الإقليمي والدولي،لا على مستوى دول الإتحاد الأوروبي ولا التكتلات الإقتصادية الصاعدة روسيا والصين ودول البركس،وهي كذلك غير قادرة على تغيير مصادر حصولها وشرائها للسلاح،فترسانتها المكدسة من الأسلحة من إنتاج امريكي،وهي بحاجة لقطع غيار وصيانة،وأي تبدل في توجهات السعودية لشراء السلاح من مصدر آخر،يعني تحويل السلاح الموجود لديها كخردة.
بإختصار كل الدول التي كانت تعادي النظام السوري،وحتى التي كانت متحمسة لإسقاطه،بعد الإستدارة في الموقف الأمريكي من النظام السوري،حدثت عندها إستدارة من قطر وحتى تركيا،ومهما أنفقت ودفعت السعودية من مليارات وجندت وحشدت ورشت عربياً وإقليمياً،من اجل إسقاط النظام السوري،فإن ذلك لن يمكنها من إسقاط النظام السوري،فقوى المعارضة منقسمة على ذاتها ومتعددة الولاءات والقرارات،ينخرها الفساد والإقتتال على المنافع،وهي لن تستطيع ان تخوض معركة كسر عظم مع امريكا،وتغرد خارج السرب الأمريكي،وفي النهاية المطاف،اعتمادها على الريع النفطي والذي تتناقص الحاجة إليه،وعدم قدرتها على بناء إقتصاد انتاجي،سيجعلها مرغمة على إحداث إستدارة في موقفها من النظامين الايراني والسوري،بعكس ايران التي وظفت نفطها في بناء إقتصاد تصنيعي وعسكري،فإنها إستطاعت ان تفرض شروطها على امريكا والغرب الإستعماري،رغم كل العقوبات الإقتصادية والتجارية والمالية التي فرضت عليها.
نعم الأنظمة الأثيوقراطية والأنظمة العشائرية والقبلية،والتي تستخدم ثرواتها النفطية،من أجل الفساد والإفساد،وتكديس ثروات الأمراء والشيوخ،وتوظيف تلك الثروات،من اجل قضايا خدماتية وتجارية وإستهلاكية،في الأعوام القادمة ستجد نفسها امام واقع جديد،واقع يعيد دولها وإماراتها الى حجمها ووزنها الطبيعي عربياً وإقليمياً،وخصوصاً أن العالم وجد مصادر طاقة بديلة،وحتى لو استمر العالم بحاجة لهذا البترول،فستقل حجم الحاجة اليه كثيراً،وبالتالي سيعودون في الصحراء العربية الى موضوعة السقاية والرفادة ورعي الإبل والجمال،وسيزداد ضعفهم،ويخرجون من المعادلات والحسابات الإقليمية والدولية تماماً.
[email protected]
القدس- فلسطين
30/10/2013