يحيي شعبنا الفلسطيني في هذه الأيام الذكرى الـ (26) للانتفاضة الفلسطينية الأولى ، انتفاضة الحجارة ، التي فجرها أبطال المقاومة والنضال الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، بمشاركة جميع قوى وفصائل العمل الوطني والسياسي وشرائح وطبقات المجتمع الفلسطيني ، وتجلت خلالها اروع معاني الصمود والتحدي واللحمة الوطنية والاصرار على تحقيق أهداف هذه الانتفاضة بكنس الاحتلال وانجاز الحلم الفلسطيني .
ورغم الأساليب والممارسات التي اتبعتها سلطات الاحتلال في قمع الانتفاضة بأشكال مختلفة الا انها فشلت في اخماد لهيبها وكسر الارادة الفلسطينية الحرة . وما من شك ان الزخم الشعبي لهذه الانتفاضة الباسلة واستخدام الحجر والمقلاع كسلاح في مواجهة قوات الاحتلال أحرج المؤسسة الاسرائيلية ، وأرغم قادتها على التفاوض مع م.ت.ف والاعتراف بها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني .
تأتي ذكرى هذه الانتفاضة في ظروف سياسية جديدة تشهد فيها المنطقة والعالم متغيرات وتحولات وعواصف سياسية ، وفي ظل انسداد الأفق السياسي لحل المعضلة الفلسطينية ، بعد أن بات واضحاً ان الخيار الذي قام على أساس انه يمكن ان يحصل الفلسطينيون على دولة مستقلة في حدود العام 1967 وفق اتفاقات اوسلو كان وهماً ، وقاد الى الوضع الحالي الذي يعيش في كنفه شعبنا ، المتمثل بالتراجع الخطير للقضية الفلسطينية وانحسار المقاومة الشعبية ، وتفكك النظام السياسي الذي تفككت معه اوصال المجتمع الفلسطيني وانقسامه الى شطرين ، الأول في الضفة الغربية وتحكمه فتح وقادة اوسلو ، والآخر في غزة وتحكمه امارة حماس ، فضلاً عن توسع السيطرة الاحتلالية على الأرض والامعان في بناء المزيد من المستوطنات .
ان انسداد الأفق السياسي وفشل المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي نتيجة سياسة الرفض والتسويف التي يمارسها المفاوض الفلسطيني ، والمخاطر التي تتعرض لها القضية الوطنية الفلسطينية ، وفي ظل تكثيف عمليات الاستيطان الكوليونالي ونهب الأرض وتهويد القدس وتوسيع جدار الفصل العنصري ، كل ذلك يحتم على القيادة الفلسطينية اعادة النظر في المسار التفاوضي ، واستلهام دروس الانتفاضة الشعبية التي توحد فيها شعبنا بكل فصائله وقواه الوطنية والديمقراطية للخلاص من الاحتلال ، عبر تفعيل المقاومة الشعبية وتوفير مقومات الصمود في المجتمع الفلسطيني ، وضرورة انهاء التشرذم والانقسام المدمر في الساحة الفلسطينية ، والخروج من نفق المفاوضات العبثية المعتم ، واعادة ترتيب البيت الفلسطيني في اطار منظمة التحرير الفلسطيني ، على أساس برنامج وطني وسياسي موحد ، واستراتيجية فلسطينية واضحة تحقق الاهداف الوطنية التحررية التي يرنو اليها شعب فلسطين في جميع مواقعه واماكن تواجده ، وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الوطنية المستقلة ، ولنقلها بصوت عال : لا صوت يعلو على صوت الانتفاضة .