كانت وما زالت غزة تحتل مركز الصدارة في حقل المعاناة والمآسي بجدارة، ولم يقتصر هذا على حال غزة والمعاناة اليومية لأهلها كبارها وصغارها شيوخها ونسائها أو لفئة محددة، ولكن أمتد لكل الفئات عموما وخاصة الموظفين والتعسف الغير مبرر في استقطاع جزء من رواتبهم وبالتالي غياب الأمن الوظيفي ليبقي مسلسل المعاناة مستمر مع استمرار الحياة المعيشية في ظروف صعبة للغاية، حيث تزايدت معاناة أهل غزة وبشكل ملفت للنظر ولكن إلى متى ؟!
والواقع في غزة يعود بنا إلى الحياة الهادئة التي كان يعيشها الإنسان في حياة الفطرة، إلا أنه كان يسعي لحياة أفضل تتمثل في إقامة مجتمع منظم تحكمه مبادئ العدل والمساواة وعدم التمييز والكرامة للجميع للحفاظ على حقوقه والاعتراف بها وحمايتها وتوجيه جهوده لتحقيق الصالح العام دون مناكفات، حقوق يقابلها التزامات للعيش معا وسويا في هذه الحياة يتقاسمون مرها وحلوها لتحقيق التنمية والتقدم .
غزة اليوم تغرق بمياه الأمطار وبمياه الصرف الصحي في ظل الأحوال الجوية العاصفة، وتغرق أيضاً في الظلام الدامس، غزة تغرق في الانقسام والحصار، غزة تغرق بمؤسسات المجتمع المدني من أحزاب سياسية ومؤسسات المجتمع محلي، غزة تغرق .. وتغرق .. وتغرق ، وما زالت غزة تبحث عن منقذ ولم تجده حتى الآن!
وتبقي المشاهد الحية في غزة رسالة إلى أصحاب الضمائر الحية، رسالة مصورة تبثها مئات المنازل في مناطق مختلفة بقطاع غزة التي تعرضت للغرق نتيجة الأمطار الشديدة التي هطلت على محافظات القطاع خلال الأيام الماضية، والتي أدت لارتفاع منسوب المياه ودخولها لتلك المنازل وإغراقها بشكل كامل ، ويظهر غرق المنازل والسيارات في الشوارع واستخدام رجال الدفاع المدني القوارب في إنقاذ النساء والأطفال وطلاب المدارس والمارة مستوى عجز الجميع، بعدما اختبر هطول المطر غياب الاستعدادات لفصل الشتاء والإمكانيات المطلوبة من مضخات المياه وغيرها .
لا، إنها ليست مدينة أوربية، ولا مدينة أسيوية الغارقة في فيضانات أمطار العواصف والأعاصير يتسابق الجميع على مساعدتها، بل هي مدينة غزة الغارقة في ( شبر ماء ) كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني للدلالة على شخص قليل الحيلة لا يستطيع تدبر أموره حتى في أصغر الأشياء وأبسطها، إنها غزة التي تبحث عن حقوقها في العيش كباقي المدن في العالم، غزة التي تنظر لتقديم الإغاثة العاجلة لأهلها المتضررين في هذا المنخفض، وإيجاد حل عاجل لأزمة الكهرباء والوقود وغيرها من القضايا العالقة، غزة اليوم تغرق .. هل من منقذ ؟!