جنيف )2) لتنفيس الفرقاء وجنيف 3) الحسم

بقلم: راسم عبيدات

إنطلقت أعمال مؤتمر جنيف(2) الخاص بالأزمة السورية قبل يومين في مونترو في سويسرا،واضح بأن مؤتمر جنيف (2) كان مؤتمراً تصادمياً،وهناك فجوات كبيرة وواسعة بين الفرقاء المجتمعين،فيما يتعلق بجوهر المؤتمر واولوياته،أصعب من ان يجري تذليلها والإتفاق حولها من خلال مؤتمر يستمر بضعة أيام...ويفضي الى الإتفاق الشامل حول كل القضايا المطروحة،وهذا تجلى وظهر في كلمات الفرقاء المجتمعين على طاولة المفاوضات،وبما يوحي بأنه لا وجود لعملية تفاوضية،حيث عبر كل فريق عن رؤيته وموقفه بالنسبة للأزمة السورية،وكان التشدد طابع الكلمات من كل الفرقاء ومن الداعمين لهم والمتبنين لوجهة نظرهم،وخصوصاً من قبل المعارضة السورية وحلفائها الأمريكان والسعوديين والقطريين والفرنسيين والأتراك على وجه الخصوص،تلك المعارضة التي جاء تشكيل وفدها على عجل وغير مستوف للنصاب،فالآئتلاف الذي عدد أعضائه 121 عضواً،الوفد الذي حضر عنه لا يمثل سوى 54 عضو،أقل من النصف،فالأعضاء من جماعة قطر(44) واعضاء المجلس الوطني (23)، انسحبوا من الإئتلاف بسبب الخلافات التي عصفت بتلك القوى،خلافات على القيادة والتمثيل والحضور أو عدمه،والمرجح انه في سياق العملية التفاوضية التي بدأت بقطار جنيف (2 ) ان يجري نقلها الى اكثر من مكان،بما فيه داخل سوريا،حيث من الممكن والمامول خوض حوار سوري- سوري،وفي هذه العملية التفاوضية المضنية والشاقة والطويلة،والتي ستتعثر حيناً وتتقدم حيناً آخر، فإن وفد القوى المعارضة سيتبدل ويتغير اكثر من مرة،وسينزل ركاب ويصعد ركاب آخرين من وإلى عربات قطار التفاوض لتلك القوى طبعاً لتعدد ولاءاتها وإنتماءاتها ومصدر قرارها وقدرتها على التمثيل من عدمه،والتأثير بمجريات الأمور على أرض الواقع،،ونحن نرى بأن جوهر الخلاف الذي ستتركز حوله المفاوضات هو حول تعريف جوهر مؤتمر جنيف(2)،فهنا نقطة خلاف جوهرية وتصادمية من الدرجة الأولى بين الفرقاء وداعميهم،ولذلك الفرضية الأقرب للصحة هنا بأن هناك تصادم وليس تفاهم،وان جنيف (2) مجرد رفع عتب وتنفيس وفشة خلق للفرقاء المعنيين،حيث كان واضحاً بأن أمريكا تريد ان ترضى حلفائها وتتبنى وجهة نظرهم،وبالذات السعوديين والقطريين والأتراك واطياف المعارضة،وهي لا تريد ان يخرج حلفاءها وبالذات السعوديين خاسرين من هذا المؤتمر،وكذلك لا تريد لإسرائيل ان تخرج خاسرة من المؤتمر،وخصوصاً أن ما تريده امريكا،هو ان يتصدر امن اسرائيل،أي اتفاق او حل يجري الإتفاق عليه.
النظام السوري وداعميه(روسيا وايران) يرون بأن جوهر المؤتمر يجب ان يركز على محاربة الإرهاب،وهذا واضح من نص كلمة رئيس الوفد السوري وليد المعلم،حيث أسهب بشرح وتفصيل ما إرتكبه وما قام به الإرهابيون والقتلة من جرائم بحق أطفال ونساء وشيوخ ورجال سوريا،القتل الوحشي والبوهيمي،الإغتصاب، بقر البطون وشوي الرؤوس وغيرها،الخطف وأخذ الرهائن،التفجيرات الإجرامية لدور العبادة وأماكن العلم والقتل على الهوية والتخريب والتدمير...الخ،وكذلك قول المعلم بان جذر وأصل الإرهاب واحد،مهما حاول البعض تجميله والباسه صفة الإعتدال،فنفس الإرهاب الذي ضرب في واشنطن وموسكو وبغداد وصنعاء،هو الذي يضرب في دمشق،وان أية عملية سياسية يجب ان تكون على هامش معالجة الجذر وجوهر المؤتمر الإرهاب،في حين ترى قوى المعارضة السورية غير المتجانسة وغير المالكة للتمثيل والتقرير،وحلفائها العرب والإقليميين والدوليين(السعودية وقطر وتركيا وفرنسا) على وجه الخصوص، بأن النقطة الجوهرية للمؤتمر،هي تغيير النظام وتنحي الأسد...وحكومة إنتقالية بصلاحيات كاملة،وهذا الطرح الهدف منه هو إفشال المؤتمر وتفجيره،فالنظام السوري عندما كانت اوضاعه الميدانية والسياسية في بداية الأزمة غير مريحة لم يوافق على مثل هذا الطرح،وكلام المعلم في هذا السياق قاطع ولا يحتمل التاويل،وخصوصاً في ظل ما يحققه النظام من إنجازات عسكرية على الأرض،وإنكشاف حقيقة تلك الجماعات الإرهابية،وما تقوم به وترتكبه من جرائم ضد الإنسانية والبشرية،وحدوث إنقلاب كبير في الرأي العام العالمي تجاه تلك الجماعات،فالمعلم خاطب وزير الخارجية الأمريكي قائلاً" لا أحد في العالم له الحق بإضفاء الشرعية أو عزلها أو منحها لرئيس أو حكومة أو دستور أو قانون أو أي شيء في سورية إلا السوريون،وأضاف المعلم.. جئنا لنضع الجميع أمام مسؤولياته فطالما أن دعم الإرهاب مستمر من قبل دول بعينها تعرفونها كما أعرفها لن يكون هناك نجاح لهذا المؤتمر.. فالعمل السياسي والإرهاب لا يمكن أن يكونا على أرض واحدة.. فالسياسة تلتقي مع مكافحة الإرهاب ولا تنمو في ظله"،ولكن في المقابل روسيا والصين والكثير من دول العالم التي ملت من الأزمة السورية،وإستمرار مسلسل القتل والإرهاب،وما قد يترتب عليه من تداعيات،تطال الكثير من دول العالم،وكذلك الخوف من ان تتحول سوريا الى مأوى وملجأ لكل الجماعات الإرهابية في العالم،يجعلها تقدم الحل السياسي على اي حل آخر،بمعنى من نوع وقف إطلاق النار على بعض الجبهات التي يمكن الاتفاق عليها، تبادل إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين والمختطفين، فضلاً عن إدخال المعونات الإنسانية للمناطق الأكثر تضرراً بالحرب والحصار والدمار.
نحن نرى بانه ستستمر العملية التفاوضية وبموازاتها سيستمر الحرب على الإرهاب،والحسم على طاولة المفاوضات،ليس رهناً للتشدد في المواقف والكلمات،بل بما يجري على الأرض،وفي جنيف (2 ) سيجري الإتفاق على خطة عمل بين كيري ولافروف،على ان يجري حسم الأمور في جنيف(3 )،فأمريكا تدرك جيداً،بان ايران يجب ان تكون حاضرة في جنيف (3 )،فهي أبلغت بشكل لا يقبل التاويل،بأن عدم إلتزام أمريكا بتطبيق الإتفاق حول الملف النووي الإيراني،وأي اتفاق يتجاوز مصالحها في المنطقة،أو يطال النظام السوري والرئيس الأسد،ليس مقبولاً عليها بالمطلق،وأمريكا تدرك ان إيران لها دور ونفوذ في اكثر من ساحة عربية،ولذلك حضورها في جنيف(3 )،سيكون حضور في جوهر الإتفاق السياسي،وليس الجوانب الإجرائية،وهي ترى بأن تصادم السعوديه مع ايران في أكثر من منطقة وساحة،وخصوصاً الساحة اللبنانية،فإذا ما تفجر مؤتمر جنيف،فهناك مخاطر بأن تنفجر الساحة اللبنانية،وهذه الساحة متصلة بامن اسرائيل مباشرة،وبما يعني ان ايران ستكون هي الوحيدة المؤهلة لشغل الفراغ في المنطقة،بعد الإنسحاب الأمريكي من افغانستان واسيا،وهنا يصبح خطر جدي وحقيقي على اسرائيل،ولذلك هي لن تسمح للسعودية بأن تلعب بالنار خارج حدود السيطرة والإيقاع الأمريكي.
ونختم بما قاله الزميل الصحفي عريب الرينتاوي"
ثلاث أولويات/ أجندات تصطرع على صدارة "جنيف 2": النظام مدعوماً بحلفائه (روسيا وإيران) يعطي الأولوية لمحاربة الإرهاب ... المعارضة مدعومة بحلفائها (تركيا، قطر، السعودية وفرنسا) تعطي الأولوية لتغيير النظام وتنحي الأسد تحت شعار الحكومة الانتقالية كاملة الصلاحيات ... أما الأجندة الثالثة، فهي التي تدفع باتجاه الحل السياسي مسبوقاً بمعالجة الجوانب الإنسانية وإجراءات بناء الثقة، وسوف نرى ما الذي سيجري تقديمه فعلياً عندما يبدأ "جنيف 2" أشغاله بعيداً عن لغة الخطابة والمهرجانات.

القدس- فلسطين
24/1/2014
0524533879
[email protected]