ما زالت الأمواج تتلاطم في البحر الفلسطيني ، وتضرب أعماق وجودنا الفلسطيني على أرضنا التاريخية ، فالهجوم الصهيوني الأمريكي وبأسلوبه المكشوف ما زال يدغدغ قرارانا الفلسطيني بشأن ما يتعلق بالهوية الدينية للكيان الصهيوني ، فيهودية الكيان الصهيوني غدت العنوان الأبرز لاتفاق الإطار الذي يبشّرنا به جون كيري ، وتمادى الصهاينة لأن يجعلوا يهودية كيانهم محل مساومة للفلسطينيين على هوية دولتهم ، الدولة الفلسطينية الوطن القومي للفلسطينيين مقابل الكيان الصهيوني الوطن القومي لليهود ، ليس غريباً ما يريده الأمريكان والصهاينة من الشعب الفلسطيني وهم يقترحون بلسان أوربي بالقبول الصهيوني الأمريكي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين خطياً مع عدم التنفيذ على الأرض ، أي بمعنى آخر ها نحن اعترفنا بحق عودتكم أيها اللاجئون الفلسطينيون ولكن عليكم أن تبقوا خارج فلسطينكم ، لأنّ فلسطينكم هي الوطن القومي لليهود ، فيهودية الكيان الصهيوني هي العبوة الناسفة لحقوق الشعب الفلسطيني فوق أرض فلسطين التاريخية ، وهي تتويج للمنطلق الصهيوني القائل بأنّ فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ، وإلا كيف سيتم انجاز وعد بلفور البريطاني على أرض فلسطين ، والذي لن يتحقق لهم ذلك إلا من خلال ألاعيبهم التي مارسوها ضدنا وقبلنا أن نلعبها معهم ، وخاصة لعبة ميلاد شعب وميلاد قومية وميلاد دولة ، فقد جعل اليهود من جموعهم المختلفة والمنتمية إلى شعوب العالم شعباً واحداً له حق في إقامة دولة خاصة به ، كما جعل اليهود من قومياتهم المختلفة قومية واحدة ، وأوجدوا بذلك دولة لهم أسموها " إسرائيل " ، وقد قبلنا كفلسطينيين وكعرب وكمسلمين وبعد نضال امتد أكثر من قرن بكل ما أراده اليهود لأنفسهم ، أصبحنا نعتبرهم دولة ونعتبرهم شعباً واحداً وقومية واحدة ، وهم بالأساس غير ذلك كله .
واليوم يدّعي الصهاينة رفضهم أفكار كيري وإطاره وهم غير جادين بذلك وإنما يدفعون بالفلسطينيين للقبول بإطار كيري تحت حجة سيسقط بها الفلسطينيون وهي بأن الصهاينة هم الذين يرفضون إطار كيري فعلينا أن نقبل به ما دام الصهاينه يرفضونه ، لعبة صهيونية أمريكية خطيرة تحاك ضد الفلسطينيين ، لعبة القبول من منطلق الرفض من قبل الآخر ، فهل وقع الفلسطينيون في هذا الفخ ؟ أم هم يملكون القدرة للقفز فوق هذه اللعبة ؟
لا يمكن للفلسطينيين أن يمتلكوا زمام الموقف إلا إذا كانوا جادين في مواجهة عدوهم ، ويبدو ذلك ضبابياً ، فعدم مكاشفة القيادة الفلسطينية لشعبها بحقيقة ما يجري خلف الكواليس هو دليل ضعف القيادة وليس دليل قوتها ، وتهرب القيادة من مكاشفة شعبها يدل على مدى ارتباكها في معالجة إطار كيري ، فعندما تخشى القيادة من مصارحة شعبها إنما تعبّر بذلك عن مدى ضعفها ، وعن مدى ترددها في أخذ رأي شعبها فيما يتعلق بحقوقه التاريخية والجغرافية والسياسية ، وهذا يشكل عامل ضعف في الموقف الفلسطيني ، بل والأشدّ خطورة أنّ الفلسطينيين فقدوا الثقة بقيادتهم من خلال عدم قدرة هذه القيادة النزول إلى الشارع وقيادة المقاومة الشعبية على الأرض ، وعدم قدرة هذه القيادة على حشد جماهير الشعب الفلسطيني وراءها في مقاومة ما يفرض عليها ، فلا يمكن قيادة الشعب من داخل الغرف المغلقة والمكاتب الفارهة والثياب الأنيقة ، فهل الدعوة للمقاومة الشعبية يمكن أن تكون من خلال خطب سياسية أو تصريحات إعلامية أم تكون من خلال ممارسة القيادة للمقاومة الشعبية فعلياً على الأرض كما حدث في قريتي عين حجلة والعودة وإن كانت مشاركة القيادة محدودة في ذلك .
فالموقف اليوم خطير وخطير جداً ، الصهاينة والأمريكان يعملون ليل نهار لشطب قضية اللاجئين وإلغاء حق العودة لأنهم يدركون جيداً أنّ صراعهم معنا هو صراع وجود لا نزاع حدود ، فإما أن يكونوا وإما أن نكون ، هم لا يرون أن فلسطين التاريخية تتسع للفلسطينيين واليهود معاً ، ولأنهم هم الأقوى فهم القادرون على فرض ما يريدون ، رغم أننا كفلسطينيين نملك القدرة على مواجهتهم بكل الوسائل المتاحة والممكنة والمستحيلة ، ولكن لا نملك الإرادة في قرار مواجهة حقيقية لهم ، والمواجهة الحقيقية تبدأ بتمسكنا بحقنا التاريخي بكامل ترابنا الفلسطيني وليس بالأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وإن رأى البعض هذا من ضرب الخيال ، والمواجهة الحقيقية بأن تكون القيادة صريحة مع نفسها أولاً ومع شعبها ثانياً بخصوص عودة اللاجئين جميعاً التي يجب أن تكون إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام 1948 ليس من خلال حل عادل ومتفق عليه بل من خلال تنفيذ القرار الأممي 194 ، فلا يعقل بأي شكل من الأشكال أن يتمسك العدوّ الصهيوني بكامل حقوقه الوهمية على أرضنا ونحن نتخلى له عن حقوقنا الأصلية فوق أرضنا ، فالصراع اليوم يتطلب امتلاك إرادة المواجهة على الأرض .
حمص في 13/2/2014 صلاح صبحية