التهديدات الأمريكية والمشهد الفلسطيني

بقلم: أكرم أبو عمرو

تناقلت وسائل الإعلام أخبارا عن تهديدات أمريكية للرئيس محمود عباس، حملها جون كيري وزير الخارجية الأمريكي مفادها أن مصير الرئيس سوف لن يكون مختلفا عن مصير الخالد أبو عمار ،إذا استمر على مواقفه وفشلت المفاوضات مع إسرائيل عندما أبو عمار تعرض إلى تهديدات أثناء مشاركته في قمة كامب ديفيد عام 2000 ، فكان حصاره القاتل فيما بعد ، نفس التهديدات توجه للرئيس عباس ، ونحن هنا لسنا بصدد هذه التهديدات فهي ليست الأولى ضد القيادة الفلسطينية ورأسها ، بل وليست الأولى للشعب الفلسطيني الذي ما زال يتعرض للتهديدات من العدو والصديق ، في الداخل والخارج ، من اجل تركيع هذا الشعب ، وما نتعرض له من اعتداءات إسرائيلية يومية وما يصاحبها من تهديدات بشن هجوم شامل على قطاع غزة ، وما يتعرض له أهلنا في سوريا ولبنان وليبيا والعراق ومصر ما هي إلا صورة واضحة لما يواجهه الفلسطيني أينما وجد .
ما يعنينا لماذا هذه التهديدات ؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ ، للإجابة على هذا السؤال: لابد من نظرة على المشهد الفلسطيني بكل جوانبه ، حيث أننا نري بان المشهد الفلسطيني على الأرض كقطعة فسيفساء ذات ألوان غير متناسقة ، يبدو عليها العشوائية والاضطراب ، على الصعيد الحزبي والفصائلي ، هناك شد وجذب في حركة فتح ، تناكف وتصارع بين تيارات مختلفة ، بين غزة والضفة ، حديث عن مؤتمر سابع لم تتضح معالمه ، ربما تبرز فيه بعض مراكز القوى لتفرض هيمنتها عليه ، ، حركة حماس في غزة تواجه انتقادات حادة من الجارة الشقيقة مصر ، يصاحبها تشديد الحصار المفروض على قطاع غزة لدرجة تجعل من المعاناة ليست مقصورة على حركة حماس وأعضائها بل على جميع أبناء القطاع ، تصريحات ونداءات من قادة حماس بضرورة إتمام المصالحة والسماح لعدد من عناصر حركة فتح بالعودة إلى غزة ، والبعض من فتح يتهم بان هذا الإجراء يأتي فرديا دون التنسيق مع قيادة فتح ، ، في الضفة قرارات إسرائيلية كثير بتسريع وتيرة الاستيطان في الوقت الذي تستمر فيه المفاوضات رغم معارضة الكثير ، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية المتردية في كل من غزة والضفة إذن مشهد بالتأكيد يسر عدوا ولا يهم أن يسر صديق.
من هنا تأتي التهديدات الأمريكية للجانب الفلسطيني مستغلة هذه الظروف ، الظروف الفلسطينية ، من جهة وظروف المنطقة من جهة أخرى ، والحال يقول " وقعت يا فلسطيني وما حدا يسمي عليك " فالدول العربية الكبري كمصر ليست متفرغة للقضية الفلسطينية وفيها ما يشغلها ، وسوريا كلنا نرى ما يجري فيها، والعراق ذهب ولا نعرف متى يعود، والسعودية أيضا همها الأكبر الآن سوريا ، في النهاية فان قضيتنا تراجعت عن الأولويات العربية وهذا في حد ذاته فرصة أمريكية متاحة لتمارس مزيدا من الضغوط لتحقيق أهدافها من اجل مصلحة إسرائيل ، ومن اجل أن يخرج اوباما من الحكم وقد حقق شيئا ، مستغلا الضعف الفلسطيني ، ومستغلا انصراف الدول العربية المؤثرة إلى ما يشغلها غير القضية الفلسطينية ، ما يترك الفلسطينيين وحيدين أمام الضغط والابتزاز الأمريكي ،
وليس بعيدأ عن الضغط الأمريكي يأتي الموقف الأوروبي، حيث أعلنت كاترين آشتون نائب المفوضية الاوروبيه عن نية الاتحاد الأوروبي لمنح السلطة الفلسطينية مساعدات لم يسبق لها مثيل إذا ما توصلت إلى سلام مع إسرائيل ، ف‘ذا كانت التهديدات الأمريكية بمثابة العصا الغليظة في وجه الفلسطينيين، فإعلان اشتون يمثل الجزرة ، لتصبح كل من السياسة الأمريكية والسياسة الأوروبية وجهين لعملة واحدة تجاه القضية الفلسطينية .
في ظل هذا المشهد ، انقسام ما زال بعيدا عن النهاية ، ضغوط إسرائيلية بالاعتداءات تارة وبالتهديد تارة أخرى ، حصار خانق ، أوضاع اقتصادية سيئة لدرجة يمكن القول أن عجلة التنمية تكاد تكون متوقفة وبالتالي فقر وبطالة بين معظم أفراد المجتمع الفلسطيني ، نهب وسلب أراضي، واستيطان متسارع ، مناكفات فصائلية داخلية ، مفاوضات غير متفق عليها ومحل اختلاف فلسطيني ، مقاومة بدون توافق وطني ،
ومع الأسف ما ذكرناه معلوما تماما فلسطينيا وعلى كل المستويات ، إلا إننا نرى الأخطار ونقوم لمحاولة دفن رؤوسنا في الرمال ، ولكن نقول لا الشعب الفلسطيني ليس هكذا ، من البديهي أن لا ترهبنا التهديدات الأمريكية للرئيس وللشعب الفلسطيني ، ثم أن أمريكا هنا تجهل حقيقة الطبيعة السيكولوجية للشعب الفلسطيني المعروف أصلا على الأقل محليا بما يعرف " نشافة الرأس " حفظا للكرام ، فيجب أن تعرف أمريكا أن رجلا قارب أو بدأ يدق أبواب الثمانينات لا ترهبه تهديداتكم ، كذلك الشعب الذي خرج اطفالة ونسائه وشيوخه عرايا أمام الدبابات الإسرائيلية ، ويتعرض يوميا لأعمال القتل والتدمير لا يهاب الموت ، كما أن المساعدات الأوروبية لن تكون سيفا مسلطا على رقاب الشعب الفلسطيني ، مقصد القول أن هناك تربة فلسطينية جاهزة للتصدي والتحدب لكل الظروف ، فقط المطلوب قرارات ، وأول هذه القرارات ، الإعلان عن إنهاء الانقسام وتجاوز كل الحساسيات المصطنعة من اجل المصلحة العليا لشعبنا والاتفاق عبر المؤسسات الفلسطينية على خارطة طريق وطنية دون انتظارها من الخارج ، عندها يمكن القول لأمريكا وأوروبا بان مبتغاكم لا يوجد عندنا ، فنحن أبناء هذا البلد عليها ولدنا وعليها نموت ، وليذهب نتنياهو وزمرته بعيدا عنا .

أكرم أبو عمرو
غزة- فلسطين
3/2/2014