خطورة الجمع بين الثورة والثروة والسلطة في الحالة الفلسطينية

بقلم: إبراهيم أبراش

 

فيما وراء : استمرار مفاوضات بالرغم من تكرار الحديث عن فشلها ، و استمرار الحديث عن تسوية سلمية فيما السلام يتباعد يوما بعد يوما ، واستمرار الحديث عن المقاومة فيما المقاومة متوقفة أو تحولت سلاح يُرهب الشعب، والحديث عن سلطة وطنية فيما السلطة تفقد دورها الوطني وتتحول لعبء على المشروع الوطني ، واستمرار الزَعم أن غزة محَرَرَة فيما غزة محتلة ومحاصَرة وأهلها يعانون من صنوف ذل وهوان غير مسبوقة ، وأخيرا فيما وراء فشل كل جولات حوارات المصالحة من صنعاء ودكار إلى القاهرة والدوحة  ...  فيما وراء كل ذلك ابحث أو فتش عن النخبة السياسية أو جماعات المصالح .

نعم ، وصول الحالة الوطنية إلى ما هي عليه لا يعود  فقط إلى العدو الإسرائيلي المتفوق، ولا الوسيط الأمريكي غير النزيه ، ولا تخاذل العرب والمسلمين ، هذه الأسباب موجودة ولكنها ما كانت لتؤدي للواقع المزري الذي وصلت إليه قضيتنا الوطنية لولا وجود عامل داخلي يُضعف من قدرة الشعب على مواجهة هذه الأخطار الخارجية ، والعامل الداخلي هو نخب مصالح  فاشلة وفاسدة تتحكم في مصير الشعب والقضية ، نخب مصالح تجمع ما بين سلطة المال ،وسلطة خطاب الشرعية الثورية والتاريخية ،وخطاب الشرعية الجهادية والدينية،وسلطة السلطة والحكم كممارسة على الأرض.

 الجمع بين الثروة والسلطة آفة سياسية تؤدي لتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة وبالتالي لفساد السلطة السياسية،ويكون الأمر أكثر خطورة عندما تجتمع الثروة والسلطة السياسية والسلطة الدينية بيد شخص أو نخبة ،وقد عانت دول عديدة من هذا الأمر قديما وكانت سببا في انهيارها ،واليوم يتسبب الجمع بين الثروة والسلطة في أزمات خانقة لدول في الجنوب وخصوصا في الدول العربية وهي أزمات تتسبب في حالة عدم استقرار وحروب أهلية تهدد وحدة المجتمع ووجود الدولة .

إن كان الجمع بين الثروة والسلطة بالنسبة للدول المستقلة والمستقرة يؤدي لفساد السلطة وإفقار الشعب ،فإن وجود هذه الظاهرة في المجتمعات الخاضعة للاحتلال كالحالة الفلسطينية يؤدي لنتائج كارثية وخصوصا عندما تجتمع الثروة والثورة والسلطة بيد النخبة السياسية ،لأن نتائج ذلك لن يكون فقط على حساب تفقير المواطنين وفساد السلطة، بل على حساب الأرض والحقوق الوطنية . فأن تصبح النخبة السياسية ، وخصوصا نخبة السلطة (السلطتين) ذات ثروة ومصالح في ظل الاحتلال وبعضها يدخل في شراكة مع أشخاص ومؤسسات إسرائيلية ، وأن يكون استمرار عملها وضمان مكاسبها مرتهن بسلطة الاحتلال ورضاها، فإن خشية كبيرة أن تنحاز النخبة لمصالحها الذاتية على حساب الانحياز للمصلحة والثوابت الوطنية.

تحت ذريعة وجود الاحتلال وحالة الانقسام وضرورة تلبية الحاجات اليومية للمواطنين الخ ،  تتلاعب النخبة السياسية بالثوابت وبالحقوق الوطنية وبعقول الشعب ، موظفة كل الوسائل من : ترهيب وترغيب ، ابتزاز الموظفين في مسألة الراتب الذي بات وسيلة قمع لتكميم الأفواه ،وديماغوجية سياسية ، وتصريحات بهلوانية وكأنهم يخاطبون شعبا من الجهلة ، وتوظيف ممجوج لمزاعم الشرعية التاريخية أو الثورية أو الدينية الخ . كل ذلك لضمان استمرار النخبة في الحكم واستمرار مصالحها ، لا كثير فرق بين نخب الضفة الغربية ونخب قطاع غزة .

هذه النخب الطفيلية التي تتغذى من دم الشعب وعلى حساب كرامته وعلى حساب الاستعداد للمساومة  على الحقوق الوطنية وصلت لدرجة من الصلافة أو (الكلاحة) بحيث لا يؤثر فيها لا النقد البناء والنصيحة الصادقة ، ولا التجريح وانكشاف فضائحها وفسادها. ليست الخطورة في وجود شريحة مرفهة أو مستفيدة ماليا في مركز القرار لأن كل موقع

قيادي يستدعي امتيازات ولا شك  ، ولكن المشكلة عندما تتلاعب هذه النخبة بمصير الوطن وبالمشروع الوطني من خلال تقديم تسهيلات أو ظروف مساعدة لإسرائيل للاستمرار بسياستها الاستيطانية والتهويدية ، سواء من خلال الاستمرار بمفاوضات تمنح إسرائيل مزيدا من الوقت لاستيطان مزيد من الأرض ، أو من خلال تنسيق امني علني في الضفة وسري في غزة يخدم أمن إسرائيل أكثر مما يخدم أمن الوطن والمواطن الفلسطيني ، أو من خلال علاقات اقتصادية واتفاقات مع إسرائيل وجهات مانحة لا تؤمن حتى الحد الأدنى من متطلبات الحياة للمواطنين ولكنها تُعَظِم من ثروة النخبة السياسية ومن يلتف حولها من نخب مجتمع مدني ، أو من خلال رهن القضية الوطنية بمشروع إسلام سياسي خارجي وتوقيع هدنة مع العدو بمقتضاها يتم وقف المقاومة مقابل الحفاظ على الحكم والسلطة ، كما هو الحال بالنسبة لنخبة حماس في قطاع غزة  .

 في السنوات الأخيرة باتت بعض النخب السياسية ذات المصالح  تلعب دورا خطيرا في صناعة الانقسام والحفاظ عليه لمصلحة العدو الإسرائيلي وأطراف أخرى، والإجراءات التي يتم اتخاذها بشان غزة كالتلاعب برواتب الموظفين ومشكلة الكهرباء والمعابر وإشاعة البعض من هؤلاء أن غزة سبب الأزمة المالية في السلطة ولو توقفت السلطة عن تقديم المشاريع والرواتب لغزة ستتحسن شروط المعيشة في الضفة ! الخ يقف وراء كل ذلك مسئولون وقيادات في السلطة والمنظمة  ينفذون مخططا لفصل غزة عن الضفة وهو مخطط تقاطعت فيه مصالح إسرائيل وحركة حماس وواشنطن ومسئولون في السلطة والمنظمة . في المقابل فإن نخب طفيلية برزت في  قطاع غزة في سنوات الانقسام من خلال تجارة الأنفاق و أموال الدعم الخارجي غير الخاضعة للرقابة أو احتكار التجارة في بعض القطاعات التجارية والإنتاجية أو من خلال المضاربة بالأرض والتلاعب بالأراضي الحكومية.

في هذا السياق تلعب الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس دورا أساسيا في منظومة التضليل والإفساد والتلاعب بمصير الوطن ، فهؤلاء يوظفون اسم الرئيس ورمزيته موهمين إياه أنهم ملمون بكل صغيرة وكبيرة في الوطن وأنهم الأكثر إخلاصا له والمؤمنون برؤيته الثاقبة للأمور والتي لا تخطئ أبدأ، وموهمين إياه أن المنتقدين لنهج السلطة أو سياسة الرئيس حتى وإن كان نقدا بناء ينطلق من حب الرئيس والحرص على مصلحة الوطن هم أعداء للرئيس ولمشروعه السياسي، وكل من ليس مقربا ومداهنا لبطانة الزعيم هو متآمر على الزعيم والوطن الخ . هذه البطانة تجعل الزعيم يعيش في عزلة حقيقية عما يجري على الأرض ، وموهمين إياه  انه محبوب من كل الشعب وانه يحقق الانتصارات والانجازات التي تجعل الأعداء الخارجيين والخصوم السياسيين يرتعدون خوفا  !.

سلوك بطانة السوء يعزز من حضورها عند الزعيم وبالتالي يُعظم امتيازاتها ومنافعها ويضمن استمرارها في مراكز القرار ، ولكن في المقابل تسيء للرئيس وتُخفض من شعبيته واحترامه وتُظهره إمام العالم الخارجي وكأنه يحمي الفساد والفاسدين وكدكتاتور متفرد بالسلطة ولا تدعمه مؤسسات ولا تأييد شعبي ،وبالتالي لا يمكن المراهنة عليه في أي تسوية نهائية .

سواء في الضفة أو قطاع غزة فإن مفارقة تستحق التوقف عندها وهي انه في الوقت الذي تزداد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لغالبية الشعب تدهورا وتصل لقياسات غير مسبوقة فإن نخب السلطتين والحكومتين تزداد توسعا وتزداد ثراء ! كيف يمكن أن يستمر الاحتلال و يزداد فقر الشعب وبؤسه وفي الوقت نفسه تزداد نخبة السلطتين ثراء ورفاه ؟ ألا يطرح هذا تساؤلات حول الثمن الذي تدفعه النخب بالعلن أو بالسر حتى تستمر بالسلطة وحتى تستمر مصادر تمويلها وغناها ؟ . نخشى من يوم تصبح مقولة ( إن الفلسطينيين باعوا أرضهم ) وهي الأكذوبة التي روجها بعض العرب للتغطية على هزيمتهم  ومسؤوليتهم عن ضياع فلسطين في حربي 48 و 67 ، يصبح لهذه المقولة مؤشرات دالة عليها من خلال معادلة : تمويل ورواتب للعاملين في السلطة وتراكم ثروة النخب والأحزاب الحاكمة ،في مقابل وقف المقاومة واستمرار عمليات الاستيطان  ! .

ملاحظة : لا نقصد بمصطلح (النخبة) سواء في الحالة الفلسطينية أو العربية أن أفرادهم هم الأفضل أو صفوة المجتمع ،بل المقصود من بيدهم مقاليد الأمور وهؤلاء قد يكونوا أسوأ من في المجتمع وأكثرهم فسادا لان كل الشرعيات التي يدعونها – تاريخية أو ثورية أو دينية - لا أساس لها من الصحة.