اليونسكو، انتكاسة جديدة !

بقلم: عادل محمد عايش الأسطل

بعد أن أكّدت إسرائيل بأنها لن تتعاون مع لجنة تقصي الحقائق التابعة لليونسكو- وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة- التي كانت تهدف إلى الاطلاع على المعالم الأثرية والثقافية، الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس المحتلة، والتي تقرر إرسالها منذ أبريل/نيسان 2012، معتبرةً أن المؤسسة أصبحت من المؤسسات المعادية للدولة، أحبطت إسرائيل مساعي المنظمة، وذلك في تحدٍ واضح لقراراتها وللإرادة الدولية عموماً، بشأن قيامها بتفقد الأثار الإسلامية والعربية التراثية في المدينة، وقامت بمنعها من أداء عملها منذ لحظة وصولها إلى المكان في أواخر مايو/أيار من العام الفائت، بعد موافقة إسرائيل على تنفيذها مقابل الموافقة على اشتراطاتها في هذا الخصوص. الأمر الذي أثار حينها خيبة أمل وجدلٍ عريضين على المستويين المحلي والدولي إزاء السلوك الإسرائيلي، ولم تفلح مساعي الأطراف الداعمة لقرار الهيئة فيما بعد، من تحقيق الزيارة وإلى الآن، على الرغم من صدور قرارٍ آخر، في أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في شأن تنفيذ الزيارة وبالموافقة على الاشتراطات الإسرائيلية اللاحقة أيضاً.

كانت اليونسكو قد اتخذت العديد من القرارات لصالح الفلسطينيين وخاصة بشأن الأمور الخاصة بإلحاق المزيد من الأماكن التراثية والإسلامية الفلسطينية لديها ضمن دائرة التراث الدولية، وفي مناسبات عدّة، كانت تُعرب عن قلقها العميق من التعديات الإسرائيلية باتجاه محوها أو تهويدها بالكليّة، إلى جانب استمرار الحفريات داخل وحول مدينة القدس القديمة وأسوارها، من غير رقيبٍ ولا حسيب، ودون أيّة التزامات إسرائيلية بشأن تزويد مركز التراث العالمي بمعلومات عن هذه الحفريات، لا سيما وأنها تطال كافة الأمكنة الترائية الفلسطينية، والمدرجة على كشوفات التراث العالمي منذ العام 1981.

وعلى الرغم من مطالب اليونسكو ومركز التراث العالمي، من إسرائيل بالتوقف الفوري عن هذه الأعمال والحفريات ضد الأماكن التراثية والإسلامية الفلسطينية، وتزويدها بالمعلومات الخاصة بتلك الأنشطة، كي يستطيع أن يبيّن في تقاريره الدورية إلى لجنة التراث العالمي جميع الأجوبة للتساؤلات المُثارة حول تلك الأنشطة، وجملة العراقيل التي تضعها السلطات أمام عدم تزويدها للمركز بالمعلومات المطلوبة، إلاّ أن السلطات الإسرائيلية لم تحفل كثيراً بشأن تلك المطالب، ولم تُعرها اهتماماً زائداً، كون النوايا الإسرائيلية أعقد من أن تقوم بالالتفات إلى قرارات هيئة، هي في نهاية الأمر معلومة، ولا تستطيع بموجبها الإقدام على أيّة خطوة يمكن أن تعاني منها إسرائيل في جوانب مهمّة، أو تدوم إلى مدة أطول يمكن أن تكون لها تداعيات ذات معنى.

الآن وفي هذه الأوقات، وعلى الرغم من الغضب الإسرائيلي على اليونسكو ومجاهرته لها باللعن والمقاطعة، تعود إسرائيل لاستئناف نشاطاتها الترويجية لتراثها ومعتقداتها وأساطيرها المختلفة ضمن أنشطتها وعلى النطاقات الدولية المختلفة، من خلال سعيها إلى تنظيم معرض للصور في المركز الرئيسي للمنظمة في العاصمة الفرنسية باريس، حول العلاقة بين اليهود وأرض إسرائيل، والذي يحمل العنوان 'الشعب، الكتاب والأرض، 3500 عام على العلاقة بين اليهود وأرض إسرائيل.

كان هذا ولا شك، فرصة مهمّة أمام اليونسكو، لرد اعتبارها في شأن قراراتها التي أصدرتها، والتي لطمتها إسرائيل واحداً تلو الآخر، وبالغت في تحقير بعثاتها المُرسلة إلى الأراضي المحتلة، والتي لم تدعها تمدّ أقدامها سنتمتراً واحداً نحو تحقيق جزءاً من نشاطاتها داخل الأراضي الفلسطينية وخاصةً في داخل القدس. ومن ناحيةٍ أخرى، كانت أيضاً تعتبر بمثابة فرصة محققة ثانية أمام الدول العربية والإسلامية الأعضاء لدى المؤسسة باتجاه لي الذراع الإسرائيلية ولو قليلاً في هذا الخصوص، لتقف بالمرصاد للحيلولة دون تحقيق الرغبة الإسرائيلية من غير ثمن، وهو إطلاق يد اليونسكو في الأراضي الفلسطينية كي تقوم بعملها.  

لكن المؤسسة ولا الدول العربية ولا الصديقة، استطاعت التفوّه بذلك مطلقاً، حيث لم تقوَ اليونسكو على الإقدام على ذلك الفعل، واكتفت بتأجيل إقامته فقط، حيث أرسلت مديرة عام اليونسكو "إيرينه بوكوفا"، لمركز (سيمون فيزنتال) الصهيوني، باعتباره الجهة المنظِمة للمعرض، تؤكد فيه أن المعرض سيتم تنظيمه في وقتٍ لاحق، معللةً ذلك بالخشية من أن يمس في هذه الفترة بعملية السلام. في ضوء أنها – اليونسكو- تدعم المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. أيضاً لم تلقَ شكوى الدول العربية التي استطاعت أن تفعلها، أيّة آذان صاغية من شأنها أن تعمل على إلغاء المساعي الإسرائيلية نهائياً داخل المنظمة، بصفتها من الأعضاء الدائمة لديها، بما فيها فلسطين باعتبارها عضو في المنظمة منذ أواخر 2011، ولم تستطع أيضاً، الصمود طويلاً أمام إطالة أمد عملية التأجيل للمعرض الإسرائيلي على الأقل.

مجرّد التأجيل، أشعل الغضب لدى الإسرائيليين ومنظمات يهودية في أنحاء العالم، والدول الصديقة وخاصةً الولايات المتحدة، التي سارعت إلى إبداء استيائها وانتقادها لدى المنظمة لإقدامها على تأجيلها المعرض ووصفته بالقرار الخاطئ، وحذرت بالمقابل من أن هناك تبعات غير جيّدة لهذا القرار، ودعت من خلال تدخلات على مستويات رفيعة، بإعادة التفكير في هذا القرار، وإلى السماح بتنظيمه بأسرع ما يمكن، مبررةً أن ذلك المعرض هو من النشاطات التي تساهم في تعزيز عنصر المناقشة والتفاعل ببين المجتمع المدني والدول الأعضاء والمنظمات والمراكز الدولية النشطة مثل (فيزنتال).

لم تكد تسري التحذيرات الأمريكية ولم تصل الغضبة الإسرائيلية إلى درجة متقدمة، حتى أعلنت اليونسكو، عن مضيها قدماً في تحديد الموعد النهائي والرسمي لتنظيم ذلك المعرض، حيث أكدّت بأنه سيكون حقيقةً واقعة في أوائل يونيو/حزيران من العام الجاري. جاء ذلك الإعلان نزولاً للتحذيرات الأمريكية وتفادياً للغضبة الإسرائيلية، بالمقابل تجاهل الاحتجاجات العربية والصديقة، وعلى الرغم من عدم زوال السبب الذي من أجله تمت عملية التأجيل، حيث أن الخشية لم تنقشع بعد، وهي المتعلقة بالمس بعملية السلام، ولم توجد بعد، أيّة علامات تدل على أن هناك تقدم في المفاوضات، التي لا زالت متوقفة، والمواقف بدت أكثر متباعدة، بل وازادت التكهنات إلى ناحية الفشل والسقوط لكل الاقتراحات والمبادرات الآتية في صددها، وعلى رأسها مساعي وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" الذي بات لا يأمل بها هو نفسه.

إذاً فما الحاجة لتمسّك الفلسطينيين على نحو مبالغ فيه، في مثل هذه المنظمة والتعلّق بها، وهي التي لا تستطيع أن تدفع عنهم شراً، ولا أن تجلب لهم نفعاً، لا في الأزمان السابقة قبل الدخول فيها، ولا في الأوقات اللاحقة وبعد الحصول على عضويتها، ويمكن القياس على منظمات أخرى يهدف الفلسطينيون إلى الالتحاق بها، ربما بعد حين.

د. عادل محمد عايش الأسطل

خانيونس/فلسطين

28/1/2014