لم يمت أبو عمار بسبب تقدم السن ، لم يمت أبو عمار بسبب المرض ، لم يمت أبو عمار موتاً طبيعياً ، هذا ما خلص إليه الأخ توفيق الطيراوي عضو اللجنة المركزية لحركة " فتح " رئيس لجنة التحقيق في اغتيال أبو عمار في مؤتمره الصحفي صباح يوم 8/11/2013، إذاً أبو عمار اغتيل بواسطة السّم الذي دس إليه في طعامه أو شرابه ، وما توجيه التهمة باغتيال أبي عمار للعدو الصهيوني إلآ تحصيل حاصل لما هو واقع على الأرض الفسطينية ، وهذا فعلٌ لا يمكن لنا أن نخرجه من دائرة العدو الصهيوني ، لأنّ العدو الصهيوني يخوض حرباً شاملة ضدنا يستخدم فيها كل الأساليب والأدوات فالغاية لديه تبرر الوسيلة ، وهو يخوض صراع وجود ضدنا ، ولأنه لا يقر ولا يعترف بحقيقة الوجود الفلسطيني على أرض فلسطين فهو يعمل ليل نهار على إلغاء ما تبقى من هذا الوجود الفلسطيني وفق فهمه للوجود الفلسطيني وكيفية نفيه النسبي والمطلق له ، فكان الهدف لديه وليس جديداً عليه هو التخلص من قائد الشعب الفلسطيني ياسر عرفات ، وليست محاولة الاغتيال الأخيرة لياسر عرفات هي الوحيدة بل هي التتويج لأكثر من أربعين محاولة اغتيال قام بها العدو الصهيوني للتخلص من شخص ياسر عرفات وذلك على مدى العقود الخمسة من عمر الثورة الفلسطينية .
وعودة إلى المؤتمر الصحفي الذي جاء عقب تسليم التقرير الروسي والتقرير السويسري إلى الجهة الفلسطينية ، فإنّ تأخير التقرير الفرنسي وعدم تسليمه للجهة الفلسطينية هو عمل مقصود ، لأنّ الفرنسيين هم الذين يملكون الحقيقة الكاملة في اغتيال أبي عمار، والفرنسيون كانوا يملكون هذه الحقيقة من الأيام الأولى لدخول ياسر عرفات المستشفى العسكري في باريس ، وكانوا يعرفون حقيقة الوضع الصحي لياسر عرفات ، وكانوا يعرفون نوعية السّم الذي كان السبب في وفاة ياسر عرفات ، ولكن الفرنسيين كانوا أكثر تواطؤاً من الأمريكيين مع الصهاينة في إخفاء معالم جريمة اغتيال ياسر عرفات ، فلم يقولوا الحقيقة حين كان ياسر عرفات مسجى في المشفى ، ورغم تسليمهم تقريرا بمئات الصفحات لعائلة ياسر عرفات ، إلا أن التقرير كان مجرد عمل روتيني لمشفى يراقب مريضه والتطورات الطارئة عليه ، أضف إلى ذلك عدم احتفاظ المشفى الفرنسي بالعينات المأخوذة من جسد ياسر عرفات بالتخلص منها قبل حلول الموعد القانوني لها ، ومهما كانت خلاصة التقارير المخبرية الروسية والسويسرية والفرنسية فالمؤكد أنّ البلوتونيوم 210 كانت المادة السّامة التي قتلت ياسر عرفات .
الكل الفلسطيني مؤمن بأن قائدهم ياسر عرفات قد تم اغتياله بالسّم ، والكل مؤمن بأنّ المخطط لعملية الاغتيال هو العدو الأمريكي الصهيوني ، وأنّ قرار التخلص من ياسر عرفات اتخذ خلال اجتماعات كمب ديفيد عام 2000 نتيجة رفض عرفات التنازل عن الحقوق للشعب الفلسطيني ودعوته كلينتون للسير في جنازته ، ولكن من هي الأداة التي قامت بعملية تنفيذ الاغتيال ، بالتأكيد ليس الصهاينة ولا الأمريكان ، لأن ياسر عرفات كان محاصراً في المقاطعة ، وكل من يدخل إلى المقاطعة معروف لدى الجهة الأمنية المسؤولة عن أمن المقاطعة وأمن ياسر عرفات .
من دس السّم في طعام أو شراب أو دواء ياسر عرفات ، وقبل ذلك من أوصل هذا السّم إلى داخل المقاطعة ، ومن أوصله إلى مطبخ ياسر عرفات ، بالتأكيد فإنّ الطفل الفلسطيني أدرك منذ البداية بوجود شخص فلسطيني أو أكثر قام بتنفيذ عملية الاغتيال ، فمن هو هذا الشخص الفلسطيني الذي كان موجوداً داخل المقاطعة وكان مقربّاً من شخص ياسر عرفات ونفذ عملية الاغتيال .
إنّ الاتجاه الفلسطيني الرسمي لتحميل العدو الصهيوني مسؤولية اغتيال ياسر عرفات هو اتجاه صحيح ، ولكن الاتجاه يبقى منقوصاً إذا لم تتخذ الإجراءات القانونية ضد منفذ عملية الاغتيال ، فلماذا تقاعست الجهات الفلسطينية المنوط بها تحمل مسؤوليتها بالكشف عن الفلسطيني منفذ عملية الاغتيال ؟ ، ولماذا تتهرب كل المستويات الفلسطينية عن السير في هذا الاتجاه ؟ أين اللجنة المركزية لحركة " فتح " السابقة والحالية ، أين المجلس الثوري لحركة " فتح " السابق والحالي ، ولماذا لم يتخذ المؤتمر العام السادس لحركة " فتح " قراراً جاداً ومسؤولاً في هذه القضية ، كما أنّ كلا من الحكومات الفلسطينية المتعاقبة من اغتيال ياسر عرفات وحتى يومنا هذا تتحمل المسؤولية في عدم الكشف عن الفاعل الفلسطيني ، كما أنّ رئاسة السلطة وأجهزة أمنها تتحمل المسؤولية في ذلك أيضاً ، وبالطبع فإنّ اللجنة التنفيذية السابقة والحالية تتحمل المسؤولية في ذلك ، كما يتحمل المسؤولية المجلس المركزي لمنظمة التحرير .
عدم التحرك الفلسطيني بالتحقيق في جريمة اغتيال ياسر عرفات منذ اللحظات الأولى لظهور الشّك بوجود جريمة الاغتيال يضعنا أمام سؤال كبير ، ولنملك الجرأة في طرحه ، من الفلسطيني صاحب المصلحة الحقيقية بالتخلص من ياسر عرفات ؟ أعضاء في اللجنة المركزية لم يكونوا على وفاق مع ياسر عرفات كان لهم مصلحة في ذلك ، ومن اختلف مع ياسر عرفات حول انتفاضة الأقصى كان له مصلحة في ذلك ، وياسر عرفات الذي أراد أوسلو وسيلة للوصول للحقوق الفلسطينية بينما أراده البعض الفلسطيني هدفاً لا يمكن تجاوزه فكان الاختلاف الذي جعل ياسر عرفات عقبة كداء في تنفيذ المخطط الصهيوني على الأرض ، لذلك كانت الضغوط تتوالى على ياسر عرفات من كل حدب وصوب فلسطينياً وعربياً ودولياً وخاصة أمريكياً بأن يقبل بهذا رئيس حكومة وبذاك وزير داخلية وبثالث وزير مالية ، وأن يقبل بالحلول التي فرضت عليه في قضية كنيسة المهد وقضية أحمد سعدات ، فلقد اكتمل الخناق على ياسر عرفات بينما هو يزداد تعلقاً بشعاره اليومي (عالقدس رايحين شهداء بالملايين ) ، كان يدرك معنى ما يقول ، وكان العاملون على التخلص من ياسر عرفات يدركون ما يفعله ياسر عرفات كل يوم ، كان يوجه رسائله بشكل مباشر وغير مباشر لجماهير شعبه عليكم بالمقاومة بكل أشكالها المتاحة أمامكم ، ومن هنا التقت المصالح الأمريكية الصهيونية بمصالح بعض الفلسطينيين بأنّ التخلص من ياسر عرفات هو المصلحة المشتركة للجميع ، وبسبب التقاء المصالح تلك كان التقاعس الفلسطيني عن المباشرة بالتحقيق الفوري منذ لحظة وقوع الجريمة التي كشفت عن نفسها في لحظات احتضار ياسر عرفات ، ولأن ذلك كان واضحاً لياسر عرفات فقد كان إصراره الشخصي بعدم مغادرة المقاطعة وعدم مغادرة فلسطين لأنه كان يعلم وقد قالها بكل صراحه عبارته ( لقد تمكنوا مني ) ، فهل كان ياسر عرفات يعرف من قام بدس السّم له ولم يستطع النطق بذلك فضاع المجرم الفلسطيني في طيات حالة التسمم التي أصيب بها عرفات ؟ الكل مسؤول والكل متهم بقتل ياسر عرفات الذي ما زال يدعوننا في كل يوم للتفتيش عن قاتله الفلسطيني .
حمص في 9/11/2013 صلاح صبحية