عن حال الفلسطينيين في سوريا

دفع فلسطينيو سوريا ثمناً باهظاً جراء اندلاع الثورة السورية، فقد تعرّضوا للقتل، والاعتقال والتنكيل، كما تعرّضت بيوتهم وممتلكاتهم في عديد من المخيمات للقصف الأعمى والتدمير الوحشي، من قبل النظام، فضلاً عن مكابداتهم ويلات الحصار والتجويع والتشريد، مثلهم في ذلك مثل غالبية السوريين، الذين بتنا نشاهدهم في مخيمات اللجوء في تركيا أو الأردن، أو في شوارع مدن لبنان ومصر والعراق، كما بتنا نشاهد مآسيهم وهم يركبون عباب البحر، سعياً وراء الآمان والسلام في عالم آخر. لا بل إن أحد مخيماتهم (اليرموك)، والذي أخضع لحصار مشدّد منذ عام تقريباً، بات له أكثر من مئة يوم في حصار وإغلاق محكمين، بحيث بات من بقي فيه من سكانه يعيشون تحت طائلة الموت من الجوع أو من القصف.
في العام الأول للثورة السورية كان متوسط عدد الضحايا من الفلسطينيين لا يتجاوز سبعة شهداء في الشهر، لكنه بات منذ العام الثاني، وتحديداً منذ حزيران/يونيو (2012) يقدر بحوالى 70 شهيداً، أي أنه ارتفع بقدر عشرة اضعاف، وقد سجّل شهر ايلول/سبتمبر، من ذات العام، باعتباره الشهر الذي سقط فيه العدد الأكبر، مع 128 شهيداً منهم.
وبشكل أكثر تحديداً، فقد بلغ عدد الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم، إبان 30 شهراً من عمر الثورة السورية، حوالى 1600 شهيد، نصفهم قضوا في مخيم اليرموك وجواره (الحجر الأسود والتقدم والتضامن)، وربعهم قضى في دمشق وريفها (برزة والمزة ودوما وخان الشيح والحسينية وداريا والمعضمية والست زينب...). وتبين الاحصاءات أن أكثر من 65 في المئة من هؤلاء الشهداء قضوا داخل مخيماتهم، على النحو التالي: مخيم اليرموك (556)، مخيم درعا (107)، ومخيم الحسينية (74)، مخيم العائدين في حمص (52)، مخيم خان الشيح (45)، ومخيم السيدة زينب (25)، ومخيم السبينة (25)، ومخيمي النيرب وحندرات قرب حلب (55)، ومخيم حماة (17)، ومخيم الرمل في اللاذقية (11)، ومخيم جرمانا (11). وقد اختلفت الأشكال التي أودت بحياة هؤلاء، إذ ثمة 822 فلسطينياً استشهدوا نتيجة عمليات القصف، و195 برصاص القناصة، و150 برصاص رجال الأمن والجيش، و118 تم إعدامهم ميدانياً، 69 استشهدوا تحت التعذيب، و33 في مجزرة الكيماوي. وثمة، أيضاً، إلى جانب الشهداء مئات الجرحى والمعوقين والمعتقلين والملاحقين، كما ثمة عشرات الألوف من النازحين إلى مناطق أخرى داخل سوريا، واللاجئين في البلدان المجاورة، لا سيما من مخيمات اليرموك وخان الشيح والسبينة ودرعا والحسينية، هذا فضلاً عن تدمير مئات البيوت في عديد من المخيمات.
وفيما كان وسام الغول أول شهيد فلسطيني، (25/3/2011)، من مخيم درعا، وهو أول مخيم شهد تأثيرات الثورة السورية، والرد الوحشي عليها من قبل النظام، فإن التأثيرات الأكبر، والأثمان الأكبر، كانت في مخيم اليرموك قرب دمشق، وهو أكبر المخيمات الفلسطينية قاطبة، فهو المخيم الذي دفع نصف عدد الشهداء من الفلسطينيين السوريين، والذي شهد المواجهات الأعنف، والذي تعرضت أجزاء كبيرة منه للتدمير، فضلاً عن أنه المخيم الذي شهد نزوح نسبة كبيرة من سكانه، الذي كان يبلغ عددهم حوالى ربع مليون.
وكانت أولى المواجهات في هذا المخيم جرت يوم 13/7/2012، حيث قام رجال الأمن بإطلاق الرصاص على تظاهرة سلمية خرجت في المخيم تنديداً بالمجزرة التي وقعت في التريمسة، ما أدى إلى مصرع ستة من المتظاهرين. وبعدها بات المخيم يتعرض لوجبات من القصف المدفعي، قضى فيها تسعة فلسطينيين (18/7)، و18 (2/8)، و70 في شهر أيلول/سبتمبر، و13 (5/12).
وقد واجه هذا المخيم كل ذلك لثلاثة أسباب، أولها، احتضانه للنازحين من السوريين من أهالي المناطق المجاورة. وثانيها، عدم خضوعه لمحاولات ما يسمى اللجان الشعبية (المدعومة من قبل "الجبهة الشعبية القيادة العامة") الهيمنة عليه. وثالثها، أنه الأكثر تمثيلاً للوطنية الفلسطينية، وأخذه في هذا الاتجاه أو في هذا الاتجاه سيكون له دلالاته.
والواقع أن تطور المواجهة بين النظام والثورة، ومع التحول إلى الثورة المسلحة، وضع مخيم اليرموك في وضع حرج، فهو جزء من البوابة الجنوبية لدمشق، وهو أيضاً في حالة تداخل جغرافي، ومجتمعي، مع الأحياء السورية المجاورة (الحجر الأسود والتقدم والتضامن ويلدا)، وهي أحياء مساندة للثورة، وفوق هذا وذاك فإن سعي أطراف فلسطينية لإقحام المخيم في الصراع الجاري، فوّت محاولات تحييد المخيم، وتجنيبه دفع الأثمان الباهظة، وجعله في قلب الصراع الجاري على كل شبر في سوريا، بين النظام و"الجيش الحر". هكذا وصل الوضع إلى حد قيام طائرات النظام بشنّ غارة جوية على المخيم راح ضحيتها العشرات، لأنها استهدفت أماكن تجمع للنازحين (مدرسة الفالوجة ومسجد عبد القادر الحسيني)، وذلك يوم (16/12/2012)، وهو اليوم الذي شهد محاولة جماعات "الجيش الحر" اقتحام بعض المناطق في المخيم لإنهاء وضع "اللجان الشعبية"، وهي التطورات التي أدت إلى نزوح 70 بالمئة من سكانه.
عموماً ولأجل مطالعة مزيد من التفاصيل عن الأحداث والإحصاءات والوثائق، التي عرضنا بعضها هنا، يمكن الاطلاع على كتاب يوسف فخر الدين ويوسف زيدان: "اللاجئون الفلسطينيون في المحنة السورية، من الرابط: (https://db.tt/TZVrOgdE)
هذه هي التطورات التي أدت إلى معاناة الفلسطينيين في مخيم اليرموك من نكبة ثانية، ربما هي أقسى من الأولى، وهي نكبة يتحمل مسؤوليتها النظام، لأنه هو الذي يملك قوة النيران، والقدرة على القصف والقنص والحصار، تماماً مثلما يتحمل مسؤولية كل ما يجري في سوريا. لكن هذا الوضع لا يعني أن الأطراف الأخرى الفلسطينية والسورية ("الجيش الحر") لا تتحمل مسؤوليتها عن هذه المأساة، الأولى في محاولة البعض اقحام المخيم بدعوى صد المؤامرة على سوريا وتشكيل جماعات مسلحة لـ"الدفاع الذاتي"، باسم "اللجان الشعبية". والثانية، بتسرعها لاقتحام المخيم، ولا سيما بفرضها السيطرة عليه، الأمر الذي كان يمكن تجنبه، لأنه لم يؤد إلا الى تشريد سكانه، من السوريين والفلسطينيين، من دون أي جدوى تذكر، لا سيما أن المخيم بات تحت دائرة الحصار، والقصف، والإغلاق؛ وهي من الملاحظات التي تؤخذ على "الجيش الحر".
ولعل ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن حال الفلسطينيين المأسوية هذه هي ذات حال السوريين في معظم مناطقهم، ما يؤكد ارتباط مصيرهم بمصير هؤلاء، بمعزل عن أي اعتبارات أخرى.

ماجد كيالي