الإجتماعات التحضيرية لعقد جنيف(2 ) الخاص بالمسألة السورية بدأت في باريس،حيث التقى من يدعون انفسهم ب"أصدقاء سوريا" وأتفقوا على انه لا لبقاء او وجود للنظام السوري في الفترة القادمة،او حتى الإنتقالية،او في أي حل سياسي للمسألة السورية،وفي المقابل من يرسم ويحدد ويقرر ذلك،ليس ب"أصدقاء سوريا"،بل ترسمها تفاهمات لافروف- كيري وايران والتطورات الميدانية على اكثر من ساحة لبنان،سوريا والعراق وحتى مصر.
واضح بأن هناك عمليات تفكيك وتركيب ستشمل المنطقة بكاملها عربياً الخليج العربي ومصر ولبنان وسوريا والعراق،ولافروف وكيري سيضعان الخطوط العامة لولادة نظام إقليمي جديد،ولكن هذا النظام ليس بالشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به وزير الخارجية الأمريكي السابق"كونداليزا رايس" عندما شنت اسرائيل حربها بالوكالة عن امريكا لأول مرة في تاريخ حروبها على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز/2006،فهذا النظام العالمي والشرق الوسط الأمريكي الجديد هزم على صخرة صمود ومقاومة حزب الله،وبالتالي المطروح ليس شرق اوسط جديد عنوانه الحرب على قوى المقاومة ومعسكر الممانعة ومركزه او عصاه الغليظة اسرائيل،بل نظام إقليمي جديد على الأرجح مركزه وركيزته الأساسية ايران ومعها بالدرجة الثانية سوريا والعراق وحزب الله والقوى الدائرة في فلكها،واسرائيل ستتحول من ركيزة هذا النظام الى وديعة امريكية لهذا النظام،والتموضعات داخل هذا النظام الإقليمي الجديد او خارجة رهن بالتطورات الحاصلة ميدانياً في العراق وسوريا ولبنان،فواضح بأن تركيا وقطر تحاولان التكيف مع هذه المتغيرات والتطورات،بإستدارة مواقفهما من القضية السورية والعلاقات مع النظام السوري وحلفاءه من ايرانيين وحزب الله،وتحاولان حجز مقعدين لهما فاعلين ضمن هذا النظام الاقليمي الجديد،وتجهد السعودية لكي تكون لاعباً رئيسياً في هذا النظام،ولكن واضح بأن احصنتها التي تراهن عليها في أكثر من ساحة لم تحقق النتائج المرجوة،وهي احصنه متعثرة،رغم الحجم الكبير للضخ المالي والعسكري لها،فالعشائر والصحوات في العراق فشلت في المهمة المكلفة بها في القضاء على داعش او ان تكون بديلاً لها،حيث ان الحرب الدولية على داعش والقاعدة،مكنت النظام العراقي من الإمساك بقوة في كل خيوط اللعبة،حيث التقت كل الأطراف المتصارعة في سوريا على دعم النظام العراقي ضد داعش(امريكا وايران والسعودية وروسيا وغيرها)،وأضعف هذا من فاعلية القوى السنية التي تحظى بدعم السعودية،وكذلك حلفائها في لبنان من قوى سنية والرابع عشر من آذار والغارقة في خلافاتها المذهبية والطائفية عاجزة عن شن حرب على حزب الله او القاعدة،وفي سوريا بديلها لداعش جبهة النصرة بثياب جديدة الجبهة الاسلامية خيار متعثر وحصان ليس رابح للوصول الى جنيف(2).
واضح بأن محادثات ومفاوضات لافروف وكيري حول مستقبل سوريا والمنطقة تحظى بإهتمام بالغ من قبل القيادة الإيرانية،حيث ايران لاعب رئيسي في المسألة السورية،وأي اتفاق يتجاوزها او يتجاوز مصالحها في سوريا والمنطقة لن تعترف به،ولذلك كضمان لقبول الاتفاق وتنفيذه طرحت روسيا مشاركة ايران في مؤتمر جنيف(2)،رغم اعتراض فرنسا والسعودية على ذلك بشدة،ولكن ايران لا تتطلع الى المشاركة في الجلسة الافتتاحية والعلنية وغير معينة فقط بقضية الحضور الإعلامي والقاء الكلمات،فما يهمها بالأساس هو ما يجري من جلسات على مستوى الخبراء بين الروس والأمريكان والنظام السوري،وهي أبلغت روسيا وامريكا بأن خطوطها الحمراء تتلخص بأنه لا حل بدون الأسد والشعب السوري يقرر خياراته،والأسد باق ومن حقه الترشح لفترة رئاسية قادمة،وبدون ذلك الإتفاق غير ملزم لها.
ما يهمها البحث الذي سيجري في جلسات الخبراء،والتي ستطال موضوعاتها سياسات سوريا الخارجية والدفاعية والأمنية وماهية نظامها وعلاقات سوريا،في حين تترك التفاصيل لملهاة ما يسمى بالمعارضة السورية والدول الداعمة لها.
وواضح ان امريكا تدرك بأن تنفيذ اتفاق جنيف(2) الخاص بسوريا،رهن بالاتفاق مع ايران،وايران أبلغت موسكو رسمياً بأن الالتزام بنتائج الاتفاق الأمريكي- الروسي حول سوريا،رهن بالتزام امريكا بإتفاقياتها وتعهداتها حول الملف النووي الايراني،فهذا اختبار لمدى جدية واشنطن والتزامها بالاتفاقيات،الإتفاق حول الملف النووي الإيراني.
من الوضح أنه اذا لم تحدث أية تطورات مفاجئة في هذه المرحلة،واذا ما عقد جنيف(2 ) في موعده،فإننا سنكون أمام عمليات فك وتركيب وخلق تحالفات وتوازنات جديدة في المنطقة،وسيصبح عنوان النظام الإقليمي الجديد او ما سمته وزير الخارجية الأمريكي السابق كونداليزا رايس بالشرق الوسط الجديد بدلاً من العدوان على قوى المقاومة بالحرب على القاعدة،مع تغير استراتيجي في ركائز هذا النظام،حيث لم تعد اسرائيل او تركيا او السعودية هم الركائز الاساسية لهذا النظام،بل ستكون ايران بشكل اساسي ركيزته الأولى ومعها حلفاءئها العراق وسوريا وحزب الله،ومن سيختار التموضع داخل النظام او خارجه،سيكون رهناً بالتفاعلات والتطورات الحاصلة،ولكن حتماً الخاسر الأول من هذا النظام الاقليمي الجديد هم السعودية واسرائيل وتركيا،ومصر سيتحدد موقعها ودورها الاقليمي في هذا النظام بعد استقرار اوضاعها واستكمال مهام ثورتها بعد التصويت على الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية.