يتوهم الكيان الصهيوني، وبعض القوى الإقليمية والدولية، والبعض الفلسطيني للأسف، أنه من الممكن التوصل إلى تسوية سياسية نهائية، بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني، دون تمكين الشعب الفلسطيني ولاجئيه من ممارسة حق العودة، الذي كفلته الشرعية الدولية، والقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة للعام 1948م ...!
ولذا يعتبر الكيان الصهيوني إسقاط حق العودة شرطاً أساسياً، للوصول إلى تسوية نهائية مع الفلسطينيين، إضافة إلى جملة من الشروط غير الموضوعية يتصدرها، إقرار الفلسطينيين بصفة ((يهودية)) الكيان الصهيوني ...!
إن هذه الاشتراطات والأوهام التي تعشش في العقل السياسي الصهيوني، تحول دون إمكانية التوصل إلى أي شكل من أشكال التسوية، التي تؤدي إلى إقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وإن مقتضى هذه الإشتراطات تعني إعلان الاستسلام الكامل من الفلسطينيين لأطماع ورغبات الكيان الصهيوني، والإقرار بحقه الطبيعي والتاريخي والقانوني في أرض فلسطين التاريخية ...!
ما يغذي هذه الأوهام والأطماع الصهيونية ثلاثة عوامل رئيسية: الأول: حالة الإنقسام والضعف التي تعصف بالشعب الفلسطيني وقواه الحية، والثاني: حالة التردي التي بات عليها الوضع العربي وفقدانه التأثير في صناعة السياسة الإقليمية والدولية، وسيادة حالة الاحتراب الداخلي في العديد من الدول العربية الوازنة والتي تتصدرها جمهورية مصر العربية، وسوريا، والعراق، واليمن، وليبيا، ...!
والعامل الثالث: يكمن في اختلال ميزان القوى العسكري على الأرض لصالح الكيان الصهيوني، يضاف إليه إنحياز الولايات المتحدة والقوى الغربية، لرغباته وتطلعاته التوسعية، والاستمرار في دوره الوظيفي في تحقيق المصالح الغربية عامة.
لكن واقع الأحداث الجارية، في الساحة الفلسطينية والعربية، وما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون، يعيد لمشكلة اللاجئين مركزيتها في القضية الفلسطينية، ويؤكد أن لا حل حقيقي وموضوعي ومنصف لها إلا بتمكين اللاجئين الفلسطينيين من ((ممارسة حق العودة))، فما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون في سوريا الشقيقة اليوم، من عذاب ومهانة ومعاناة وتهجير بسبب حالة الاحتراب الدائرة فيها، وما تعرض له اللاجئون سابقاً في العراق وقبله في لبنان، وبقية مناطق اللجوء، جميع هذه الأحداث تبرز قضية اللاجئين كقضية ((عضوية، مركزية)) في صلب القضية الفلسطينية، بل أكثر من ذلك وضع اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة الذي يعج باللاجئين، حيث يمثل فيه اللاجئين نسبة (7-1) من مواطني قطاع غزة، وكذلك في الضفة الغربية حيث يمثل اللاجئون فيها نسبة (1-2)، فلا زالت معاناتهم مستمرة، وتتفاقم عاماً بعد عام دون أن يوجد لها حلاً أو نهاية، هذا ما يسقط ((وهم الحلول)) غير الإبداعية المقترحة من قبل بعض القوى الإقليمية والدولية، المتواطئة مع تطلعات الكيان الصهيوني، بإسقاط مسؤوليته أولاً عن مأساة اللاجئين، وثانياً: إسقاط حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها في العام 1948م، تحت ذرائع عنصرية توسعية يمارسها الكيان الصهيوني في حق الفلسطينيين وعلى حساب حقوقهم المشروعة في العودة والعيش الآمن في وطنهم فلسطين ...!
إن توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم أصبح ضرباً من الخيال السياسي، وكذلك البحث عن منافي دولية جديدة وبعيدة عن فلسطين أيضاً ضرباً من الخيال، يضاف إلى ذلك استحالة أن تكون العودة فقط مقتصرة إلى مناطق الدولة الفلسطينية المنشودة والمحددة بقطاع غزة والضفة الفلسطينية، العاجزتان أصلاً عن استيعاب ما تحويانه من ملايين اللاجئين، الذين استقروا فيهما منذ العام 1948م، ونحن نراقب ونرى تردي أوضاعهم المعيشية والنفسية، وما الإضرابات والمظاهرات التي شهدتها مخيمات غزة والضفة في الآونة الأخيرة إلا برهان على ذلك ...!
إن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين كانت ولا زالت تمثل ((لب القضية)) الفلسطينية، وقد حفظت الشرعية الدولية حقهم في العودة إلى ديارهم، وهو حق جماعي، وفردي مقدس، لا يمكن لأي جهة مهما حملت من صفة تمثيلية، أن تساوم على هذا الحق، وأن تقصره كما يطالب الكيان الصهيوني على الحالات الإنسانية فقط ...!!
إن مثل هذه الحقوق لا تسقط بالتقادم، ولا بتعاقب الحكومات أو الدول على إقليم فلسطين، فهي حقوق فردية خاصة، لكل فرد من أفراد اللاجئين والذين يربوا عددهم على ستة ملايين لاجئ.
إن المدخل الصحيح والموضوعي للتوصل إلى تسوية سياسية بين طرفي الصراع، تقتضي أولاً: إقرار واعتراف الكيان الصهيوني بمسؤوليته القانونية والأخلاقية والسياسية عن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وثانياً: الإلتزام بالعمل على إزالة كافة الأسباب والموانع، التي حالت لغاية الآن من تمكينهم من ممارسة ((حق العودة)) وفق القرار 194، وبالتالي لابد من الخروج من حالة الوهم، والأوهام التي يروج لها الكيان الصهيوني، بإمكانية التوصل لتسوية دون ((ممارسة حق العودة)) للاجئين، واقتصارها على الناحية الإنسانية فقط، إن جموع اللاجئين الفلسطينيين وتشكيلاتهم السياسية والاجتماعية، سوف تتصدى لا محالة لأي تسوية يكون مؤداها إسقاط حقهم في العودة إلى موطنهم الأصلي، وستحول دون التوصل إلى أي شكل من أشكال التسوية المبنية على أساس التسليم للكيان الصهيوني باشتراطاته الجهنمية...، وهم قادرون على ذلك ...!!
إن اعتراف الكيان الصهيوني، أنه يعيش في حالة من الوهم ... هو أول الطريق للخروج من هذه الأوهام ... والتوجه نحو طريق التسوية التي تحقق الأمن والسلام للجميع ...!!!
فهل يدرك ذلك الكيان الصهيوني، ومعه الولايات المتحدة التي تبذل جهوداً من أجل التسوية بين الطرفين ؟!!!