الفكرة وكاميرا الجوال ...

بقلم: مازن صافي

أشياء كثيرة دخلت حياتنا وشكلت نمطية تفكيرنا وتوجهاتنا وبرنامجنا اليومي، لا أحد يستطيع أن يتصور أن يتفق مليون شخص على إغلاق جهاز الجوال في نفس الثانية، وكما لا أحد يمكنه التنبؤ بما ستصل له "تكنولوجيا الجوالات"، لكن الإنسان يعمل على قراءة المتغيرات فيتأقلم أو يندمج معها أو يشعر بالاغتراب .

الأفكار أيضا مثل جهاز الجوال، تنشط في عقل الإنسان، تخترق الكثير من الجمود، لكنها تتأثر أيضا بالمتغيرات وأحوال العالم، وتتأثر الأفكار بمدى واقعية تطبيقها أو قدرتها على الصمود واختراق حواجز الخيال .

بين الجوال والأفكار تكمن جودة الصورة وقوة الإقناع وسرعة الوصول والبقاء في الذاكرة، هناك أفكار صارت تشكل جزءا أساسيا من حياتنا، بل نعتمد عليها في تفسير ما يورد علينا من أحداث وإحداثيات يومية، وكاميرا الجوال تنقل لنا الصورة الجامدة ونحن من نتفاعل معها ونخزنها ونشكل معها أفكار جديدة، ولي صديق صحفي يقول لي دوما " الصورة ثلثي الخبر"، والخبر بحد ذاته حدث يرافقه تفصيلات، وهو أيضا يأتي متأثرا بالأفكار.


تتسلل كاميرا الجوال إلى كل مكان، ولا أحد يمكنه أن يأخذها منك، فهي جزء من الجهاز الذي يساعدك على التواصل، وانتشرت هذه الوسيلة بحيث أنه يمكن الاعتقاد أن كل من هو فوق 16 عاما يمتلك جهاز جوال، لكن ربما لا يملك " جهاز بكاميرا" .

هناك أفكار خارجة عن المألوف، تشعر معها للوهلة الأولى أنها مثيرة أو بحاجة إلى القراءة أكثر، وربما حين نتعرف على مصدرها سنبحث عن تفاصيل مصدرها الشخص أو الجهة وبالتالي سنذهب في تفسير هذه الأفكار ابعد من مجرد القراءة بل سنصل الى قراءة كل أفكار الشخص وطبيعة شخصيته أو سلوكياته، وما ينطبق على الشخص ينطبق على المؤسسة، يمكن الاعتقاد ان كل شخص يحمل فكرة، لكن ربما لا نملك أن نصل إلى " مصدر هذه الفكرة".

الحروب القديمة نقلت لنا عبر القصص والحكايات والأشعار وبعض الكتابات أو اللوحات، لكنها بقيت ثابتة غير متحركة أو ناطقة، ونلاحظ أن الحرب العالمية الثانية "حظيت" بولادة جهاز التلفاز، والى الآن نشاهد بعض مقاطع حقيقية عن الحرب وويلاتها، وترسخ الصورة أكثر مما نقرا عنها، لهذا ربما كان صديقي الإعلامي واقعيا حين قال " الصورة ثلثي الخبر".

أحيانا أنسى أن أضع قلما وورقة في جيبي، وأضطر إلى أن أكتب بعض الأفكار العابرة او عناوين أو خطوط لمقالاتي أو نصوصي الأدبية على شكل رسالة جوال وأرسلها لنفسي او أخزنها لحين تفريغها مترجمة إلى نص كامل، هنا يخدم الجوال نقل الفكرة، لقطة الفكرة يمكنها ان تذهب في الفراغ إن لم تترجم أو تكتب في الحال، مثل كثير من الأحلام الجميلة التي نصحو من نومنا ولا نتذكرها، يبقى الحلم السيئ مقاوما دائما للنسيان، هل هذه طبيعة الإنسان أم ماذا ..؟؟!!
كاميرا الجوال تخترق أفكارنا بل تصنع ذاكرتنا باللقطات الهامة، وخلال العشرة سنوات الماضية يمكن لنا ان نسجل الكثير من ذلك وأقربها ما ينقل من أحداث يومية في سوريا، وما حدث في مصر، وتونس وليبيا، وربما أشهر اللقطات تلك التي نقلت لنا بشاعة إعدام الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين، وستبقى شجاعته وكلماته حيَّة أمامنا وللأجيال القادمة، وتختصر مئات ملايين الكلمات والروايات .

لقطة الجوال المميزة، تشبه لقطة الفكرة الهامة، فليس كل من يملك جهاز بكاميرا يمكنه أن يلتقط صورة تبقى في الذاكرة، كما أنه ليس كل من يملك عقلاً يمكنه ان يسجل للعالم فكرة تصنع تغييرا وإبداعا وتطورا.

وأخيرا: كثير من أدوات التكنولوجيا والتقنيات الحديثة تعطل ملكات التصور والإبداع الخيالي والتفكير عند الإنسان، لكن يبقى أن هناك من أبدع في فكرة صناعتها وتطويرها وهنا أيضا فارقة بين الناس وبين متلقي الفكرة وصانعها، وعلى الجهة الأخرى نقول هناك فرق بين حامل جهاز الجوال ومحترف استخدام كاميرته.