لم يعد أحداً يعول على زيارات كيري كثيراً ولا حتى على المفاوضات العقيمة، وما تحمله السياسة الأميركية من افكار، لا تخدم سوى الاحتلال الذي يسعى الى تحويل الاغوار والنقب لمنطقة قادرة على استيعاب مئات آلاف المستوطنين من أصقاع العالم.
ان الزحف الاستيطاني المستمر منذ سنوات قد حوّل الفلسطينيين في القدس المحتلة إلى أقلية محاصرة بكتلٍ استيطانية اضافة الى ابتلاع مساحة كبيرة من الضفة الفلسطينية، ناهيك عن جدار الفصل العنصري الذي اقتطع نحو 20% من مساحة الضفة والجبال الغربية المطلة على الساحل الفلسطيني التي تشكل بدورها نسبة عالية من الأراضي المحتلة وهذا ما يعني أن ما تبقى للفلسطينيين للتفاوض عليه لا يعدو كونه مجموعة كنتونات محاصرة بالكتل الاستيطانية وجدار الفصل العنصري والطرق الالتفافية للمستوطنات لتكون الدولة الموعودة مجرد جواز سفر لا يجد حاملوه على أرض الواقع دولة ذات امتداد كياني موحد .
ان اطار الحل الانتقالي الذي يحمله كيري هو مجرد دور وظيفي يتم اعطائه للفلسطينيين في مدن الضفة المحتلة فيما تبقى السيادة السياسية والأمنية للعدو خصوصاً وان هذا الدور يحكم ربط الاقتصاد الفلسطيني بالاقتصاد الإسرائيلي ويسقط أي "ورقة توت" عن عورة الدولة الموعودة وغير الموجودة ، وهذا مما نحذر منه .
أن الادارة الامريكية قد تبنت بالكامل الرؤية الإسرائيلية للتسوية وقاعدتها إقامة دولة فلسطينية في أراض محتلة مقابل الاعتراف بيهودية إسرائيل وتحت هذا السقف رأت واشنطن اتفاقاً لتقاسم المياه بين الكيان الصهيوني والأردن والسلطة الفلسطينية، وتحت هذا السقف أيضاً يجري تهجير ما تبقى من فلسطينيي 48 لنقلهم لاحقاً إما إلى غزة أو إلى ما تبقى من الضفة الفلسطينية وهذا ينسحب على الاقتراح الإسرائيلي بالتخلي عن بعض الكتل ذات الطابع العربي في الأراضي المحتلة عام 1948 كمدينة "أم الفحم" مقابل تخلي الفلسطينيين عن معظم الضفة الفلسطينية لتسهيل إقامة الدولة اليهودية من ناحية، وإنهاء القضية الفلسطينية وتصفية حق العودة من خلال حتى تشريد اللاجئين في اصقاع الارض .
وهنا لا بد من التأكيد بان ما يجري الهدف منه تهويد فلسطين كرأس حربة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الهادف إلى تفتيت العالم العربي وخاصة في دول الطوق، وهذا ما تؤكده نتائج ما يجري في المنطقة وتحديدا في سوريا ومصر والمخاطر المهددة للبنان نتيجة تداعيات هذه الاحداث .
أن الخارطة الأميركية للتسوية الفلسطينية هي جزء لا يتجزأ من الخارطة الكبرى في الشرق الأوسط حيث ليس للعرب ومصالحهم مكان وحيث غض الطرف عن التدخلات الإقليمية والدولية في الأزمة السورية الدموية هو العنوان الأبرز لسياسة تبادل المصالح بين واشنطن وتل أبيب من ناحية وبعض الدول الإقليمية التي تسعى أن تكون لها حصة من مائدة الرجل المريض (العرب) المصابين بداء أنظمتهم الملتحقة بواشنطن من المحيط إلى الخليج أو المنخرطين في مشاريع لا تقل خطورة على المستقبل العربي عن المشروع الأميركي للشرق الأوسط الجديد، حيث يتم استخدام بعض القوى بمفاهيمهم الدينية والتي هي خليط من أفكار الخوارج اي الفكر القمعي الظلامي المعادي للشعوب، والذي يهدف لوضع الشعوب في قمقم الجهل والتخلف واستخدام الإرهاب الذي يحصد الابرياء والذي لا أخلاقية ولا انسانية له ، واستخدام أدواته تبريراً لسياسة القوى الاستعمارية في كافة المجالات بهدف الوصول لتصفية القضية الفلسطينية.
ان محاولة ابتزاز الفلسطينيين للاعتراف بمشروعية الحل الانتقالي، ورفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية بدءًا من حدود عام 1967م وعودة اللاجئين وحق الأسرى في الحرية.