لماذا يكرهون إسرائيل؟

بقلم: غازي السعدي

وصمة العار تلاحق قادة الكيان الإسرائيلي، جراء العلاقة التاريخية الإستراتيجية العنصرية التي جمعت بين النظامين الإسرائيلي وجنوب إفريقيا في عهد حكومة "الإبرتهايد"، الأمر الذي حال دون اشتراك قادة هذا الكيان، في تشييع جنازة الزعيم الأسطوري "نيلسون مانديلا"، فرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الذي لم يحظ بالاجتماع مع المئات من زعماء العالم في التشييع، تذرع بأن مصاريف السفر والحراسة لحمايته ستكون باهظة، أما رئيس الدولة "شمعون بيرس" -فتحجج كما جاء في بيان مكتبه- بأنه أصيب بوعكة صحية، غير أن الحقيقة حول إحجامهما عن المشاركة تعود لغضب الجنوب إفريقيين على سياسة إسرائيل وارتباطها بـ "الابرتهايد"، واستمرار هذه السياسة وتطبيقها في الأراضي الفلسطينية على الشعب الفلسطيني، فغضب الإفريقيين- الذين كانوا يعدون المظاهرات ضد إسرائيل- هي التي منعت قادتها من المشاركة في الجنازة، فهذا الغياب عن هذا التشييع المهيب يبعد إسرائيل عن خارطة العالم، مما يلحق بها أضراراً سياسية ومعنوية كبيرة.

لقد بدأت العلاقات الحميمة بين إسرائيل وحكومة "الإبرتهايد" في جنوب إفريقيا، منذ سبعينات القرن الماضي حتى أنها كانت الدولة الوحيدة التي لم تشارك في العقوبات عام 1986، التي فرضها المجتمع الدولي على جنوب إفريقيا، وهذا يعتبر وصمة عار في جبين الدولة العبرية، ففي عام 1991 وقعت إسرائيل على مذكرة تفاهم مع جنوب إفريقيا، أهم ما جاء فيها: توسيع التفاهم والتعاون بين البلدين في جميع المجالات، الأمنية والاقتصادية والصناعية والثقافية والسياحية والزراعية والاستثمارات المتبادلة على أعلى المستويات، إضافة إلى التعاون العلمي والتكنولوجي، والمناجم، وتبادل العلماء والمهندسين، وإقامة مصانع مشتركة، وإجراء الأبحاث المشتركة، هذه الوثيقة التي اشتملت على (11) بندا رئيسيا، و(24) بنداً فرعياً، أما الاتفاقيات الأمنية والعسكرية، فلم تشملها هذه الوثيقة، وبقيت سرية إلى أن انتهى حكم "الأبرتهايد".

لقد كانت إسرائيل الدولة الوحيدة بين دول العالم المتعاونة مع دولة "الأبرتهايد"، التي تاجرت وأيدت ودربت وباعت واشترت وبنت وأجرت تجارب عسكرية نووية، كشفت عنها وسائل الإعلام العالمية، وبررت إسرائيل هذا التعاون وهذه التجارب بالدفاع عن نفسها، بتسويغات مختلفة، ونقلت جريدة "يديعوت احرونوت 4-6-2011"، عن صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن إسرائيل نقلت في رحلة طيران من تل-أبيب إلى جنوب إفريقيا في سبعينات القرن الماضي، صاعق قنبلة نووية من مادة "ترتيوريوم" الفيزيائية المشعة المطلوبة لتفعيل أنواع محددة من القنابل النووية، فكيلو غرام واحد من هذه المادة من شأنه أن يساعد في تشغيل (12) قنبلة نووية، فهذه الإجراءات كانت جزءاً من سعي جنوب إفريقيا لتطوير قدراتها النووية، وقد كشفت وثائق سرية ثبوت امتلاك إسرائيل رؤوساً حربية نووية، حاولت بيعها أو باعتها لجنوب إفريقيا عام 1975، ونقلت جريدة "هآرتس 31-7-2009 " عن مصادر أجنبية قولها أن التجربة النووية التي جرت في المحيط الهندي قبل (30) عاماً، كانت تجربة مشتركة بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، وفقاً لوسائل إعلام أجنبية.

بدأ التعاون النووي بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، إثر لقاء سري عام1974 جمع علماء نوويين من كلا الجانبين، ضم رئيس حكومة إفريقيا، ووزير دفاعه، وبمشاركة "شمعون بيرس" الذي كان وزير الدفاع الإسرائيلي، حيث تم التوقيع على اتفاق سري للدفاع المشترك، وهذا الاتفاق أثمر عن إنتاج (7) قنابل نووية، وهذه القنابل-حسب المصادر الخارجية- نقلت لإسرائيل بعدما تخلت بريتوريا عن برنامجها النووي، فالوثائق التي نشرتها جريدة "هآرتس 11-12-2013"- التي أفرجت عنها سلطات بريتوريا من الأرشيف ما بعد انهيار نظام الفصل العنصري، ووضعتها بين أيدي الباحثين والدارسين-تسلط الأضواء على جوانب مختلفة من العلاقات بين إسرائيل ونظام الأبرتهايد، ومن هذه الوثائق الشراكة الإسرائيلية في برنامج جنوب إفريقيا النووي، كذلك برامج تتعلق بتطوير صواريخ "أرض-أرض متوسطة المدى عرفت "باريحا" والتي يلقبها جنوب إفريقيا بـ"شيله"، إلى ذلك بيع إسرائيل دبابات "ميركافا" لجنوب إفريقيا، كما مولت جنوب إفريقيا صناعة وإطلاق القمر الصناعي الإسرائيلي من نوع "أوفيك" للتجسس، ولولا هذا التمويل لجمدت صناعة هذا القمر، وجنوب إفريقيا زودت إسرائيل بالمال والسلاح والمتطوعين في عدوان عام 1967، "جريدة دافار 20-4-1984"، وإسرائيل تولت تحصين جنوب إفريقيا عام 1980 بالأسلحة الجوية والبرية والبحرية والتكنولوجية حين كانت تعاني من العزلة الدولية، وفي عام 1979 رصد قمر صناعي أميركي التجربة النووية المشتركة بين إسرائيل وجنوب إفريقيا في المحيط، وعانت إسرائيل بعد حرب تشرين المصرية عام 1973 أزمة مالية خانقة أخرجتها جنوب إفريقيا من هذه الأزمة بشرائها ألف دبابة من نوع "ميركافا" الإسرائيلية، بسعر (810) آلاف دولار للدبابة الواحدة، فقد كان نظام "الأبرتهايد" في جنوب إفريقيا، الزبون الأكبر والأهم الذي أنقذ الصناعات العسكرية الإسرائيلية من الانهيار، بتمويله المالي السخي لهذه الصناعات، إذ أن إسرائيل التي لم يكن لديها قيود بتزويد جنوب إفريقيا بالسلاح، بعد أن فرضت القوى العظمى العقوبات عليها، ومنعت عنها استيراد السلاح، فإسرائيل سدت هذا الفراغ بتزويدها بجميع ما تحتاج إليه من سلاح، وأقامت شركة للتكنولوجيا المتطورة معها، وباعت لجنوب إفريقيا (60) طائرة من نوع "كفير"، بعد أن خرجت من خدمة سلاح الجو الإسرائيلي، بقيمة (1.7) مليار دولار، وهو مبلغ غير مسبوق في المبيعات العسكرية الإسرائيلية، وطورت الشراكة بين الجانبين مدفعاً لإطلاق قذائف تحمل رؤوساً نووية لصالح الطرفين.

الصحفي البريطاني "جيمس أدامز"، ألف كتاباً حول العلاقات المشبوهة بين إسرائيل وجنوب إفريقيا، أطلق عليه اسم "الحلف غير الطبيعي"، واحتوى على كافة العلاقات الأمنية والسرية بين الجانبين، نشرته عام 1984 جريدة "دافار" الإسرائيلية على حلقات، وكان صحفيون إسرائيليون يترددون على جنوب إفريقيا في عهد "الأبرتهايد"، ضيوفاً على حكومة الفصل العنصري، التي كانت تغمرهم بكل نعمة، أمطروها بمقالات المديح والتقدير، دون أن يروا في ذلك أي سوء، كما قام رئيس حكومة النظام العنصري، وعدد من وزرائه بزيارة لإسرائيل، حظوا باستقبال ما كانوا ليحظوا به في أي دولة أخرى.

وخلاصة القول، فإن هناك الكثير من التشابه بين الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين، ونظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، إذ أصبحت جنوب إفريقيا مركزاً للعداء لإسرائيل والدعوة لمقاطعتها، ونزع الشرعية عنها، فـ "شمعون بيرس" كان أحد رموز هندسة العلاقات بين إسرائيل ونظام التمييز العنصري السابق في جنوب إفريقيا، والذي كان "مانديلا" في طليعة المناضلين ضده، وهذا من أسباب عدم حب شعب جنوب إفريقيا لإسرائيل، واعتبارها دولة غير مرغوب بها، حتى أن طلاب جنوب إفريقيا يقاطعون إسرائيل، كما قطعت جامعة "جوهانسبرغ" علاقاتها مع جامعة "بن غوريون"، وكانت جنوب إفريقيا في طليعة دول العالم التي قاطعت منتجات المستوطنات، فقد تدهورت العلاقات بين إسرائيل وجنوب إفريقيا على خلفية امتعاض الأخيرة من ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، خاصة في أعقاب بناء جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية عام 2004، فمن الواضح أن التمييز العنصري، والعدوان، واستعباد الشعوب، هو القاسم المشترك بين الدولتين، ولرئيس الوزراء السابق "أرئيل شارون" مقولة إسرائيلية مميزة:" يجب تقديم السلاح إلى اختنا في حلف المنبوذات، لأجل وقف المد الشيوعي"، فهو يعترف بأن إسرائيل بين هؤلاء المنبوذات، ويبقى السؤال: هل ستطلب إسرائيل العفو والغفران من "نيلسون مانديلا"، ومن شعب جنوب إفريقيا على التعاون المخزي، وصفقات السلاح في حربهم ضد السود؟ وهل سيأتي يوم لتعتذر إسرائيل للشعب الفلسطيني على احتلالها لأراضيهم، والممارسات العنصرية وسياسة "الأبرتهايد" ضد الشعب الفلسطيني؟ وماذا بشأن مستقبل النووي الإسرائيلي؟