لقد حظيت مدينة القدس باجتماعين مهمين مؤخراً، الأول عُقد في مدينة مراكش وهو (اجتماع لجنة القدس) برئاسة العاهل المغربي، ومشاركة الرئيس أبو مازن ممثلاً لفلسطين، والاجتماع الثاني عقد في الكويت (اجتماع اتحاد البرلمانات العربية) برئاسة رئيس مجلس النواب الكويتي، ومثَّل فلسطين فيه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني السيد سليم الزعنون «أبو الأديب». وقد وضع الأخوان أبو مازن وأبو الأديب المجتمعين على مستوى الاجتماعين، بالمخاطر المحدقة بمدينة القدس، وبالإجراءات التعسفية التي تتعرَّض لها المدينة المقدسة ومقدساتها وسكانها، على يد سلطات الاحتلال الصهيونية، التي لم تأل جهداً في استهداف تغيير تركيبتها الديمغرافية والجغرافية وفق سياسات وإستراتيجيات واضحة وثابتة وهادفة إلى تغيير معالمها وفرض السيطرة الصهيونية اليهودية عليها، واعتبارها عاصمة لكيان الاغتصاب الصهيوني، عبر تهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها على السواء، وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، تمهيداً لتنفيذ الأساطير اليهودية بهدم الأقصى وبناء ما يُدعى بالهيكل الثالث المزعوم مكانه أو داخله، أو فرض الهيمنة اليهودية الصهيونية من خلال اقتحامه، كما جرى مع المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل سابقاً. لقد استمع واطلع العالم على كلمات المشاركين في الاجتماعين العتيدين المشار إليهما، وقد أجمعت جميعها على حدة وجدية التهديدات التي تتعرَّض لها المدينة المقدسة ومقدساتها ومواطنوها العرب، وكالت الشجب والاستنكار لهذه الإجراءات والتهديدات، ولكنها لم تغيّر من واقع القدس شيئاً، وبقي ويبقى الحال في القدس كما هو عليه حتى إشعار آخر، وتهديد صهيوني جديد، دون وضع السياسات والإستراتيجيات، سواء على المستوى العربي، أو المستوى الإسلامي، رسمياً أو شعبياً، والذي تحتمه الاعتداءات والتهديدات والإجراءات الصهيونية المتواصلة والمستمرة في حق القدس، وبما يكفل وقف هذه التهديدات، ويدعم صمود المقدسيين، حتى يتم إنهاء احتلالها وعودتها للسيادة العربية الفلسطينية. من حق المواطن الفلسطيني والعربي والمسلم أن يتساءلوا عن ماهية الإستراتيجيات العربية، الذي تمخض عنها هذا الاجتماع البرلماني العربي، وعن ماهية الإستراتيجيات الإسلامية، التي تمخض عنها اجتماع الدورة العشرين للجنة القدس، المكلّفة من منظمة المؤتمر الإسلامي للدفاع عن القدس ومقدساتها ومواجهة الإجراءات الصهيونية المستهدفة لها؟! ماذا قرَّر العرب من أجل حماية القدس ومقدساتها وحماية سكانها، إن المتابع لهذا الشأن لا يرى إلا محصلة ما زالت تساوي صفراً مكعباً، في مواجهة إجراءات سلطات الاحتلال التي ترصد الميزانيات الكبيرة، البلدية، والحكومية، وغير الحكومية، لتنفيذ مخططاتها الهادفة تغيير معالم القدس ومصادرتها وضمها، والتي عادة تبدأ في تنفيذ خططها قبل أن تعلن عنها..! الحقيقة المؤلمة أن الجهد العربي والإسلامي في شأن حماية القدس ما زال جهداً متواضعاً، لا يمكن وصفه إلا بالضعيف أو بالغائب، على مدى سبعة وأربعين عاماً مضت على احتلال المدينة المقدسة..! أي قداسة تحتلها القدس لدى العرب والمسلمين؟! التي لم تستطع أن تحرّك جهدهم وترفعه عن مستوى الشجب والإدانة والاستنكار لما تتعرَّض له مدينتهم المقدسة؟! أمام هذه التحديات الخطيرة والجسيمة، التي تتعرّض لها القدس، لا بد أن تقابل بمواقف وسياسات عملية في مستوى مواجهة العدوان الذي تتعرّض له المدينة المقدسة، أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومهوى أفئدة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها..!