كل المؤشرات الراهنة تدّل على قرب لحظة الإنفجارالشامل ، ماهي إلا مسألة وقت ليس إلا وشرارة ما قد تكون بمثابة السبب المباشر لاندلاع موجة غضب عارمه تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة الغليان الشعبي الذي لم يعد يحتمل استفزاز واستهتار الإحتلال بكل القيم الإنسانية والأخلاقية ، ربما يعتقد أرباب حكومة التطرف العنصري في اسرائيل الذي سيلتحق بهم "افغيدور ليبرمان" وزير الخارجية الأكثر تطرفاً وعنصرية بعد تبرئته من تهم سوء الأمانة والفساد، حيث يدفعون الأمور باتجاه التصعيد الخطير نحو الذروة ، وهم يرون أن كلفة العدوان واستخدام القوة الغاشمة ضد المواطنين العزل ومقدساتهم وممتلكاتهم أقل خسارة من الوصول إلى تسوية سياسية قائمة على أساس تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وحق عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم التي شردّوا منها وفق القرارات الدولية تتيح للشعب الفلسطيني ممارسة حقوقه التاريخية المشروعة في تجسيد دولته المستقلة بعاصمتها القدس على أرض الواقع ، متجاهلين أن المفاوضات ليست قدراً محتوماً على الشعب الفلسطيني إنما هي أحدى الخيارات الممكنه للوصول إلى الهدف بالرغم من القول بأنها خيار استراتيجي وما زال هناك الكثير من المخزون الكفاحي والنضالي البديل الذي يتلائم مع كل مرحلة من المراحل ، ذلك الغرور الإحتلالي هو منطق الغزاة الذين لايتعلمون من دروس التاريخ وحقائق الأمور شيئاً إذ لايمكن للطغيان وجبروت القوة مهما تمادى اصحابها في غيّهم أن يلقى غير مصير الإندحارعاجلاً أم أجلاً أمام عزيمة وإرادة الشعوب التواقة للحرية والخلاص من كابوس الإحتلال .
حامل لواء التطرف "نتنياهو" يعلن الحرب الشاملة على حقوق الشعب الفلسطيني عشية وصول وزيرالخارجية الأمريكي جون كيري للمنطقة أمام اجتماع وزرائه بقوله يتوجّب على الفلسطينيين التخلي عن جميع مطالبهم الوطنية وحق العودة ثم الإقرار بجذر الصراع المتمثل الإعتراف بيهودية الدولة ويسهب في نظريته المتغطرسة أما الأساس الثاني هو الأمن للمواطنين وهذا يعني ضرورة بقاء جيش الإحتلال على طول الحدود مع الأردن "وللتذكير فقط بأن نتنتياهو كان قد اعتبر جذر الصراع في خطابه أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة يعود إلى مهاجمة بيت المهاجرين اليهود في مدينة يافا عام 1921م وليس الإحتلال"ولأجل ذلك تقول الأوساط الإسرائيلية النافذة أن حكومة الإحتلال ستبني جداراً للفصل العنصري مع الاردن في منطقة الأغوار مايعني انها ستقوم بالمزيد من مصادرة الأراضي وطرد السكان وحرمانهم مصادر رزقهم وقوتهم اليومي بعد استكمال الجدار على الحدود المصرية في حين باشرت ببناء أخر على الحدود مع سوريا ، يبقى السؤال الجوهري الذي لابد منه ماذا جاء يفعل الوزير الأمريكي هذه المرة في الوقت الذي تتعمد به حكومة الأحتلال الإعلان عن بناء الاف الوحدات الإستيطانية تتزامن مع قدوم المسؤولين الأمريكيين ؟ للدلالة على رضا الجانب الأمريكي عن السلوك العدواني الذي تنتهجه حكومات الإحتلال ، أو اظهارها عاجزةً عن القيام بفعل شيء كراعي حصري لعملية التسوية الأمر الذي يفقدها النزاهة والمصداقية بل يجعلها شريكة كاملة بالدفاع عن المخططات الإسرائيلية ، وبالتالي لابد من العودة بالقضية الفلسطينية إلى مؤسسات الأمم المتحدة .
لاشك أن الزائر الأمريكي الذي أبدى تقلباً وتراجعاً ملحوظاً لمواقف إدارته ما يؤكد على تصدعات السياسات الأمريكية أزاء العديد من القضايا الشائكة التي تعصف بها المنطقة خلال جولته الحالية وشملت مصر والسعودية وغيرهما ، لن يجد سوى الملف الفلسطيني لممارسة أقصى الضغوط على الجانب الفلسطيني للإستمرار بهذه المفاوضات العقيمة لاعتبارات أمريكية صرفة التي لم تسفر عن شيء يذكر بعد حوالي تسع عشر جولة فاشلة تماماً أخرها وصفت بأنها عاصفة أشبه ماتكون بحوار الطرشان حيث وفـّرت الوقت والغطاء اللازم للممارسات الإسرائيلية العدوانية ضد المواطنين وممتلكاتهم ومقدساتهم التي ينبغي وضع حداً فورياً لها لأن استمرارها لايصبّ إلا في مصلحة حكومة المستوطنين المهتمّـة بتحسين صورتها المشوّهة أمام المجتمع الدولي كما يقول رئيس مجلس الأمن القومي السابق "عميد رور"، لهذا ينبغي أن يقال للسيد "كيري" شيئاً مختلفاً غير الإمتعاض والشكوى من انتهاكات الإحتلال المستمّرة دون توقف ،باعتبار ذلك يحدث أمام مرأى المبعوث الأمريكي المتفرّج "مارتن انديك" الذي يراقب الطرفين دون تدّخل وفق ماتقتضيه مهمته الموكلة إليه لكنه ينقل الصورة التفصيلية بحذافيرها لإدارته ، أما إذا كان القصد من وراء هذه اللعبة السخيفة تحميل الجانب الفلسطيني مسؤولية الفشل نستطيع الجزم أنه سيكون كذلك في كل الأحوال نظراً لطبيعة العلاقة الإستراتيجية بين اسرائيل والولايات المتحدة ، ولن يتجرأ الرئيس أوباما على قول الحقيقة ومن هو الطرف المعطـّل للتسوية السياسية كما وعد قبل العودة للمفاوضات الجارية منذ نهاية شهر تموز الفائت طالما بقي يشغل منصبه الرسمي .
كشفت كبرى الصحف الأمريكية عن ملامح خطـّةٍ مسربة تعدّها الإدارة الأمريكية تكون اتفاق إطار مرحلي ، أو حل انتقالي ضمن سقف زمني محدد تعرضها على الأطراف المعنية مطلع العام القادم لإنقاذ العملية التفاوضية من الفشل رغم نفيها لكنها تأتي بمثابة بالون اختبار وجس نبض قبل تسويقها ، وهي ليست جديدة بطبيعة الحال إنما إعادة انتاج لرؤيا الإحتلال تفضي بالنهاية إلى اتفاق مؤقت بغلافٍ أمريكي سبق وأن تم الحديث عنها في مناسبات عديدة ورفضها الجانب الفلسطيني جملةً وتفصيلا كونها لاتلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية ، يبدو أن وزير الخارجية الأمريكية خرج خالي الوفاض بعد لقائه مع رئيس حكومة الإحتلال الذي اتهم الفلسطينيين بافتعال الأزمات وعدم الرغبة باتخاذ القرارات القوية التي من شأنها الوصول لاتفاق سلام ويقصد هنا "الإستسلام للإملاءات والشروط الأسرائيلية" وسياسة الأمر الواقع ، بينما بدت صورة الإحباط واضحة على ملامح السيد كيري الذي أقرّ بالصعوبات وفضّل الحديث عن رزمة المساعدات الإقتصادية الأمريكية للسلطة الفلسطينية عند وصوله مدينة بيت لحم المحاطة بالجدران للقاء الرئيس الفلسطيني .
إن الرهان على عوامل الوقت وصبر الشعب الفلسطيني إلى مالا نهاية خطأ فادح لاينبغي التعويل عليه لذلك يجدر بالقوى الفلسطينية على مختلف انتماءاتها ان تغتنم اللحظة السانحة لإنهاء الإنقسام بشكل فوري وتعمل على تنفيذ ماتم الإتفاق عليه وتجميع كافة الطاقات والموارد من أجل التصدي للمخاطرالإحتلالية غير المسبوقة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني خاصة في مدينة القدس ومحاولات تقسيم الاقصى على غرار ماحصل للحرم الإبراهيمي الشريف ،لأن في ذلك تجاوزاً لكل الخطوط .............
بقلم / محمد السودي
كاتب سياسي