قدرُ الاسم قد جمعهما، وإرادةُ الله قد وحدت هدفيهما، فهذا عبد السلام ياسين، وذاك أحمد ياسين، مغربيٌ في أقصى الوطن العربي، وفلسطينيٌ في أقصى المشرق العربي، عالمان جليلان، ومربيان فاضلان، وأستاذان قديران، ومؤسسان عظيمان.
الشيخ عبد السلام القدير تجربةً، والعظيم علماً، والواضح سلوكاً ومنهجاً، بدأ دعوته في المغرب، متحدياً الظروف الصعبة، ومواجهاً الإرادات القوية، والسلطات الحاكمة.
وأحمد ياسين بدأ في غزة، وهي تحت الإحتلال، تعاني من قيد السجان، وأغلال الاعتقال، وممارسات الكيان الصهيوني القاسية، ولكنه تجلد وتحمل، وصبر وتأنى، حتى كانت النتيجة التي كان إليها يتطلع.
كلاهما أسس تنظيماً قوياً، وأرسى قواعد عملٍ أصيل، فكانت للأول جماعة العدل والإحسان، الصوفية الحركية، والسياسية التعبدية، وكانت للثاني حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، كلتاهما، الجماعة والحركة، أصبحتا ملء سمع الدنيا وبصرها، قد ذاعا شهرةً، وامتدا نجاحاً، وتغلغلا عملاً وابداعاً.
ولعل اليوم يصادف الذكرى السادسة والعشرين لانطلاق حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، التي أطلق شرارتها من قطاع غزة، إلى فلسطين كلها، وإلى الأمة العربية والإسلامية، سماحة الشيخ الشهيد أحمد ياسين، وها هي حركته من بعده أقوى مما يتوقع، وأكثر اتساعاً مما ظن وتخيل، وأعمق امتداداً وأثبت وأكثر رسوخاً من قدرة العدو على استئصالها والنيل منها.
ولعلني لا أبالغ كثيرا،ً ولا أذيع سراً خطيراً، إذا قلت أن لجماعة العدل والإحسان دورٌ كبيرٌ في هذه الحركة، ومساهمةٌ عظيمةٌ في انطلاقها واستمرارها، إذ ما تأخرت يوماً هذه الجماعة وأبناؤها عن دعم حركة حماس واسنادها، فقد أعطت من حر مالها، وقدمت دعماً لها الكثير مما تملك، ولم تبخل عليها بجهدٍ ولا بنصحٍ ومال، فنظمت المسيرات تضامناً معها، ونصرةً لقضاياها، وعقدت المهرجانات والاحتفالات إحياءً لمناسباتها، ووفاءً لشهدائها، وسيرت القوافل نصرةً لغزة، وتضامناً مع أهلها، ومساهمةً في رفع الحصار عنها، ما جعل جماعة العدل والإحسان، امتداداً لحركة حماس، ومواصلةً لدورها الجهادي، وهو الذي جعل من حماس امتداداً لعمق المغرب، وتواصلاً معه.
كلاهما مجددٌ في بلاده، وباعثُ دعوة الإسلام من جديدٍ في أوطانه، قد أحسنا الدعوة، وتميزا في نقل الفكرة، وجاهدا في الدعوة إلى الله، وتحملا الصعاب والشدائد، وتحديا الخطوب والمحن، ولكن إيمانهما بالله كان غالباً، ويقينهما بدعوتهما كانت عظيمة، فقدر الله لهما النجاح في مهمتهما، والفلاح في مسعاهما، وما أصابهما القنوط، ولا حل بهما السأم، ولا سيطر عليهما التعب، ولا هيمن عليهما اليأس.
بل انطلقا بهمةٍ وحيوية، يعملان في كل الأوساط، ووسط جميع الصفوف، فكان لهما عظيم الدور بين الأساتذة المربين، والمتعلمين من الأطباء والمهندسين والمحامين وغيرهم من حملة الشهادات، ولم ينسيا العمال ولا الفلاحين، ولم يهملا الطلاب ولا التلاميذ، بل انتشرا بين جميع الطبقات، ونشطا في كل الاتجاهات، حتى قدر الله لهما النجاح الذي نحتفي به اليوم، وتتغنى به أجيالنا غداً.
قد آمنا بالإسلام ديناً وعقيدة، ومنهجاً وطريقاً، وقائداً وموجهاً، وأحسنا الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالحسنى والموعظة الحسنة، ولم يفرطا في شئٍ من دينهما، ولم يساوما على حقيقةٍ من إسلامهما، ولم يضيعا حقاً، ولم يسقطا فرضاً، ولم يهملا من الإسلام ركناً صغيراً أو كبيراً.
وكانا على يقينٍ بالنصر، وتسليمٍ مطلقٍ بقدر الله لهما ولدعوتهما بالتمكين، فهما يسيران على هدي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، يقتدون به، ويتأسون بسيرته، والذي نصر نبيه، هو ناصرهم وحافظهم، وهو الذي يرعاهم ويكلأوهم، وهذه كانت لديهما عقيدةً وإيماناً، لم تزعزعها الخطوب، ولم تضعفها المحن والابتلاءات.
وقد آمن الشيخان بأن الخير في أمتهما، وأن المستقبل لدينهما، وأن وعد الله سيتحقق، ونوره الذي بدأ سيتواصل، ورسالته التي حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم ستعم العالم، وستنتشر بين الخلق، فلم يشكا في إيمان الأمة وخيريتها، ولا في أفضليتها ولا وسطيتها، فهي التي نص عليها الله سبحانه وتعالى في كتابه.
عملا للأمة ومعها، من أجل الأهداف المرجوة، والغايات المأمولة للعرب والمسلمين معاً، ووظفا قدرات الأمة كلها، واستفادا من أبنائها، وسخرا كلَ من يستطيع أن يقدم ويساهم، فلم يعزلا أحداً، ولم يستثنيا طاقة، ولم يستبعدا جهداً، ولم يقاطعا مجتهداً، بل استفادا من كل المقدرات، واستوعبا كل الألوان والطاقات والكفاءات، ليكون للجميع دورٌ في اسنتهاض الأمة، وتحقيق أهدافها التي تتطلع لها.
آمن الرجلان بأن الأمانة الملقاة على عاتقهما كبيرة، والمهمة التي يسعيان إلى تحقيقها شاقة، فالمغرب بحاجةٍ إلى جيلٍ جديد، يتجاوز الإرث القديم، ويتخلص من المعوقات الموروثة، ويكون قادراً على القيام بالمهام الموكولة إليه، وهذه المهمة ليست سهلة، فهي تتعلق بالنفوس والقلوب، وتتعامل مع الأمزجة والأهواء، والطبائع والتقاليد والعادات، وقد أثر الاستعمار في الناس، وترك آثاره عليهم، سلوكاً وفهماً واعتقاداً، الأمر الذي جعل المهمة صعبة، والتحدي كبير.
وكذا الشيخ أحمد ياسين الذي أدرك أن مهمته في فلسطين أصعب مما يتوقع، وأخطر مما يعتقد، فهو يواجه احتلالاً صهيونياً غاصباً خبيثاً وماكراً، قد تغلغل وسط الصفوف، وأثر في الناس، وربط بعضهم، وتعامل مع آخرين، وتعاقد على تغيير سلوك الشعب، وحرفه عن مساره ومعتقداته.
ولكن الشيخ أحمد ياسين الذي تسلح بالإيمان، وتزنر بالإسلام، كان أقوى من خبثهم، وأصلب من مكرهم، فمكنه الله عليه، وأنبت غرسه، وقوى عوده، ومد فروع حركته في أرجاء الأمة.
قد وفقهما الله في الدعوة والحركة، فنجحا معاً، وتجاوزا الصعاب وكأنهما معاً، وأخرجا للأمة أجيالاً ربانية، نورانية بالحق الذي تحمل، ومحمدية بالإسلام الذي تؤمن، فكانت أحيالٌ مختلفة، لا تعرف الخوف ولا الجزع، ولا تؤمن بالمستحيل، ولا تقف عند الصعاب، بل تؤمن بالوعد الإلهي وتعتقد به، وتعمل لأجله وبمقتضاه.
يتبع ...
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected] الرباط في 17/12/2013