في ذكرى الإنتفاضة المجيدة الأولى

بقلم: راسم عبيدات

الجميع يجمع على أننا كفلسطينيين في تلك الإنتفاضة، لم ننجح بنقل الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية إلى الإمكانية الواقعية، ولعل الاستثمار السياسي المتسرع لتلك الانتفاضة قاد إلى ما وصلنا إليه من اتفاق أوسلو وقيام سلطة فلسطينية محدودة على ما لا يزيد عن 18% من أراضي الضفة الغربية وبصلاحيات محدودة ومقيدة وبدون أي سيادة فعلية.
 وبما أن أوسلو الذي قسم الشعب والأرض والقضية، والذي اعتبره فريق فلسطيني ممرا اجباريا، لم يقد إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة، رداً على ذلك اندلعت الانتفاضة الثانية في أيلول 2000، تلك الانتفاضة التي استباح فيها شارون كل الأرض الفلسطينية، وداست دباباته اتفاق أوسلو وأزالت المسافات والفروقات والتصنيفات بين مناطق ( الف وباء وجيم)، وحوصر الرئيس الشهيد ابو عمار في المقاطعة برام الله حتى تمت تصفيته بالسم، وهو القائد الذي حرض عليه شارون والمحافظون الجدد في واشنطن بأنه لا يريد السلام وأنه داعم "للإرهاب" أي المقاومة، وحاولوا تسطيح الأمور وتشويها وتصويرها على انها شخصية،وأنه بمغادرة الرئيس الشهيد ابو عمار وما يمثل في الساحة الفلسطينية سينال الشعب الفلسطيني حقوقه وستصبح دولته أرضاً للبن والعسل.
  
ومن انتفاضة الحجر ومروراً بالانتفاضة الثانية والانقسام الفلسطيني والحرب العدوانية على القطاع في أواخرعام/2008 وحتى اللحظة الراهنة، جرت في النهر مياه كثيرة، فإسرائيليا الحكومة الإسرائيلية تزداد تغولاً وتوحشاً،وتشن حرباً شاملة على الشعب الفلسطيني على امتداد جغرافيا فلسطين التاريخية، لم يسلم منها لا شعبنا في الداخل ولا في الضفة الغربية ولا في القدس ولا في قطاع غزة،وهي ترفض تقديم أية تنازلات جدية من اجل السلام،تلامس الحد الأدنى من الحقوق المشروعة لشعبنا الفلسطيني،بإقامة دولة فلسطينية على ما مساحته 22 % من مساحة فلسطين التاريخية.
 
ففي الداخل الفلسطيني سلسلة طويلة من الإجراءات والممارسات التعسفية والقمعية بحق شعبنا هناك، وقوانين عنصرية تسن بالجملة الهدف منها منع تبلور شعبنا هناك كأقلية قومية وبهوية ثقافية عربية،فهناك مخطط "برافر" العنصري لإقتلاع شعبنا وتهجيره من أرضه التي ولد فيها وترعرع عليها،حيث المخطط يستهدف الإستيلاء على حوالي(800000 ) الف دونم من أراضيه وتدمير (38) قرية عدد منها موجود قبل وجود دولة الإحتلال،حيث ترفض حكومة الإحتلال تزويدها وربطها بمقومات الحياة الأساسية من مراكز طبية ومدارس وماء وكهرباء وصرف صحي وطرق وشوارع وغيرها،وحصر شعبنا العربي هناك فيما مساحته لا تزيد عن 1 % من مجموع أراضيهم،وهذا المخطط سيهجر أكثر من 40 -60 ألف عربي فلسطيني عن أرضهم،والعرب يشكلون 30 % من مجموع سكان النقب.
 اما في القدس فسياسة الأسرلة والتهويد والتطهير العرقي تجري على قدم وساق، حيث الاستيطان يتمدد ويتوسع ويطال قلب الأحياء العربية، وكذلك الاستيلاء على المنازل والعقارات وهدمها انتقل من الحالة الفردية للحالة الجماعية، كما هو الحال في احياء البستان في سلوان وحي الشيخ جراح، ناهيك عن سياسة إبعاد المواطنين عن قدسهم وأقصاهم ،وأصبحت هناك مخاطر جدية على المسجد الأقصى،مخاطر التقسيم الزماني والمكاني له،حيث يتعرض كل يوم لعمليات إقتحام من قبل المجموعات والجماعات الإستيطانية المتطرفة،وبمشاركة ومباركة من أعلى المستويات السياسية والأمنية والقضائية والتشريعية،والتي كان آخرها محاولة مجموعات ما يسمى بإتلاف مجموعات الهيكل إدخال شمعدان ما يسمى بالهيكل الثالث الى ساحات المسجد الأقصى،ناهيك عن الحفريات التي طالت أساساته بما مجموعه (3000 ) متر من الحفريات وإحاطته بمئات الكنس والمدارس التوراتية،وكذلك محاولة جمعية "يشاي" الإستيطانية إقامة أكبر كنيس يهودي على خمس مساحة المسجد الأقصى.
 وواقع الحال في الضفة الغربية ليس بالأحسن والأفضل على صعيد الاستيطان والظروف الحياتية والأمان،بل يضاف لذلك إطلاق يد المستوطنين لكي يعيثوا فساداً وخراباً، نهبا ومصادرة لأراضي المواطنين العرب وتدمير ممتلكاتهم وحرق وقطع أشجارهم وسرقة محاصيلهم وحتى إطلاق الرصاص عليهم وقطع الطرق ومحاصرة القرى والتجمعات العربية، وكذلك قتل المواطنين بدم بارد وبدون مساءلة أو محاسبة،فهناك القتل للعمال الذين يبحثون عن لقمة عيشهم بدون اي سبب او ذنب اقترفوه،وسلة الغذاء الفلسطينية،منطقة الأغوار يجري تهويدها،وإقامة جدران فصل عنصري عليها،ويطرد سكانها العرب منها وتصادر مصادر رزقهم وحياتهم وتدمر.
 
أما في القطاع فتتواصل عليه الاعتداءات بشكل يومي ويشدد عليه الحصار ويحرم من مقومات الحياة الأساسية من غذاء ودواء وهواء، حتى الحالات الإنسانية تحرم من العلاج وتخضع للابتزاز.
 أما على الصعيد الفلسطيني الداخلي، فعدا عن سياسة الانقسام المدمرة، وحالة الضياع و"التوهان" وتعدد الاستراتيجيات والمرجعيات والعناوين، فالحالة الفلسطينية تزداد ضعفاً، ولم ننجز لا في مقاومة ولا في مفاوضات، وأكبر الانجازات حققناها في الشعارات والمزايدات ونشر المزيد من حالة فقدان الثقة والإحباط واليأس في صفوف الجماهير،فالحالة الوطنية والإسلامية تتراجع وتخلي مكانها للقبلية والجهوية والعشائرية والمجتمع يزداد تشظيا وتفككاً وسلطة المليشيات على مختلف مسمياتها تتقدم وتعزز من سلطاتها ودورها وحضورها على حساب المبنى والمؤسسات الوطنية.
 
حالة فلسطينية غير مسبوقة، الحقوق والثوابت الوطنية تضيع على مذبح الفئوية والأجندات الخاصة والمصالح والتشبث بسلطة وهمية مجردة ومنزوعة السيادة، أو كما قال عباس نفسه، سلطة غير موجودة، وحالة الانقسام تتعمق وتتكرس،رغم كل الضجيج والصخب الإعلامي عن المصالحة وإنهاء الانقسام، وكما يقول المثل الشعب "نسمع طحناً ولا نرى طحيناً"،ومفاوضات بغض النظر لماذا عدنا اليها،بل على الطرف الذي عاد اليها الإعتراف بالخطا وبعدم جدوى هذه المفاوضات وإجراء مراجعة جادة وعميقة لهذا المسار العبثي والمدمر.
 
أما الحالة العربية فتبدو على نحو أسوأ بكثير من الحالة الفلسطينية، وهي خارج إطار التوصيفات فهي أكثر من الذل والاستجداء وأبعد من الانهيار والانحطاط، فلربما هي مرحلة ما بعد الانحطاط، حيث لم يعرف العرب مثل هذه الحالة من الذل والهوان منذ هزيمة عام 1967، دول عربية لا تكتفي بالتحلل من التزاماتها القومية والوطنية، بل تنسج علاقات وتحالفات واتفاقيات أمنية مع أعداء الأمة، تجاهر وتفاخر بذلك علناً وجهراً، وتدعو الى طلاق خيار المقاومة، بل وتشن حرباً شعواء على كل من يقول بهذا الخيار أو ينادي به.
 
إن هذه اللوحة والصورة التي يبدو عليها المشهدان العربي والفلسطيني، تؤشر وتدلل على عمق أزماتنا والتي تأخذ في التعمق والتسييد، كما إن الجغرافيا العربية لا يجري استباحتها فقط، بل يجري فكفكتها وتجزئتها وتقسيمها وتذريرها، ومن ثم إعادة تركيبها خدمة لمصالح وأهداف أعداء الأمة، وما نشهده في العراق وليبيا والسودان والصومال واليمن ومحاولات في سوريا ومصر وغيرها يندرج في هذا الإطار والسياق.
 وعلى صعيدنا الفلسطيني، من اندلاع الانتفاضة الثانية وحتى اللحظة الراهنة تشهد الحالة الفلسطينية حالة من التراجع والضعف، لم يمر بها الشعب الفلسطيني في أي من مراحله ومحطاته، ولعل العامل والمتغير الأساس هنا،هو ما تشهده الساحة الفلسطينية من انقسام وانفصال وازدواجية سلطة، وما ترتب على ذلك من ازدواجية مرجعيات وعناوين وبرامج ورؤى واستراتيجيات، والتي بدون حل حسم وحل تلك التعارضات والازدواجية ستشهد الحالة الفلسطينية مزيداً من الانهيار والضعف الداخلي، مع علامات استفهام كبيرة حول مشروعنا الوطني وحقوقنا وثوابتنا.

القدس- فلسطين
7/12/2013
0524533879