جنيف (3) جنيف الحسم

بقلم: راسم عبيدات

قلنا في مقالة سابقة بأن جنيف (2) بمثابة بروفا وتنفيسه وفشة خلق وتفريغ للأطراف المشاركة والمتفاوضة في المؤتمر،وقد إنتهى جنيف ( 2) دون حدوث إختراق جدي في أية قضية جوهرية من القضايا المراد طرحها والإتفاق حولها،ولم يجر الإتفاق على جدول الأعمال او القبول به،ولكن نقطة إيجابية تحسب له انه إستطاع ان يجمع الفرقاء المتحاربين والمتخاصمين،تحت سقف واحد،وحتى لو لم يتبادلوا الحديث المباشر،دون ان ينسحب اي منهما،وهذا بحد ذاته يعد إنجازاً،فلعلنا نذكر جميعاً بان ما يسمى بقوى المعارضة،في بدايات الأزمة وحتى بداية السنة الثالثة،كانت ترفض بشكل قاطع الجلوس مع وفد يمثل النظام،وتردد إسطوانتها المشروخة بأنه نظام دموي وقاتل وديكتاتوري وقمعي،،ولكن المتغيرات على الأرض،وما حققه النظام من إنجازات عسكرية،والتحول الواسع والكبير في وجهة النظر والرؤيا من قبل الرأي العام العالمي وحتى العربي والإقليمي من ما يسمى بقوى المعارضة،والتي جسمها الرئيسي مكون من قوى إرهابية تمارس القتل والذبح،وحتى وحشيتها جردتها من كل معاني الإنسانية والبشرية،ولذلك تولدت قناعات عند أغلب الدول الداعمة والحاضنة والمؤيدة لها،بأن خطرها سيتعدى سوريا،وسيشكل خطر عليها هي أيضاً.
واضح ان القوى المشاركة في جنيف (2)،أبدت تشدداً واضحاً سواء لجهة النبرة ولغة الخطاب او سقف المطالب المرفوعة او المطروحة،وأيضاً كان واضحاً بان وفد النظام السوري كان يتحدث بكل ثقة واريحية ويمسك بناصية المؤتمر وإدارته نحو الهدف الذي جاء من اجله،حيث أنه طرح بان الهدف من المؤتمر،هو محاربة ومكافحة الإرهاب،وان مسألة بقاء الرئيس والقيادة السورية،ليست بوارد حساباته،وهي خلف ظهر النظام،فهو لم يسلم بها عندما كان في حالة ضعف،فكيف الان؟؟،تلك النقطة المفصلية التي كان وفد ما يسمى بالمعارضة،غير المالكة لشرعية لا التمثيل ولا القدرة على ترجمة ما يجري الإتفاق عليه على الأرض،تصر عليها وتتمسك بها،هي والفريق الدولي والإقليمي والعربي،الداعم لها والمشرف على سياساتها وتوجيهاتها وفارض الشروط والإملاءات عليها،ألا وهي تشكيل هيئة انتقالية بصلاحيات كاملة،ورحيل الأسد وقيادة النظام،ولكن يبدو بأن هذه النقطة سيجري التنازل عنها،والتسليم بها من قبل المعارضة وحلفائها،وستبقى سوريا برئاسة الأسد،وخطاب المعلم واضح في هذا الجانب،وليس بلاغة المعلم وقوة خطابه،هو وفريقه التفاوضي من سيحسمون هذا الخيار بل المعطيات على الأرض هي من تقرر ذلك.
جنيف(3) من الواضح انه سيشهد ايضاً سلسلة من التغيرات على وفد ما يسمى بقوى المعارضة،فالوفد الذي حضر جنيف(2)،هناك الكثير منهم سينزل من عربات القطار المتجهة الى جنيف(3) والكثيرون سيصعدون في العربات بدلاً منهم،فبلغة الأخضر الإبراهيمي الموفد الأممي لحل الأزمة السورية،"وفد المعارضة غير مقنع"، وهو عبارة عن شلة ولد وتجار ومنتفعين ومرتزقة،لا يمتلك صلاحية التمثيل للإئتلاف المعارض،حيث أنه يفتقر للشرعية،وكذلك غير مقرر في الميدان،ونقطة اخرى جوهرية وعلى غاية الأهمية في هذا الجانب،بأن ايران التي غابت عن جنيف(2 )،لن تغيب عن جنيف(3)،وخصوصاً ان لها دوراً مركزياً في حل الأزمة السورية،وهي أقرب حلفاء النظام السوري، وبالتالي عدم دعوتها لجنيف (3) من شأنه ان ينسف الحل السياسي ويفجر المؤتمر،ولا اعتقد بان روسيا وامريكا،ستسمحان بحدوث ذلك،فهما على قناعة تامة بان الحل فقط عن طريق جنيف،وخصوصاً بان التفاهمات الروسية- الأمريكية مهدت الطريق لحدوث لحلحة وحراك جدي في عدد من الملفات الأخرى مثل الإتفاق والتواصل الأمريكي مع ايران حول ملفها النووي،والإنسحاب الأمريكي من افغانستان،وقناعة الطرفين بأن ايران تمتلك الحل والتقرير في اكثر من ملف وقضية من ملفات وقضايا المنطقة من أفغانستان وحتى فلسطين والبحرين.
جنيف(3) سيكون الحاسم لجهة الملفات المطروحة،والحسم في تحديد جدول الأعمال،هو رهن بالتطورات على الأرض،وواضح بان النظام اتبع سياسة القضم التدريجي،سواءاً على الصعيد السياسي والإعلامي او على الصعيد العسكري،فهو يسجل إنتصارات على قوى ما يسمى بالمعارضة المهللة والمففكة،والتي تتقاتل عل جلد الدب قبل إصطياده،ولكي يعزز النظام من قدرته على الحسم وفرض شروطه،فهو يقترب من خوض معركة القلمون وحلب والرقة،لتصفية آخر معاقل ما يسمى بالمعارضة من داعش والنصرة والجبهة الإسلامية،بعد تفكك وإنهيار ما يسمى بالجيش الحر.
فليس من المعقول ان يبدأ جنيف(3) ويستمر المؤتمرين يراوحون في نفس المربع والدوران حول الذات،فلا بد من الحسم في هذا،وهذا غير ممكن بدون حسم على الأرض،فقوى المعارضة لا ترى في جنيف(1) سوى الهيئة الإنتقالية بالصلاحيات الكاملة،وإقصاء الرئيس بشار،وليس رزمة متكاملة من الإجراءات والترتيبات،وهي لا تريد ان تفهم بان ما كان ممكناً في بداية الأزمة السورية غير ممكن الان بالمطلق،وعليها أن تعي جيداً بأن جنيف(1)،بنده الأول هو وقف العنف والإرهاب وإطلاق سراح المعتقلين،والجدل البيزنطي يجب ان ينتهي حول جدول الأعمال،وان تسير المفاوضات في مسارات متوازية... تبدأ بخطوات بناء ثقة،وقف إطلاق النار وإدخال المؤن والمساعدات للمناطق المحاصرة،وتبادل المعتقلين والمختطفين،ومن ثم محاربة الإرهاب،وهذه نقطة على غاية الأهمية،وقدم النظام ورقة سياسية حول رؤيته للحل،بما يضمن وحدة سوريا الجغرافية،ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية بشكل مباشر وغير مباشر،وإدانة كل اشكال الإرهاب،وبناء نظام سياسي ديمقراطي قائم على الديمقراطية والتعددية،ولكن وفد المعارضة ،بعد مشاورات مع المعلم روبرت فورد،وباقي الجوقة من الممثلين الداعمين لتلك القوى رفضوا هذه الورقة،وبما يؤشر ان هذه المعارضة،لا يمكن لها ان تحقق اماني طموحات الشعب السوري في حرية او ديمقراطية،او ان تصون وحدة أراضيه،ان تحفظ لسوريا كرامتها وموقفها،وحتى لو سلمنا جدلاً بأن النظام السوري وافق على البحث في تشكيلة الهيئة الإنتقالية،مع من سيتفق؟؟،وهل هناك قوى قادرة على التنفيذ وتطبيق ما يتفق عليه؟؟،فما حضر من ديكور لقوى المعارضة، لا تمتلك التأثير في الفعل والميدان....ولذلك نرى بأن الحسم في جنيف(3) لجدول الأعمال والقضايا المطروحة،سيكون لقعقعة السلاح في الميدان،فالنظام سيعمل جاهداً على ان يحقق حسماً عسكرياً،لكي يمنع تقسيم سورياKوهو يدرك جيداً بأن "جعجعات " امريكا المصعدة ضده وضد ايران،هي فقط من اجل رفع معنويات فريق قوى المعارضة المفككة والمنقسمة على ذاتها،وليس صحوة امريكية،كما تروج بعض مشيخات النفط والغاز العربي.

القدس- فلسطين
3/2/2014
0524533879
[email protected]