الخيار البديل لمشروع كيري الاسراع في ترتيب البيت الفلسطيني

بقلم: عباس الجمعة

ان قراءة الواقع تحتم علينا عدم فرض رغباتنا، واسقاط ذواتنا على امور تتطلب وقفة ، لأن قراءة الواقع يشكل هو الخطوة الأولى نحو ما يطبخ من مشروع او خطة او حل انتقالي يمس حقوق الشعب الفلسطيني .
واصبح معروف هناك مشروع يجري الاعداد له من وزير الخارجية الامريكي كيري قبل انعقاد جنيف 2 ، وهو مثير للصدمة لان للاسف يأتي في سياق مشروع متكامل بتواطؤ عربي اميريكي استعماري بهدف التخلص من القضية الفلسطينية وتبديد حقوقه الشعب الفلسطيني ، والأكثر مرارة وهولا، في مشروع كيري تدوير الزوايا، وتفصيل ثوب أمني إسرائيلي تحت عناوين الإبقاء على وجود قوات الاحتلال في الجانب الفلسطيني من غور الأردن، انطلاقا من أن وجود هذه القوات على طول نهر الأردن "يشكل ترتيباً حيوياً للحفاظ على الأمن في المنطقة"، وهو ما يمكن اعتباره خضوعا واستسلاماً تاماً لإرادة العدو وتفريطا، بالحقوق والمصالح الفلسطينية والعربية، وربط قطاع غزة بمدينة الخليل بالضفة الغربية، بقطار سريع لا يتوقف محطته الا في مدينة الخليل فقط، هذا المشروع هدفه الحيلولة دون اقامة دولة فلسطينية متصلة بل دويلة منقوصة السيادة ومقطوعة الاوصال .
وهنا نسأل الذين يؤكدون على التمسك بالثوابت الفلسطينية هل مشروع الحل الانتقالي هو جزء من هذه الثوابت ، بينما نرى حلقات المخطط الاسرائيلي الذي يستهدف الآن أصحاب الأرض في النقب والاغوار والضفة ولن يتوقف بعد ذلك ، نحن نخشى من اكذوبة بعض العرب للتغطية على ما يجري في المنطقة لتمرير الحل .
ان الرحلات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري اصبحت واضحة وما يراهن على مشروع كيري الذي يسعى الى اعطاء الصفة الشرعية لابقاء المستوطنات وتقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية بجدار عنصري، وضم القدس عاصمة الدولة الفلسطينية إلى كيان العدو باعتبارها عاصمة أبدية له، لاسيما بإعلانها عن الدولة اليهودية النقية، و التنكر لحق العودة والتحكم بالمياه وعدم تحديد الحدود وغير ذلك لا يكون فلسطينيا.
ولا يختلف ان الدور الامريكي اصبح واضحا في فلسطين اضافة الى دوره في المنطقة، والذي يسعى الى فرض مشروع الفوضى الخلاقة بهدف افراغ القضية الفلسطينية من المحتوى والجوهر لتصبح القضية مجرد اشكال وخلاف يجب أن يحل بتفاهمات بين طرفي الصراع الفلسطيني الصهيوني، من خلال اعطاء دولة بلا حدود مقطعة الأوصال غير قابلة للحياة ينخر بها سرطان استيطاني كأمر واقع، لتمريرمشروع الشرق الأوسط الجديد هذا الواقع الذي تدفع به بعض الدول العربية للأقرار به والاعتراف به والذي بدأ يلقى لدى البعض الفلسطيني بعض التجاوب لكن بقيت مشكلة تمريره والتغلب على العراقيل ومدى استعداد الشعب الفلسطيني لتقبل ذلك، هذا الشعب الذي يمارس بحقه سياسة الترويض بنفس طويل والتأثير عليه وخنقه في عنق زجاجة ليطالب هو بالحل المطروح وإن كان حلاً مسخا ، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني في مخيمات سوريا هو ينصب في هذا الاتجاه بهدف تهجيرهم وشطب حق العودة وإحباط الشعب الفلسطيني في دول اللجوء والشتات، في ظل تحركات أميركية إسرائيلية لفرض تسوية الأمر الواقع، والذي يحدد نجاح أو فشل مشروع كيري هو صمود قوى المقاومة في وجه المخطط المعادي، وما سيتحقق في جنيف 2 اذ كان هنالك نجاح للدور الروسي الصيني للنجاة من براثن المخالب الغادرة بالمنطقة وكذلك أيضا صمود قوى حركة التحرر للشعوب العربية في وجه القوى الامبريالية التي تغذي القوى المتأسلمة وتحديداً في تونس ومصر لما لهاتين الدولتين من تأثير كبير على دول العالم العربي .
إن محاربة واستئصال ظاهرة التطبيع مسؤولية جماعية وضرورة نضالية ، وهذا يتطلب أوسع عملية اصطفاف وطني وشعبي لمقاومة رموز التطبيع بكل الوسائل السلمية والحضارية المتاحة، كونها تتناقض مع أسس النضال الوطني من أجل حقوق الشعب الفلسطيني الذي يخوض معاركه على كافة الصعد لتثبيت حقوقه الوطنية في العودة والحرية والاستقلال.
ومن هنا نرى اهمية الاسراع في ترتيب البيت الفلسطيني وابقاء القضية قضية حركة تحرر وطني مما يستدعي وقفة سياسية وطنية جامعة لمختلف القوى والفصائل من أجل مراجعة جادة لمسيرة النضال الوطني التي مضت ومن ثم صياغة استراتيجية وطنية جديدة ، وعدم الاستجابة لضغوط النظام الرسمي العربي، والانسحاب فورا من المفاوضات وإعطاء الأولوية لنقل ملف القضية الفلسطينيه لمطالبتها بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني ، و بالتأكيد نحن أمام معادلة صعبة ليست عادية تعكس واقع الاشتباك بقواه وظروفه حتى نحافظ على المشروع الوطني وحقوق شعب فلسطين التي هي الأساس ، وخاصة حق العودة الذي يتعرض لمؤامرة الشطب من خلال إحباط الشعب الفلسطيني في دول اللجوء والشتات، في ظل تحركات أميركية إسرائيلية لفرض تسوية الأمر الواقع.
ان الخيار البديل يكون في الصمود في وجه الضغوطات المختلفة ومحاولات شطب ما تبقى من حقوق وطنية، والتعامل بجدية من خلال تطبيق اتفاق المصالحة لتوحيد الموقف والاتكاء عليه، ثم الاتفاق على تفعيل المقاومة الشعبية بكل أشكالها وتوفير مقومات الحاضنة الشعبية، والتعامل مع عمق عربي قومي يتمسك بالثوابت التاريخية والمصالح العليا للشعوب العربية ولا يخضع للإملاءات الأمريكية .
ختاما لا بد من القول ان المفاوضات العبثية التي استمرت عشرين عاماً من التفاوض مع دولة الكيان الصهيوني،قد اثبتت فشلها ، وأن لا خيار آخر أمام الفلسطينيين الا الاستمرار في مسيرته الكفاحية حتى نيل الحقوق الوطنية من خلال اقتلاع المشروع الاستيطاني الاحتلالي العنصري حتى زواله نهائياً.
كاتب سياسي