القدس لا أحد ينتصر لها،سوى أبناءها كما هو حال مخيم اليرموك،لم ينتصر له سوى الغيورين والمخلصين من أبناء شعبنا،كذلك هي القدس،تترك وحيدة للإغتصاب والإستباحة على يد قوات الإحتلال وزعرانه ومستوطنيه،والشعارات والبيانات والمقابلات الصحفية المتلفزة والمقروءة والمسموعة حولها كثيرة ونارية لغتها وإنشاؤها،واللجان المشكلة باسمها عديدة،وما يصدر عنها من بيانات ليس أكثر من إنشاء وإطناب وإسفاف وإبتذال مللنا سماعه،وقمم تعقد من اجلها،ودعم مؤجل او على الورق يقر باسمها،لا يصل أغلبه،ولكن تنشر وتشاع أرقامه ومقاديره،لكي يزيد من إحباط المقدسيين إحباطاً على إحباط،ويسعر من حدة الخلافات والإتهامات فيما بينهم،حول دعم لم يصل،وتثار أسئلة وإتهامات من طراز،أين يذهب مثل هذا الدعم الورقي..؟؟،والناس لا تتعاطى او تقتنع بسهولة بالحقائق او الوقائع،فنحن في مجتمعات تربت على تصديق الإشاعة والتعامل معها على أساس أنها حقيقة،فنحن امة تحجر على العقل والفكر،وتطلق العنان لعواطفها ومشاعرها،فهم على قناعة تامة بأن مئات الملايين بل مليارات الدولارات من الدعم العربي والإسلامي تصل إلى القدس،إستناداً إلى ما يصدر عن القمم والمؤتمرات العربية والإسلامية التي تعقد من اجل القدس من بيانات ومعلومات وقرارات،وهذا لا ينفي وجود فساد ومرتزقة ومنتفعين ولصوص،حتى أن البعض عندما سمع بخبر ان القمة العربية الأخيرة في الدوحة أقرت (500 ) مليون دولار لدعم القدس،سارع الى إنشاء الشركات والمؤسسات،تحت يافطة وذريعة الإستثمار في القدس،حتى"يناله من الحب جانباً"،ولكن إكتشف لاحقاً بأن ذلك مجرد سراب،ولكن لا يجوز ولا ينبغي،التعاطي مع اهل المدينة على أساس اننا نقدم لكم الدعم،ولكن هذا الدعم لا يبان له أثر او يصرف في مواضيع وخانات ليست مجدية او مفيده،فالقدس فيها الكثير من الأحرار والشرفاء والعناوين المؤتمنة لمن يريد دعم القدس حقاً،وليس عملاً بالقول المأثور،كمن لم يرد الصلاة،ووجد الجامع مقفلاً ليقول"اجت منك يا جامع"....واهل القدس الذين يعيشون على الأمل،والمالكين لإرادتهم ويتولون مقارعة الإحتلال يومياً،والمستهدف لهم في كل تفاصيل حياتهم اليومية،باتوا على قناعة تامة بأنه"لن يحرث الأرض غير عجولها"،ولكن هم يستبشرون خيراً وربما يقولون بأن اللجان والقمم التي تعقد من اجل القدس، ربما باتوا على قناعة بأن الخطر داهم وجدي على القدس،وشعروا بصحوة أو وخزة ضمير من أجلها واجل أقصاها المهدد فعلياً بالتقسيم،وأهل القدس كما الغريق الذي يتعلق بقشه من اجل النجاة،فهم يباركون ويدعمون اية مبادرة او مؤتمر شعبي أو صحفي أو لقاء يعقد لتسليط الضوء على قضاياهم وهمومهم والإنتهاكات والإجراءات القمعية التي يمارسها الإحتلال بحقهم،ويمنون النفس بأن يكون ذلك بداية تعاط جدي مع قضاياهم،ولكن يكتشفون بأن "الخل اخو الخردل" او بلغة أقبح من ذلك "الكلب اخو السلك" فقرار الدعم للقدس والمقدسيين،ليس بيد أي حاكم عربي،بل هناك من يعطي الأوامر لهؤلاء العربان شيوخاً وامراءاً، ملوكاً ورؤوساءاً،لمن يتبرعون وحجم هذا التبرع واوجه صرفه،وامريكا تراقب كل مساعداتهم ودعمهم ومصارفهم،ومن يقدم على الدعم دون اوامرها،يغلق المصرف وتصادر امواله،وهنا في حادثة بسيطة وتجربة مررت بها شخصياً،ذهبت لتحويل مبلغ بسيط لإبني الدارس في اسبانيا عن طريق البنك العربي،ومن كثرة الأوراق الموقعة والأسئلة،شعرت بأنني ربما أريد بهذا المبلغ البسيط تخصيب يورانيوم،فكيف بمن يريد ان يرسل مبالغ كبيرة لدعم مشاريع في القدس،أو من اجل تعزيز صمود وبقاء المقدسيين..؟؟ .
منذ فترة ونحن نسمع عن صندوق فلسطيني سيشكل باسم القدس عقدت حوله الكثير من اللقاءات والإجتماعات،والحديث يدور عن صندوق برأسمال (100) مليون دولار،سيساهم فيها رجال أعمال فلسطينيين،من الداخل والخارج،كخطوة عملية تغنينا عن التسول و"الشحدة" المغمسة بالدم والكرامة،من عربان فاقدين لإرادتهم ونخوتهم وقرارهم وكرامتهم،وقلنا بأن ذلك سيكون بمثابة خطوة عملية تضعنا على الطريق الصحيح،ولكن يبدو بأن هذا الصندوق الأجندات الخاصة والمصالح والتزاحم على من يكون مسؤولاً عن هذا الصندوق،لن تخرجه الى حيز الفعل والتنفيذ،على الرغم بأن المؤتمرات والندوات الإقتصادية التي يعقدها رجال اعمال فلسطينيين،يقولون بان الإستثمار مجد ومربح في القدس،في أكثر من مجال وقطاع وبالذات في الإسكان وقطاع الفندقة والسياحة،ولكن من ينظرون حتى من رجال الأعمال لذلك،يحجمون عن الإستثمار في القدس،ويبدو بأن القدس هي خارج حساباتهم،ويقتربون من موضوعها ويصرخون باسمها،فقط لكي تكون شماعة وعنواناً لجلب الدعم والمال باسمها.
نحن في القدس سنضع من يعمل لأجل القدس،ومن يستثمر لصالحها او يقيم وقفية او صندوقاً باسمها فوق رؤوسنا،وسنقلدهم التيجان والنياشين،وسنقيم لهم التماثيل،ويكفي القدس المزيد من الخذلان،فمن يريد ان يخدم ويقدم للقدس،سيجد أيدي المقدسيين ممدودة له،ومن يخشى أن تنفق امواله في غير موضعها او مكانها،فهناك طريق سهل للحماية والضمان،يشتري عقاراً او أرضاً في القدس وبالذات في بلدتها القديمة،ويوقفها،وهكذا يساهم في حماية القدس من خطر التهويد،ويستثمر عقاره او ارضه لصالح المقدسيين كمؤسسة او جمعية او مؤسسة،او حتى للسكن،فبدلاً من ان تستثمروا اموالكم في اوروبا او تتبرعوا بها لصالح مؤسسات اوروبية،فهناك القدس،ليس من ناحية دينية وحضارية وقومية ووطنية، بل ومن ناحية استثمارية، تستثمرون ويكون استثماركم جزء من واجب قومي ووطني وديني تجاه المدينة ومقدساتها.