تأكدوا أن الذين يمارسون التعذيب والإساءة بحق المعتقلين في السجون والمعتقلات، السرية والعلنية، وفي مراكز الشرطة وأقبية التحقيق، وفي أوكار الأمن ومقار المخابرات، ضد إخوانهم وأبناء شعبهم، وبحق أهلهم وأبناء أمتهم العربية والإسلامية، ممن يخالفونهم في الرأي، أو يعارضونهم في السياسة، أو يفوزون عليهم في الانتخابات، أو غيرهم من الناجحين في أعمالهم، والموفقين في تجارتهم، الذين يعتقلون بقصد الابتزاز، وإجبارهم على التنازل عن جزءٍ من أموالهم، أو مشاركتهم بالقوة في بعض أعمالهم، أو مقاسمتهم أرباحهم، أو نيل حريتهم مقابل فديةٍ أو بعض المال.
هؤلاء فضلاً عن أنهم مرضى نفسيين، ومصابون بشذوذٍ في أخلاقهم، وعقدٍ في طفولتهم وشبابهم، ونقصٍ في حياتهم، فإنهم حاقدين فاسدين، ومنحرفين أشراراً، ضالين ومضلين، يفسدون في الأرض ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فهم يكرهون الوطن ولا يحبونه، ويحقدون على الشعب ولا يودونه، ويسرقون ثروات البلاد ولا يحمونها، وينهبون خيراتها ولا يصونونها، ويتآمرون على أنظمتهم، ويسربون أسرار حكوماتهم، وينسقون مع أعدائهم، ويتبادلون المعلومات مع خصومهم، مقابل أموالٍ وامتيازاتٍ، يبعون بها ذممهم، ويرهنون بها ضمائرهم، ولو كان في هذا خراب البلاد، وضياع الأوطان.
إن هذا الصنف من الناس، الذين أساؤوا استخدام السلطة، وأجرموا في حق الناس بما منحهم الله من قوة، لا يتركهم الله ينعمون في حياتهم، ويسعدون في مستقبلهم، ويهنأون في شيخوختهم، أو يستمتعون بأموالهم وبنيهم، فلا تكون خاتمتهم إلا سيئة، ولا تكون عاقبتهم إلا وخيمةً، انتقاماً منهم، وشفاءً لصدور وقلوب من قد ظلموهم وعذبوهم، ودرساً وعبرةً لغيرهم، من الذين مازالوا سادرين في غيهم على طريق سلفهم.
إنهم يصابون في حياتهم بالجنون والخبل، أو يخرفون ويفقدون عقولهم، وتنخر الأيام في ذاكرتهم، فتنسيهم أسماءهم، وصور أولادهم، وتشطب من ذاكرتهم بقايا الصور، وذكريات العمر، فيصبحون مع الأيام بلهاء سفهاء، يتهكم عليهم الناس، ويتسلون بهم، ويتخذونهم سخرياً، يبولون على أنفسهم، ولا يتحكمون في ذواتهم، ويتخلى عنهم أولادهم ونساؤهم، ويودعونهم دوراً للرعاية، وبيوتاً للنقاهة، لا حباً فيهم، ولا حرصاً عليهم، بل رغبةً في التخلص منهم، والارتياح من عناء خدمتهم.
وغيرهم تصيبهم أمراضٌ وعلل، وتنهش أجسامهم عاهاتٌ وأزمات، وتنتظرهم مع الأيام مفاجئاتٌ كثيرة، منهم من يشل، فلا يقوى على الحراك، ولا يستطيع خدمة نفسه، ولا يقوى على الحركة من مكانه، ويحتاج إلى من يأخذ بيده، يحركه وينقله، ويخدمه ويساعده.
ومنهم ما تجعل الأمراضُ التي تصيبه، ما نهب من أموالٍ، وما عذب من الناس، نقمةً عليه، ووبالاً على صحته، فلا يستسيغ طعاماً، ولا يقوى على شرابٍ، لعللٍ تمنعه، ومضاعفاتٍ تنتظره، فيلفظ ما يأكل، ويقيئ ما يشرب، ويصيبه الهزال والضعف، ويلحق به الوهن والخرف.
ومنهم من تصيبه جلطاتٌ مشلة، فيعوج لسانه، وينحرف وجهه، ويفقد القدرة على الاتزان أو التوازن، ويصبح بين الناس أضحوكة، ومادةً للسخرية والتهكم، إذا تحدث تلعثم، أو إذا حاول المشي تعثر وسقط.
ومنهم من تلتهم النيران بيته، وتحرق بعضاً من أهله، وكل ماله ومتاعه، ولا تبقي على شئٍ من آثاث بيته، وتأتي على الغالي والنفيس، مما جمع وسرق ونهب، فيخسر المدخرات والمحفوظات، ويصبح بين الناس مشرداً تائهاً حائراً، يسأل الناس العون والمساعدة، فيعطوه أو يمنعوه، أو يشمتوا به ويحرموه.
ومنهم من يبتليه الله في ولده، ويعاقبه في نسله، فتأتي ذريته مريضة أو مشوهة، أو يكونون ضالين فسدة، عاقين مردة، يسيؤون إلى أهلهم، ويفسدون عيش آبائهم، ويكونون مصدر تعبٍ ونكد، وخوفٍ وقلق.
وآخرون يدخلون السجون التي فتحوها، ويسكنون الزنازين التي بنوها، ويسقون من كأس المر والهوان الذي صنعوه بأنفسهم، وجرعوه مراراً لمعتقلين وسجناء مساكين غلابة، فيبتليهم الله بمن هم أكثر شراً منهم، وأشد سوءاً عليهم، فيسومونهم سوء العذاب، يضربونهم ويشبحونهم، ويسلخون جلودهم، ويعلقونهم من أطراف أصابعهم، ويدخلون الكهرباء بجهدٍ عالٍ في أجسادهم، ويتركونهم يتمرغون في آلامهم، ويتضرجون في دمائهم، فلا يحزن عليهم أحد، ولا يخفف من آلامهم في زنازينهم سجينٌ آخر.
ومن نجا من السجن والاعتقال، ووقع في أيدي من ظلمهم، أو وصلت إليه أيدي أبناؤهم وورثتهم، فإنهم ينهشون لحمهم، ويقطعون أوصالهم، ويدقون عظامهم، ويبالغون في الانتقام منهم، ويبشعون في أجسادهم أحياءً وبعد القتل، إذ أن أغلبهم يقتل شر قتلةٍ، وينال أبشع موت، طعناً بالسكاكين، أو ضرباً بالفؤوس والهروات، أو رضخاً بالحجارة، أو سحقاً وسحلاً وجراً في الشوارع والطرقات، نكالاً به بما قد ارتكبت في حياته يداه.
وغيرهم يهربون ويفرون من بلادهم، تاركين أهلهم وعشيرتهم، يحاولون التخلص من ماضيهم، والتنصل من جرائمهم، والتطهر من رجسهم، وقد يغير بعضهم اسمه، بل إن منهم من يغير دينه، ويزيف شكله، ويستبدل هويته، عله ينجو من عيونٍ تقتحمه وتكاد تحرقه، أو يفلتُ من أيادٍ تلاحقه وتريدُ أن تنتقم منه.
إنه مصيرٌ محتومٌ، قادمٌ لا محالة، سيصيبُ الذين ظلموا شاؤوا أم أبوا، في حياتهم أو بعد مماتهم، وسيصيبهم أكثر مما يتوقعون، وأسوأ مما فعلته أيديهم، وابتدعته نفوسهم المريضة، وعقولهم الخبيثة، ومفاهيمهم السقيمة، فلا يستعجلن أحدهم الخاتمة، ولا يستبطئن العاقبة، فإنها لا محالة آتية، وما على غيرهم، ممن تسلم مهامهم، وتقلد مناصبهم، وجلس في مكاتبهم، إلا أن يتعظ ويتخذ منهم عبرةً ودرساً، فلا يظلم ولا يطغى، ولا يبطش ولا يبغى، بل يتقي الله وينصف، ويخاف الله ويعدل.
[email protected] بيروت في 22/11/2013