لست من دعاة التقليل من مبادئ وقيم وشيم وكرامة الفلسطيني بقدر ما أريد أن أوصل رسالة الى أصحاب وصناع القرار في المجتمع من حكومات وأحزاب وحركات، ومؤسسات مجتمع مدني . ما شهدته الأراضى الفلسطينية خاصة قطاع غزة من ظروف مناخية طبيعية خارجة عن إرادة الانسان، تجعلنا نقف عند محطة تقييم للمرحلة السابقة ونقف عند كل صغيرة وكبيرة ، ونسأل أنفسنا سؤالاً قد يحرجنا ولكن علينا أن نستوعبه، ماذا قدمنا لأبناء وطننا ، ما هي انجازاتنا سياسياً واقتصاديا ، واجتماعياً.
يا صناع وأصحاب القرار ،، أيها الشرفاء من أبناء هذا الوطن.
نحن لسنا فقراء وضعفاء بسبب نقص الموارد والامكانيات او بسبب الطبيعة القاسية معنا، نحن فقراء وضعفاء بسبب عيب فينا، في فكرنا ، وسلوكنا وقيمنا، وبسبب عجزنا عن التأقلم مع تعلم المبادئ الأساسية التي أدت الى تطور المجتمعات. أى مجتمع يريد الإستقرار عليه ألا يُخل بالميزان الإجتماعي ، ويجب الحذر من إستخدام الدين أو القانون أو التلاعب بهما في محاولة للهيمنة على مقدرات الشعوب، ويجب على العقلاء العمل على إرساء القيم الاجتماعية السليمة. إن سنة التقدم والتغيير مرهونة بتغيير ما في النفوس، وعليه فتغيير منهجيات التفكير مطلوبة ، فصناعة الإنسان الفلسطيني المبدع ضرورة ملحة لأي تقدم ، وعلينا أن نتذكر دائما أن قسوة الطبيعة أهون علينا نحن الفلسطينيين من قسوة الاستبداد والظلم والعبودية .
إن المتابع والمتأمل لأحوال المجتمع الفلسطيني في الفترة الأخيرة يمكنه أن يلاحظ حالة عامة من التبلد ، واللامبالاة ، والتسيب والإهمال ، سواء لدى عامة الناس أو حتى المسؤولين عن هذا البلد ، والنتيجة هي موجات متتالية ومتزايدة من الأزمات والمشكلات التي تعتصر المجتمع الفلسطيني ، وخاصة الغزي ، وتهدد كيانه وتماسكه ، كيف وصلنا إلى هذا الحال ، وكيف يمكننا تغيير هذا الواقع المؤلم ؟؟ رغم تعدد القيم السلبية التي يشهدها قطاع غزة والتى تجسدت في مظاهر سلوكية انحرافية عديدة منها الخيانة والفساد والرشوة والمحسوبية والاختلاس وممارسة الفواحش وظلم الناس ...الخ .
إلا أن أخطر من ذلك كله فى نظري هو انتشار ما نسميه بقيم الاستهانة بالمواطن الفلسطيني ، والتى تصل إلى حد إمكانية تسميتها بثقافة الاستهانة والتى تعتبر أخطر معوقات تطور وتنمية الإنسان الفلسطيني ، فالاستهانة بشكل عام ضد الحرص ، وهى مرتبطة بعدم تقدير قيمة الشئ ، بدءاً من قيمة الحياة والسلامة الشخصية والكرامة . فالملاحظ أن هناك استهانة بكل شئ تقريباً ، وأخطر مظاهرها الاستهانة بحياة الناس والمواطن ، وسلامته وأمنه وكرامته ، بل وآدميته، فما بين شوارع لا تصلح للسير ، وطرق غير آمنة ، وكهرباء غير دائمة ، ومياه غير صالحة ( إن وجدت ) وأغذية فاسدة ، ومستشفيات ومدارس متآكلة ، وبطالة مستشريه ونسب طلاق وعنوسة مرتفعة ..الخ فثقافة الاستهانة منظومة عامة من القيم السلبية التى توجه سلوكيات الناس على اختلاف مواقعهم الطبقية والحزبية ، وعلى اختلاف مواقعهم من السلطة حكاما ومحكومين ذكوراًُ وإناثاً ، فهى قيم مهدرة للثروة ومهددة لحياة البشر وسلامتهم ، ووفق كل ذلك معوقة لصمود شعبنا فى مواجهة العدو الأكبر . إذا من المسؤول عن سيادة هذه القيم السلبية فى ظل تخلى المسؤولين عن مسؤولياتهم تجاه شعبهم ومجتمعهم.!!! وكيف يمكن لنا أن نؤسس قيم الحرص بدل الاستهانة ؟؟؟ إذا تتأسست قيم الحرص من خلال الوحدة والتلاحم والمحبة والتعاضد ، وتحرير المواطن من الخوف والجوع والفقر والقمع والظلم ، وإنهاء التشرذم والانقسام، والعودة إلى أحضان الشعب وتحقيق العدالة الاجتماعية وجعل الإنسان الفلسطيني وأرضه بؤرة الاهتمام بهذا تتحقق إنسانية الإنسان الفلسطيني .