( إتفاق جنيف وغضب الكيان الصهيوني )

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

( إتفاق جنيف وغضب الكيان الصهيوني )

بمناسبة توقيع إتفاق جنيف بين إيران والدول الغربية بشأن ما عرف بأزمة النووي الإيراني، ورفض الكيان الصهيوني لهذا الإتفاق الذي أفقده ورقة سياسية مهمة تغنى بها طويلاً من أجل تعطيل الجهود الرامية إلى إيجاد تسوية سياسية فلسطينية إسرائيلية، أعيد نشر هذه المقالة ((النووي الإيراني وزوال إسرائيل)) كما هي والتي كتبت في 30/09/2012م أي قبل عام وشهرين من الآن .. حتى نقف على أبعاد الغضب الذي يبديه قادة الكيان الصهيوني إزاء هذا الإتفاق وعلى رأسهم نتنياهو.

(( النووي الإيراني وزوال إسرائيل ))

بقلم د. عبد الرحيم جاموس

لا يحتاج الكيان الصهيوني للحرب مع إيران، أو مع غيرها من دول المنطقة، سواء كانت نووية أو غير نووية، من أجل أن يزول من فلسطين، ومن خارطة الشرق الأوسط، إن ما يحتاجه فقط هو التزام النظام الدولي لإقرار الشرعية الدولية القائمة على مبدأ العدالة وتفعيلها في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف، وفق قرارات عصبة الأمم التي وضعت فلسطين سابقاً تحت الانتداب، بعد الحرب العالمية الأولى، وبعدها قرارات الأمم المتحدة التي أقرت توصية تقسيم فلسطين في القرار 181 لسنة 1947م، وما تلاه من قرارات مثل القرار 194 الذي يكفل حق العودة للاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى جملة القرارات الصادرة عن الدورات المتلاحقة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وصولاً إلى ما سيصدر من قرارات عن الجمعية العامة في دورتها المنعقدة حالياً السابعة والستين.

إن افتعال الكيان الصهيوني للصراعات مع دول الجوار، واليوم مع ((إيران نووية)) أو ((بدون نووي)) ما هي إلا أوهام سياسية صهيونية، دأب الكيان الصهيوني على تسويقها لدى المجتمع الدولي من جهة، ولدى الرأي العام الداخلي لكيانه، لأجل التهرب من مواجهة استحقاقات العدالة والشرعية الدولية التي تلاحقه، وتكشف عن أسس وجوده ونشأته العدوانية والعنصرية، الموجهة ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في وطنه فلسطين، وللتغطية على استمرار جوهر سياساته الفاشية والاستيطانية التوسعية التي نشأ وتطور على أساسها هذا الكيان.

إن استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة تل أبيب مؤخراً ونشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية على موقعها الإليكتروني، والذي يقول ((إن أكثر من نصف الإسرائيليين يخشون زوال ((الدولة اليهودية)) حال دخول إسرائيل في حرب مع إيران))، وتقول الصحيفة ((إن هذه نتيجة مفاجئة ستقلق ((رئيس الوزراء نتنياهو)) الذي يدعي بأن ضربة وقائية على المنشآت النووية الإيرانية قد تكون ضرورية لمنعها من الحصول على قنبلة ذرية))، يأتي مثل هذا الاستطلاع لتكريس سياسات الوهم الصهيوني التي يتغذى ويتطور على أساسها المشروع الصهيوني في المنطقة، ويبرر استمرار سياساته وهروبه إلى الأمام من مواجهة الحقيقة التاريخية والسياسية والقانونية، وهي حقيقة وجود الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في وطنه بدءاً من حق العودة وصولاً إلى حق الدولة، هذه الحقوق التي يستمر الكيان الصهيوني في تغييبها وإنكارها، واقفاً في وجه الشرعية الدولية، والتاريخية والقانونية والسياسية، وفي هذا السياق يأتي استغلاله (( لمسألة النووي الإيراني )) وهو يدرك تمام الإدراك، أن إيران سواء كانت نووية أو غير نووية، فإن سياستها تبنى وفق مصالحها القومية، لا وفق مصالح العرب أو الفلسطينيين، إذا كانت سياسات إيران في المنطقة تهدد وجود إسرائيل، ألا يتساءل الساسة الإسرائيليون ومعهم الرأي العام عن مدى تقاطع سياساتهم وسياسات إيران أثناء الحرب العراقية الإيرانية في عقد الثمانينات من القرن الماضي، والتي زودت إسرائيل خلالها الجمهورية الإيرانية بالأسلحة التي حالت دون هزيمتها في مواجهة العراق ؟!!!

وفي ظل الحديث المستمر عن ((أزمة النووي)) الإيراني مع دول المنطقة، ومع المنظمة الدولية للطاقة الذرية، ومع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية عامة، كيف جرى تفسير التقاطعات السياسية، الإيرانية، الأمريكية، الإسرائيلية، في احتلال العراق وتدمير الدولة العراقية التي كانت سداً منيعاً أمام تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وأيضاً استهداف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي في تموز 1981م وتدميره في وقت انشغال العراق في مواجهة حربه مع إيران ؟!!!

إن شماعة ((النووي الإيراني)) واستخدامها فزاعة من جانب الكيان الصهيوني، من جهة واستمرار مسؤولي الجمهورية الإيرانية بإطلاق تصريحاتهم ((الدونكيشوتية)) بشأن إزالة إسرائيل من الخريطة من جهة أخرى، يمثل تناغماً سياسياً شاذاً، يخدم مصالح الطرفين، على حساب المصالح العربية، واستمرار المعاناة الفلسطينية، واستمرار خلق حالة من التوتر المصطنع، مؤداها تقويض الجهود الهادفة إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، إن سياق التقاطعات السياسية الإيرانية الأمريكية والإسرائيلية، في أفغانستان ومن بعده في العراق، يفتح المجال واسعاً، أمام الاعتقاد والتوقع، باحتمال ((احتواء إيران نووية)) مزدوج ((أمريكياً وإسرائيلياً))، يصبح احتمالاً وارداً وممكناً في سياق رسم نظام شرق أوسط جديد ثلاثي الأبعاد، تمثل فيه إسرائيل قاعدة المثلث، وتركيا وإيران الإسلاميتان ضلعاه الآخران، يجب أن تدرك الدول العربية أن جملة المتغيرات التي تشهدها المنطقة، قد تقود إلى أن يصبح هذا الاحتمال واقعاً قائماً، وعندها يصبح الواقع العربي أكثر تعقيداً وحيرة مما هو عليه اليوم، وتنكشف حينها حقيقة ما يعرف اليوم بأزمة ((إيران نووية))، وحقيقة النووي الإيراني وزوال إسرائيل الذي تروج له سياسة الكيان الصهيوني.

 

د. عبد الرحيم محمود جاموس

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

E-mail: pcommety @ hotmail.com

الرياض 30/09/2012م الموافق 14/11/1433هـ