لا شك أن البُعد العربي كان وما زال حاضرا في القضية الفلسطينية منذ بداية الصراع العربي الصهيوني، ظهر هذا واضحا في فكرة إنشاء منظمة التحرير نفسها عام 1964، التي جاءت كأنها فكرة فلسطينية مستقلة تسعى لاستقلال القرار الفلسطيني وقيادة الثورة نحو التحرير، وظل الدور العربي كان حاضرا ضمن التفاعلات الإقليمية الدولية وضمن محاولة إرساء مشاريع التسوية السياسية وإحلال السلام والأمن في المنطقة ، وخاصة أن تلك المطالب تعتبر إستراتيجية ووجودية بالنسبة لإسرائيل، هذا ما أكده مؤخرا اجتماع سفراء (إسرائيل) في أوروبا الذي رشح عنه نتائج كان أهمها " أن انهيار السلطة الفلسطينية يعتبر مهددا خطيرا لإسرائيل". لذا، كانت ولا تزال المحاولات الأمريكية مدعومة من أطراف عربية تحاول أن تلعب دورا إقليميا من اجل الوصول لتسوية، يخشى أن تكون مقدمة لتسوية أو صفقة ليس في صالح الفلسطينيين، لذا، فان جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري تأتي في هذا السياق تحت مسمى "اتفاق الإطار" بعد أن أحرزت الولايات المتحدة تقدما كبيرا في الملف الإيراني.
مطلب يهودية دولة "إسرائيل":
بعد جولات من الفشل في إدارة المفاوضات، وبعد ان واجه قادة " إسرائيل" كثير من النقد واللوم من قبل الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الغربية بسبب انتهاكاتها للحقوق الفلسطينية، انتقلت إسرائيل من مطلب "الاعتراف بإسرائيل كدولة"، وشرط للتفاوض مع الفلسطينيين عشية اتفاقيات أوسلو، إلى مطلب جديد وهو الاعتراف بيهودية الدولة، وهذا ما رفضه الفلسطينيون بجميع أطيافهم السياسية وتوجهاتهم ومشاربهم المختلفة ، حيث يترتب على هذا الاعتراف نتائج كارثية عرف منها التهجير القسري الذي سوف يلحق بعرب (إسرائيل) أي الفلسطينيون تحديدا، وأي طائفة أخرى سيكون منها حتى مسيحيي فلسطين، وهذا سوف يعتبر هجرة ونكبة فلسطينية جديدة، يرفضها الفلسطينيون جملة وتفصيلا، ولكن الطرف الإسرائيلي بات يتشبث بهذا الاختراع لعدة أسباب منها: إدامة أمد حالة المفاوضات التي لا تأتي على الفلسطينيين باي نتيجة ايجابية، وضمان حالة التمدد الاستيطاني المستمر دون رادع، إضافة لتحميل المسئولية للجانب الفلسطيني في تعطيل مسار العملية السلمية ، حيث كرر نتانياهو الأسبوع الفائت أثناء اجتماعه مع حكومته أمام الصحافيين ،(ان السبب الأساسي للنزاع مع الفلسطينيين هو رفضهم الاعتراف بإسرائيل " دولة للشعب اليهودي")، ويعتبر هذا المطلب مطلب تعجيزي لا يستطيع الفلسطينيون أن يوافقوا عليه.
انحدار الدور السعودي وتساوقه مع الامريكي:
الدور السعودي كان حاضرا في رام الله بشأن اتفاق الإطار، هذا الدور يعود مرة أخرى بعد أن غاب الدور المصري المنشغل بقضاياه الداخلية، وكان لزيارة كيري للمملكة السعودية مؤخرا دلالة كبيرة على وجود تقارب سعودي أمريكي أو شبه اتفاق بخصوص موضوع " اتفاق الإطار" المقترح أمريكيا، بشأن العملية السلمية في المنطقة، ولم تكن صدفة أن أودعت المملكة حصتها الخاصة بدعم موازنة السلطة الذي يقدر ب 40 مليون دولار قبل أيام، وبرغم عدم رد السعودية على مطلب وزير الخارجية الأمريكية الذي حث المملكة على تأييد المطلب الإسرائيلي بيهودية الدولة الإسرائيلية، إلا أن الموقف السعودي واضح انه لم يعد يتشبث بالمبادرة العربية التي كان سقفها مقبولا بالنسبة إلى ما يقدم الآن وانه قد انتقل بالفعل من مقولة " نوافق على ما وافق عليه الفلسطينيون" إلى فكرة إقناع الفلسطينيين بالأفكار الأمريكية ، وممارسة الضغط عليهم من اجل الموافقة على ما يعتبر من " التابوهات" او الثوابت الفلسطينية.
وفي خضم الحديث عن فيض التسريبات بهذا الخصوص، فقد ذكرت عدة مصادر بان السعودية تحاول جاهدة مناقشة المقترحات الأمريكية مع الرئيس محمود عباس ، بهدف الوصول معه لصيغة توافقية للقبول باتفاق الإطار. وقد جرت اتصالات مكثفة بين العاهل السعودي وبين الرئيس عباس من اجل الوصول لذلك.
كما ان السعودية تمارس ضغوطا كبيرة في وقت السلطة الفلسطينية تواجه كثير من الأخطار منها عدم المقدرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها وبالتالي التوقف عن تقديم الخدمات للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وجزء من غزة.
وقد كشفت الصحافة الإسرائيلية ان كيري قد طلب صراحة من الملكين السعودي والأردني ضرورة إقناع القيادة الفلسطينية بقبول المقترح الأمريكي، وتحاول الولايات المتحدة ان تجد صيغة مقبولة لتطبيق فكرة يهودية الدولة مع الحرص على الحفاظ على الحقوق الفلسطينية داخل " إسرائيل".
ويأتي الخوف من أن يقع المفاوض الفلسطيني في ورطة الموافقة بناءا على دور السعودية _ وتفهم أردني_ والتي وافقت على الإطار إذا ما تضمن التأكيد على الحقوق الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967. تلك الحقوق التي تم ربطها سابقا بالعديد من اتفاقيات التسوية التي حقق فيها الجانب الإسرائيلي أهدافه كلها في ظل انحسار اكبر في الطموح الفلسطيني.