الهجرة والهجرة المعاكسة تهدد "إسرائيل" بالانهيار

بقلم: غازي السعدي

مقال تحليلي.. الهجرة والهجرة المعاكسة تهدد "إسرائيل" بالانهيار

مقالات وتحليلات وتقارير عديدة تتحدث وتحذر من ازدياد الهجرة المعاكسة للإسرائيليين إلى الخارج، وبخاصة هجرة العلماء والعقول الفذة، مقابل تراجع هجرة يهود العالم لإسرائيل، ووفقاً للإحصائيات فإن عدد اليهود الذين تركوا إسرائيل منذ عام 1948 وحتى نهاية عام 2011، يزيد عن مليون إسرائيلي، مع أن التقارير الإسرائيلية الرسمية الصادرة عن مكتب الإحصاء الحكومي، تقول بأن عددهم وصل بين (700) إلى (800) ألف إسرائيلي، مع أن هؤلاء المغادرين أو المهاجرين، ما زالوا مسجلين في سجلات وزارة الداخلية بأنهم مواطنون إسرائيليون يُشملون مع العدد السنوي للسكان في إسرائيل، وحسب الوزيرة "تسيفي لفني" فإن هؤلاء –الذين يتركون البلاد- يغادرون لأسباب حياتية واقتصادية، ولغلاء المعيشة، وغلاء الشقق السكنية، وعدم الاستقرار والقضايا المتعلقة بالأمن، فهم يبحثون عن مستقبل أفضل لهم في الخارج، حتى أن الإحباط واليأس يدب أكثر فأكثر في الجمهور الإسرائيلي، كما جاء في خطاب سياسي للوزيرة أمام (400) ناشط وقيادي إسرائيلي.

في استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، نشرته القناة العاشرة الإسرائيلية بتاريخ "1-10-2013"، أظهر أن 51% من الإسرائيليين يفكرون في الهجرة من إسرائيل، خاصة نحو الولايات المتحدة، فهذه الهجرة التي يطلقون عليها في إسرائيل بالهجرة المعاكسة، وحسب هذا الاستطلاع فإن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الهجرة، غلاء المعيشة، وارتفاع تكاليف الحياة، ففي عام 2011 -حسب الإحصاءات الرسمية- غادر إسرائيل (16) ألف شخص، وحسب موقع "واللا" الإلكتروني، فإن 11% من الأطباء الإسرائيليين يعيشون ويعملون بالخارج، وأن 20% من حملة شهادات الدكتوراه في موضوع الرياضيات غادروا إسرائيل، وحسب التحقيق الذي أجري من قبل "مركز طاؤوب للأعمال البحثية الإسرائيلي" تبين أن من بين كل مائة محاضر في الجامعات الإسرائيلية، يفر من البلاد (25) محاضراً، خاصة للولايات المتحدة، مما أدى إلى تقليص عدد المحاضرين في الجامعة العبرية بنسبة 17%، وفي جامعة تل أبيب 26%، وفي كلية الهندسة التطبيقية "التخنيون" في حيفا، بنسبة 26% أيضاً.

في أعقاب القرار الأوروبي بمنح الجنسية وجوازات السفر لجميع اليهود الذين كانوا من مواطني الدول الأوروبية، منحهم ولأبنائهم وأحفادهم جوازات سفر من قبل الدول التي كانوا فيها، فقد شهدت سفارات الدول الأوروبية طوابير مزدحمة من الإسرائيليين، لطلب الجوازات التي تمكنهم من الانتقال إلى جميع الدول الأوروبية متى يشاؤون، خاصة تحسباً من تردي الأوضاع الأمنية في إسرائيل، فالتطلع لجواز سفر الاتحاد الأروبي الذي يضم التنقل في (27) دولة أوروبية، للانتقال للعمل بحرية، وخشيتهم من الأوضاع الاقتصادية والأمنية في إسرائيل، وتطلعهم لمستقبل أفضل، يشكل أحد أمنيات الإسرائيليين.

المؤرخ الإسرائيلي الأبرز للحملات الصليبية (ستيفان رنسيمان) قارن بين انهيار المملكة الصليبية ومستقبل إسرائيل، بأن الكثير من الصليبيين الذين احتلوا البلاد، عادوا إلى أوطانهم وأوطان آبائهم وأجدادهم، واصفاً الهجرة اليهودية المعاكسة بالكارثة بالنسبة لإسرائيل، وهذا يؤدي إلى هجر الحلم الصهيوني، ويهدد مستقبل الكيان الإسرائيلي، فقد أصبح المهاجرون اليهود وأبناؤهم لا يتكلمون العبرية، وأن 58% منهم يتزوجون زواجاً مختلطاً، ويبتعدون عن إسرائيل، وأن الشعب اليهودي في أنحاء العالم آخذ بالتقلص، وكأن البروفيسور المذكور أراد او يتوقع انهيار إسرائيل كما انهارت الدولة الصليبية.

في المقابل، فإن البروفيسور "هير كوفتش"، وزير العلوم السابق، وعميد جامعة بار ايلان الإسرائيلية حالياً، وللتقليل من الأثر السلبي للهجرة المعاكسة، يزعم بأن إسرائيل تصدّر إلى الولايات المتحدة حجماً كبيراً جداً من العقول الإسرائيلية، وأن عالماً بين كل أربع علماء إسرائيليين يعمل في الخارج، وأن هذه العقول التي تُصدر إلى الولايات المتحدة، حسب هذا البروفيسور، تقدر بمليارات الدولارات، وأن ثلاثة آلاف عالم إسرائيلي يعملون في الولايات المتحدة بما قيمته ثلاثة مليارات دولار سنوياً، وكأنه يريد تحويل هذه الأموال لإسرائيل، وحسب جريدة "معاريف 11-10-2013"، فإن إسرائيل تحتل المرتبة الأولى على رأس قائمة الدول التي تعاني من هروب الأدمغة الأكاديمية إلى الولايات المتحدة، وهذه المشكلة التي ترهق الكيان الإسرائيلي، أخذت بالتعاظم منذ عام 2003، ويعلل بروفيسور إسرائيلي آخر يدعى "دان بن دافيد" أن هذه الظاهرة تعود إلى قلة وظائف البحث، والتي قال بأنها تشكل عنصراً هاماً ومركزياً في هروب الأدمغة الأكاديمية الإسرائيلية للخارج، إضافة إلى فوارق الأجور بين الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يحفز المزيد من الإسرائيليين للتفكير بالرحيل إلى الخارج دون العودة، وسئل الأديب الإسرايئلي المعروف "دافيد غروسمان" الذي ترجمت بعض كتبه إلى العربية، بأنه درس إمكانية الهجرة من إسرائيل، ولهذا الأديب ابن قتل في حرب لبنان الثانية، وكان عنوان كتابه الأخير "امرأة تهرب من جلدها" الذي يحلل فيه قضية هجرة اليهود إلى الخارج، ويقول أن إسرائيل وبعد عدة عقود على إقامتها، فإنها لا تشكل الوطن الذي اعتقدنا بأنه سيكون.

في وثيقة أعدها قسم التخطيط في مكتب رئاسة الوزراء حذرت من القلق الذي يساور الحكومة من ميزان الهجرة السلبي، وزيادة عدد عرب الداخل، والخطر الذي يهدد الوضع الديمغرافي، فاوصت هذه الوثيقة بوضع خارطة ديمغرافية جديدة تلبي مطلب يهودية الدولة، وهذا المطلب لن يتحقق إلا باللجوء إلى سياسة الترانسفير لعرب الداخل، فقد أكد تقرير إسرائيلي- حسب جريدة "هآرتس"- أن المشروع الحكومي لإقناع اليهود الذين تركوا إسرائيل بالعودة إليها لم تتحقق أهدافه، رغم أن الحكومة أقرت خطة لتحفيز الذين هاجروا بالعودة، ورصدت الحكومة إغراءات مالية، وتأمينا صحيا مجانيا، ومنح مالية مباشرة، وسكنا، ومساعدة بالحصول على وظائف ملائمة، وقروض مالية بشروط سهلة، إلا أن هذه الإغراءات لم تحقق هدفها.

حسب دائرة الإحصاءات الإسرائيلية فأن هجرة اليهود لإسرائيل في تراجع مستمر، إذ هاجر لإسرائيل خلال الأعوام السبعة الماضية 16500 مهاجر سنويا، بينما بلغ أعداد الهجرة المعاكسة (22) ألفاً سنوياً، وأن معظم اليهود الذين يتركون إسرائيل هم من يهود الاتحاد السوفييتي سابقاً، وذلك على خلفيات اقتصادية واجتماعية وعدم التأقلم، وبعد تحسن الأوضاع الاقتصادية في روسيا، فقد ترك إسرائيل نحو ربع مليون منهم.

وخلاصة القول، فإن موضوع الهجرة المعاكسة، وهجرة العقول والعلماء، أصبح يشكل أحد التهديدات على الوجود والمستقبل الإسرائيلي، فالولايات المتحدة، وأوروبا، وكندا، وأستراليا، ودول أخرى، أصبحت حلم الإسرائيليين، وليس حلم الدولة اليهودية، ومما يزيد من قلق إسرائيل، ان نسبة كبيرة من المهاجرين يمرون في عملية تحول عن اليهودية، حتى أن ربع هؤلاء المهاجرين يتزوجون من غير بنات جلدتهم، فقادة إسرائيل الذين أعلنوا عن طموحهم بأن يصل عدد سكان إسرائيل إلى عشرة ملايين، فإن هذا الطموح ما زال بعيد المنال، فإذا افترضنا بأن عدد سكان إسرائيل اليهود يبلغ حالياً حوالي ستة ملايين يهودي، وإذا حذفنا من هذا الرقم مليون يهودي رحلوا إلى الخارج، فإن عدد سكان إسرائيل اليهود لا يزيد عن خمسة ملايين يهودي لا أكثر، فالوضع السياسي والأمني من أهم أسباب الهجرة المعاكسة.

 

بقلم: غازي السعدي