فلسطينية فلسطين

بقلم: صلاح صبحية

يبدو أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد تم تعيينه مندوباً سامياً أمريكياً لفلسطين ، فلسطين التاريخية ، فهو شبه مقيم فيها ، لا يغادرها حتى يعود إليها ، وفي غدواته و روحاته يحمل في حقيبته وفي عقله هدفاً واحداً يجب تحقيقه ألا وهو ( الأمن كل الأمن للمشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين ) ، لا شيء لديه أكثر اهتماماً من الاهتمام بهذا الكائن الغريب في المنطقة العربية ، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تسلمت راية الاستعمار العالمي من فرنسا وبريطانيا كانت تدرك مدى الأهمية التي يجب أن توليها للقاعدة العسكرية الاستعمارية في قلب الوطن العربي ، وإن كانت الولايات المتحدة المساهمة الأكبر في طرح مشروع الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين منذ بداية القرن العشرين وما قبل ، فلذلك لا ضير اليوم أن تكون هي الراعية الوحيدة لهذا المشروع ، ومن هنا لا غرابة في شبه الإقامة لجون كيري في فلسطين .

ولتحقيق الهدف الأمريكي بتامين الحماية الدائمة لمشروعها الاستعماري في فلسطين ، على أن تكون هذه الحماية ذاتية من قبل المشروع نفسه ، فلا بدّ من تحصينه داخلياً بعد أن تم تحصينه خارجياً بقبوله عربياً والتعامل معه على أنه دولة تاريخية في المنطقة العربية ، والتحصين الداخلي لما يسمى بالكيان الصهيوني هو التخلص من القنبلة الفلسطينية الموقوته المغروسة في الأرض الفلسطينية التي أقيم عليها الكيان الصهيوني ، أي التخلص من نحو مليون وربع المليون فلسطيني المتشبتين بأرضهم في الساحل والجليل والمثلث والنقب ، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال نقاء الكيان الصهيوني عرقياً وقومياً ، وإن كان مجندي الكيان الصهيوني جميعهم من أصول عرقية وقومية مختلفة وحتى من أصول دينية مختلفة وخاصة ما يتعلق بالمستوطنين الروس الذين ليست لهم أصول دينية يهودية ، وللتخلص من الفلسطينيين في جسم الكيان الصهيوني يتم الإصرار الأمريكي الصهيوني على قبول منظمة التحرير الفلسطينية بيهودية هذا الكيان ، إذ لا يكفي لدى الأمريكان اعترافاً فلسطينيا سياسياً بالكيان الصهيوني ، بل يريدون اعترافاً فلسطينياً بيهودية الكيان الصهيوني بحيث لا يحق لغير اليهود حق المواطنة فيه ، مما يؤدي إلى طرد الفلسطينيين من أراضيهم التي يعيشون عليها منذ آلاف السنين ، وشطب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948، وذلك لجعل الكيان الصهيوني كياناً خالصاً ومتخلصا ممن يهددون وجوده بشكل يومي ، فيهودية الكيان الصهيوني تعني المرحلة الأخيرة من انجاز وعد بلفور بإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين .

أمام هذا الفكر العنصري الأمريكي الصهيوني والمرفوض رفضاً مطلقاً من كل الفلسطينيين ، يجب ألا يكتفي الفلسطينيون بالرفض المطلق ليهودية الكيان الصهيوني ، بل بالتعامل معه بجدية أكثر وإعطائه أهمية إستراتيجية أكبر في السياسة الفلسطينية ، فالتصريحات الفلسطينية برفض يهودية الكيان لا تكفي وحدها ، وإنما يجب مواجهة ذلك بطرح مشروع مضاد اعتماداً على أنّ طبيعة الصراع مع العدوّ الأمريكي الصهيوني هو صراع وجود وليس نزاع حدود ، والصراع في فلسطين هو أساساً صراع وجود ، صراع على ملكية أرض فلسطين بين أهل فلسطين وأصحابها الأصليين وبين من أتوا إليها محتلين مستوطنين فيها ، وذلك برفع شعار فلسطينية فلسطين وطرحه في المحافل الدولية وهذا يتطلب إعادة صياغة السياسة الفلسطينية الحالية بكل أهدافها وتفاصيلها والذي يؤدي للتخلص من الاستناد في حل القضية الفلسطينية إلى قرارات الشرعية الدولية ، هذه الشرعية الدولية التي تتبنى المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني في فلسطين ، والانتقال من مبدأ الشرعية الدولية إلى مبدأ الحق التاريخي في فلسطين .

فالشرعية الدولية لم تحقق للفلسطينيين أي انجاز يعيد إليهم حقوقهم ، بل أن الشرعية الدولية كانت وما زالت تساند الاحتلال الاستعماري الصهيوني لفلسطين ، فلم تستطع الشرعية الدولية أن تعمل على تنفيذ قرارها 194 الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948 ، والشرعية الدولية قبل ذلك أخذت من الفلسطينيين أراضيهم ومنحتها لليهود وطناً قومياً لهم معترف به ككيان سياسي عضو في المجتمع الدولي وإن كان مشروطاً القبول الصهيوني بالقرارين 181+194 ، ولكن هيهات أن يتحول هذا القبول إلى إلزام دولي بالتنفيذ ، بل أصبح فيما بعد القرارين242+338 هما مرجعية عملية السلام التي يبحث عنها المجتمع الدولي في فلسطين ، بل والأخطر أن الشرعية الدولية ساهمت مساهمة كبيرة في تسمية الصراع العربي الصهيوني بقضية الشرق الأوسط بديلاً عن التسمية الحقيقية لهذه القضية وهي القضية الفلسطينية وذلك ليس تمهيداً وإنما إقراراً أممياً بأن الكيان الصهيوني جزء من منطقة الشرق الأوسط ويجب القبول به على أنه كذلك .

حتى القرارات التي سعت إليها منظمة التحرير الفلسطينية لنيلها من الأمم المتحدة وفي إطار الشرعية الدولية مثل القرار الذي اتخذ في 29/11/2012 بقبول دولة فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة لم يتم العمل بها وأن تصبح واقعاً مُعاشاً على الأرض ، وذلك إما بضعف فلسطيني غير قادر على الاستفادة من قرارات الشرعية الدولية وإما وهذا هو الواقع بأن مركز قرار الشرعية الدولية لا يعمل على تطبيق القرارات التي تخدم الجانب الفلسطيني ، على حين نرى أن الاحتلال الصهيوني وبمشاركة أمريكية يُحدث أمراً واقعاً كل يوم على الأرض الفلسطينية وخاصة فيما يتعلق بالاستيطان وبهدم بيوت الفلسطينيين سواء في القدس أو الضفة الفلسطينية أو في عكا وحيفا ويافا والنقب ومازال قانون برافر يتفاعل على أرض النقب والذي تم تجميده لا إلغائه ، فالاحتلال يعمل ليل نهار على تهويد الأرض الفلسطينية دون مواجهة حقيقية من الشرعية الدولية .

أمام كل ما يجري على الأرض وما يجري على طاولة المفاوضات والضغوط الممارسة على الفلسطينيين للقبول بما يريده الأمريكان قبل الصهاينة لابدّ للفلسطينيين من العودة إلى منطلقات ثورتهم المعاصرة والتمسك المطلق بكافة حقوقهم على كامل أرضهم التاريخية ، وإسقاط كل برامج التسوية للقضية الفلسطينية البعيدة عن الحق التاريخي للفلسطينيين في فلسطين التاريخية ، فحل الدولتين لم يعد مقبولاً ومفهوماً في ظل عمليات الاستيطان المتزايدة يومياً في كل أنحاء فلسطين التاريخية من عكا إلى النقب إلى القدس إلى الضفة الفلسطينية ، ولم يعد مفهوماً تجزئة القضية الفلسطينية وبحثها على طاولة المفاوضات كملفات منفصلة عن بعضها البعض ، والأخطر من ذلك جعل قضية اللاجئين واحداً من الملفات المطروحة ، بينما يشكل ملف اللاجئين جوهر الصراع العربي الصهيوني ، وملف اللاجئين هو الصورة الحقيقية على أن هذا الصراع هو صراع وجود وليس نزاع حدود ، وذلك لأنّ عناصر القضية الفلسطينية ثلاثة عناصر وتنقسم إلى قسمين ، القسم الأول محل الصراع وهو أرض فلسطين التاريخية ، والقسم الثاني طرفي الصراع وهما العدوّ الأمريكي الصهيوني من جهة والفلسطينيون والعرب من جهة ثانية ، وهذا يجعلنا كفلسطينيين أن نؤكد وبشكل يومي على فلسطينية فلسطين ، وهذا لا يعني أنّ الفلسطينيين عنصريون في طرحهم هذا الشعار ، لأنهم أصحاب الحق التاريخي في وطنهم فلسطين ، وفلسطين ليست القطاع والضفة والقدس ، وعدونا الصهيوني يقول لنا ذلك بشكل يومي ، قانون برافر في تهجير سكان النقب ، هدم البيوت في المدن التاريخية الفلسطينية وآخرها ما جرى في مدينة عكا ، فالصهاينة يمارسون التطهير العرقي في كافة أنحاء فلسطين التاريخية ، ويصرّون على طرح شعارهم اليومي بيهودية كيانهم للتخلص من الوجود الفلسطيني فوق أرضهم .

وللحفاظ على حقوقنا التاريخية في ظل وضع مأساوي يعيشه الفلسطينيون في كافة أماكن تواجدهم وخاصة في مخيمات سورية ولبنان ، وما يجري على الأرض بالقضاء على وجود المخيمات كشاهد حيّ على وجود القضية الفلسطينية ووجود اللاجئين الفلسطينيين بعيداً عن ديارهم وممتلكاتهم التي طُردوا منها عام 1948 فإنّ شعار فلسطينية فلسطين هو الذي يجب أن يكون شعاراً استراتيجياً للنضال الفلسطيني ، وهذا الشعار لا يؤدي إلى رمي اليهود في البحر ، بل يطالبهم بالعودة إلى أوطانهم الأصلية التي هاجروا منها إلى فلسطين ، وهذا ما يمكن أن يدفعوه ثمناً للمأساة التي فرضوها على الشعب الفلسطيني.