الإحتلال في إطار الحرب التي يشنها على المقدسيين،ومحاولة تجنيد الشباب الفلسطيني للعمل في مؤسسات تخدم رؤيته واستراتيجيته،وبما يعمل على إحتلال وعي شبابنا وشابتنا وتشويهه،وزعزعة ثقتهم بحقوقهم وثوابتهم ومشروعهم الوطني،وكذلك إستخدامهم كجسر للتطبيع مع الإحتلال،بادر لخطوة أخرى على هذا الصعيد،وهي ما يسمى بالخدمة الوطنية للمقدسيين،والتي حاول إستدخالها على شعبنا واهلنا في الداخل الفلسطيني،تحت مسمى الخدمة المدنية،والتي عبرت جماهير شعبنا هناك عن رفضها لها بكل أشكالها ومسمياتها،وأيضاً سعى لخلق فتنة طائفية بين ابناء شعبنا،من خلال محاولة تجنيد الشباب العرب المسيحيين للخدمة في الجيش الإسرائيلي،عبر بوابة احد المطارنه الخارجين عن إطار الكنيسة والتي دعت إلى مقاطعته وفرض الحرمان الكنسي عليه.
ونقل التجربة الى مدينة القدس تحت مسمى الخدمة الوطنية،ليس عمل إرتجالي او عفوي،بل هذا الجهد والعمل مخطط ومنظم من قمة الهرمين السياسي والأمني الإسرائيليين، وهو يندرج ويدخل في سياق وإطار خطوات وممارسات أسرلة المدينة وتهويدها.
والعملية هنا تتم من خلال بعض الأدوات الماجورة والتي تستقدم أو تأتي الى المدينة بهدف التكسب والإرتزاق،وتقوم بفتح مؤسسات او كليات أو معاهد ودورات لها علاقة بما يسمى المنهاج الإسرائيلي و"البجروت" او تدريس اللغة العبرية،او تدريس تخصصات ليست متوفرة في الجانب الفلسطيني،وفي العادة يجري إستهداف الطلبة الذين حصلوا على معدلات متدينة في إمتحان الثانوية العامة الفلسطينية،ولم يجري قبولهم في الجامعات الفلسطينية،أو الذين يريدون دراسة مهنة تؤمن لهم مستقبل وحياة كريمة،وهذا غير متوفر فلسطينياً،وهنا يجري تصيد الطلبة وإستغلالهم بطريقة بشعة،حيث يطلب من الطالب توقيع شيكات بكامل القسط،ولا تعاد له في حالة إنسحابه،وبعد موافقة الطالب على ذلك،يبدأ مسلسل "الحلب" من جديد،ثمن كتب لأنها غير مشموله بالقسط،وعمل إمتحان مستوى لغة عبرية غير مشمول بالقسط ويحتاج لدورة مدفوعة الأجر وهكذا دواليك،ناهيك عن ذلك عندما يستمكل الطالب كل ذلك ويدخل التخصص المطلوب،يجد بان هناك فقر في الأدوات والمعدات التي سيتدرب عليها،وكذلك عدم وجود كفاءات قادرة على تدريس تلك المواد،وان الكلية او المعهد غير معترف به ومن وزارة العمل او الصحة الإسرائيلية ،ولا تقف المسألة عند هذا الحد حيث يقوم القائمين على تلك المؤسسة في إطار"إنسانيتهم"، وسعيهم ل"خدمة الطلبة" بتقديم عروض لخدمتهم بتامين جزء من إحتياجاتهم المادية وأقساطهم عبر ترشيح او تنسيب عدد منهم للعمل في مؤسسات اسرائيلية بمبلغ لا يزيد عن الف شيكل شهري،وهذه المؤسسات ليست شركات او مؤسسات إسرائيلية عامة،بل مؤسسات مرتبطة ولها علاقة بالدوائر الرسمية الإسرائيلية،بحيث يجري تطويع العقل الفلسطيني وكي وعيه،لجهة خلق وعي وقناعات جديدة لديه،تستهدف حقوقه وثوابته الوطنية وتاريخه وتراثه وهويته،تماماً كما يجري الآن في قضية تطبيق المنهاج الإسرائيلي على عدد من المدارس الحكومة العربية في القدس،حيث الطالب مطالب بالدراسة عن ان القدس ليست مدينة محتلة،بل هي عاصمة دولة "اسرائيل" وأن المسجد الأقصى هو ما يسمى بجبل الهيكل،وجبال الضفة الغربية،هي جبال يهودا والسامرة،وان الشخصيات التي إرتكبت المجازر والطرد والتشريد بحق شعبنا الفلسطيني من بن غوريون الى بيغن وشارون وغيرهم ،هي من بنت وطورت الدولة وساوت بين مواطنيها ..الخ.ونحن لا نتجنى عندما نقول،بان القضية هنا قد تاخذ ابعاداً امنية لإختراق مجتمعنا الفلسطيني.
في ظل ذلك،علينا أن نبتعد فقط عن التشخيص والتحليل وإصدار بيانات الشجب والرفض،وعدم المتابعة بعد ذلك،ليستمر المشروع ويحقق اهدافه،ونحن نذهب للتهلي والمناكفة حول قضية اخرى يفرضها علينا الإحتلال،بل بات من الملح والضروري ان يكون هناك رؤيا وتفكير استراتيجي مقدسي،بإيجاد حلول تستجيب لرغبات وطموحات شبابنا ،وتعمل على توفير الدعم والمساندة لهم،عبر سد جزء من إحتياجاتهم المادية،وكذلك العمل على توظيف طاقات أولئك الشباب لخدمة المشروع الوطني الفلسطيني في القدس،فالمؤسسات المقدسية والقوى والأحزاب والسلطة تتحمل مسؤولية كبرى في هذا الجانب،فهي عليها التفكير بمشاريع او مبادرات شبابية تمكن هؤلاء الشباب من القيام بعمل منتج او خدماتي يساعدهم على مصاريف الحياة وخدمة المشروع الوطني الفلسطيني،وحتى المؤسسات التعليمية،في إطار ميزانيتها لدعم الطلبة،يجب ان تشترط عليهم تادية خدمة مجتمعية تطوعية براتب رمزي،كما هو الحال عند المؤسسات الإسرائيلية،فهناك الكثير من الأموال التي تهدر من قبل المؤسسات غير الحكومية في خانات واولويات لا تنسجم مع اولويات واهداف شعبنا الفلسطيني،وبالإمكان الإستفادة من الدول الأوروبية والعربية والقطاع الخاص من مستثمرين ورجال اعمال وشركات تجارية،في طرح مبادرات شبابية وبمشروع واضح ومحدد يشارك به مجموعة من الشباب،ويتم إستبدالهم بشكل دوري وبما يمكن من إفادة اكبر عدد من الشباب ومساعدتهم مادياً وإستكمال دراستهم،وخلق وعي مقاوم ومحصن لديهم،،والإفادة منهم في خدمة قضيتنا ومشروعنا الوطني،والبقاء في ارضنا والصمود في قدسنا أيضاً.
قضية على درجة عالية من الأهمية وبحاجة الى تفكير ومبادرات خلاقة وشجاعة،والى حلقة نقاش جدية يشارك فيها الشباب والفعاليات والمؤسسات المقدسية ورجال الأعمال من اجل وضع خارطة طريق ورؤيا ورسم استراتيجية شاملة،لكيفية توظيف طاقات الشباب المقدسي في خدمة المشروع الوطني المقدسي،بدل إستغلالهم وجرهم الى خانات تتعارض وتتناقض مع هويتهم وإنتمائهم وثقافتهم،وبما يخرجهم من دائرة الفعل والعمل الوطني وخدمة قضاياهم،ويدفع بهم للتجند ضد قضاياهم الوطنية.
هذه قضية كبيرة وجدية،وبحاجة الى جهد جمعي مقدسي وفلسطيني،تشترك فيه اكثر من جهة وتتعاون من اجل إنجاحه،وخصوصاً ان الفئة التي يستهدفها الإحتلال،هي الجزء الحي من مجتمعنا الفلسطيني،هم الشباب الذين سيصنعون وعي ويبنون مجتمع،فهل يبنون مجتمع مخترق وخانع ومستسلم،ام نوفر لهم الحد الأدنى من مقومات الدعم والصمود،لكي يخلقوا مجتمع مؤمن بحقوقه وثوابته وقضيته؟،فالهزيمة على هذه الجبهة هزيمة خطيرة بإمتياز سيكون لها نتائج مدمرة مجتمعياً ووطنياً.