الشخصية الفلسطينية والمواطنة

بقلم: أكرم أبو عمرو

ربما أتناول موضوعا لم يتناوله احد من قبل ، ويأتي سبب تناوله هو ما استفدته من قراءة بعضا من كتاب شخصية مصر للدكتور جمال حمدان احد علماء الجغرافيا العرب أولا ، وما يشهده واقعنا الفلسطيني ليس في هذه الأيام فحسب بل منذ فترة طويلة، ربما امتدت طوال سنوات النكبة الماضية أي طوال فترة صراعنا مع عدونا ، بوضح الدكتور حمدان طبيعة الشخصية المصرية التي صقلتها عوامل البيئة مياه النيل والتربة مع العمق التاريخي والاجتماعي، لدرجة جعلت من الشعب المصري شعبا غير قابلا للانصهار أو الذوبان في مجتمعات أخرى على الرغم من أن مصر تعرضت للكثير من الغزوات على مر التاريخ، إلا أن شخصية مصر بموقعها ومكانتها ظلت باقية عبر التاريخ حني أن السحنة المصرية واقصد التشريحية منها، ما زالت ماثلة منذ زمن الفراعنة وحتى الآن في كثير من أنحاء مصر وفي قطاعات واسعة من الشعب المصري .

هذا التجذر هو الذي يجعل المواطن المصري يشعر بوطنيته واعتزازه بمصر ، لذا تجد أن الشعب المصري مجرد أن يستمع إلى كلمة قائد أو أي وسيلة إعلامية تشير إلى وجه عداء أو انتقاد لجهة ما تجدهم جميعا على قلب رجل واحد يقول نعم حتى بدون تأمل أو دراسة ، هذا ناتج لحبهم بلدهم ومحاولتهم الحفاظ عليها ، هنا انأ لا ابرر موقف العديد من أبناء مصر تجاه ابناه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة نظرا للظروف الطارئة التي نعيش فيها ، إنما أقوم بمحاولة تشخيص واقعنا من خلال استعراض ما يمكن الاستفادة منه .

السؤال الآن هل ينطبق ما كان ويكون في مصر علينا أي على الشعب الفلسطيني ، على الرغم من تقارب البيئة الجغرافية بين الجهتين ، تقارب البعد التاريخي والحضاري ، تقارب البعد الثقافي والاجتماعي ، إذا تأملنا أكثر نجد أنفسنا قبل النكبة ربما نتميز بشخصية واضحة على اعتبار أننا جزء من بلاد الشام وفلسطين جزء من بلاد الشام ، ونعيش على ارض واحدة هي ارض فلسطين التي توارثنا الحياة فيها عن الآباء والأجداد ، بعد النكبة تغير الحال بعد أن نجح أعداؤنا في غفلة من الزمن ولا أقول نتيجة لظروف سياسية وعسكرية واقتصادية سائدة تجسدت في مؤامرات حيكت بليل ، تشتت الفلسطينيون في المنافي وفي المخيمات وفي إرجاء المعمورة ، في مخيمات اللجوء خاصة في لبنان رأيت ذات مرة بعد أن أتيحت لي زيارة هذه المخيمات مدى الشوق والحنين في عيونهم التي ترنو إلى فلسطين ، ومعظمهم يبيت ليلته وهو يحلم بالعودة ، وبالتأكيد هو حال اللاجئين الفلسطينيين في سوريا على الأقل في هذه الظروف يتمنون اللحظة التي تحط فيها إقدامهم تراب فلسطين ، وهذه مجرد تمنيات لكن الظروف اليومية تطحنهم ساعة بساعة وتجعل من مسالة التفكير بفلسطين امرأ ثانويا ، أمام آلة القتل والتجويع والتشريد ، أما باقي الفلسطينيين فقد حاول الكثير منهم الاندماج في المجتمعات التي وجدوا أنفسهم يعيشون فيها ، واكتسبوا من ثقافاتها وعاداتها وسرقتهم الحياة اليومية ولم يتبق من فلسطين عندهم إلا الاسم يحتفظون به في ذاكرتهم ، بل يتجه الكثير إلى محاولة مجاراة ما يجري في كل البلدان التي يعيشون فيها ، كنت اجلس مع العديد من الأصدقاء التقينا بهم في العديد من البلاد العربية ، نتحدث كفلسطينيين نتناول همومنا وقضيتنا ، والغريب أن الشخص من اؤلئك كان يتحدث حول البلد الذي يقيم فيه وكأنها بلدة ، لا يتحدث كأنه ضيف وله بلد يتمنى العودة إليه ، اعني انه أصبح لديه شبه انتماء كامل لهذا البلد أنا لا أنكر عليه هذا ولكن مقصد القول أن القاسم المشترك بين الفلسطينيين في الشتات هو المعاناة التي يواجهونها من الأنظمة تارة ومن الشعوب المضيفة تارة نتيجة ما يجتاح هذه الشعوب من تيارات فكرية وعقائدية مختلفة ، وما زالوا اسري لسياسات البلد المضيف .

هذا التشتت الفلسطيني جعل الفلسطينيين في الشتات متنوعي الثقافات حسب ثقافة البلدات التي يعيشون فيها ، وتعددت اللهجات لهجات نفس البلاد ، وتعدد التطلعات لدرجة أصبح فيها من يرغب ويتمنى حصوله على جنسية هذا البلد حتى يتمتع بحقوق المواطنة فيها أسوة ببقية سكانها ، وربما هذا ما يفسر لنا تهافت عشرات الآلاف من الفلسطينيين على الحصول على الجنسية المصرية اغتناما لفرصة العلاقة الاجتماعية الحاصلة من زواج العديد من الفلسطينيين من مصريات وبالعكس ، الجزء الباقي من الشعب الفلسطيني هو من بقي داخل فلسطين سواء في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية ، أو داخل إسرائيل وهم الفلسطينيين الذي تمسكوا بأرضهم ولم يغادروا ، هذا الجزء من الشعب الفلسطيني هؤلاء هم من يقع عليه كاهل فلسطين وارض فلسطين وتاريخ فلسطين والحفاظ على شخصية فلسطين .

والسؤال الآن هل ما نراه الآن من مشهد فلسطيني على الأرض الفلسطينية في جزء منها يعتبر فلسطينيا خالصا وهو قطاع غزة ، حيث الأرض والسكان ، أما في الجزء الآخر فهناك مزاحمة مدعومة بالقوة العسكرية الغاشمة من قبل اغداد متزايدة من المستوطنين الإسرائيليين الذين حاصروا بمستوطناتهم كل مدينة وقرية في الضفة الغربية ، ومع ذلك يمكن القول أن الفلسطينيون باقون على أرضهم ، هل يمكن تدعيم وترسيخ الشخصية الفلسطينية أي حمايتها من الذبول أو الذوبان وبالتالي تفكك الذات الفلسطينية .

اعتقد أن هناك تخوف ما حدث من عمليات استقطاب سياسي حاد ، وما انعكس هذا الاستقطاب من حرمان العديد من أبناء الشعب من حقوقهم كمواطنين أبناء لهذا البلد ، حيث أصبحت الكثير من الأمور تقاس بمعيار الانتماء الحزبي والفصائلي ، الوظيفة العمومية ، الخدمات ، المنح الدراسية ، العمل ، حتى المساعدات الإنسانية ، في الوقت التي انغمست فيه الفصائل والأحزاب في ترسيخ تموضعها دون الالتفات إلى المصالح الحقيقة للمواطن الذي يطحن الآن في خلاط الحياة اليومية ومعاناتها ، كيف يمكن للمواطن أن يحافظ على وطنيته والآفاق موصدة أمامه ، فمن حق هذا المواطن أن يشعر انه يعيش على أرضة أسوة بكل بني البشر على سطح هذه الأرض ، من حقه أن يعمل ، من حقه أن يسكن ، من حقه التعليم له ولابنائة ، من حقه العلاج ، من حقه أن يقول راية ، تماما كما يطالب بأداء ما عاليه من واجب وطني من العمل على حماية هذا الوطن ، تسديد ما عليه من مستحقات ضريبية وغيرها ، من واجبة إتقان عمله وزيادة الإنتاج ، والمحافظة على الممتلكات العامة الخ من واجبات .

في النهاية أقول حافظوا على ما تبقى من فلسطينيين ، حافظوا على فلسطينيتنا ، حافظوا على ذاتنا . فلسطين أهم من كل الفصائل والأحزاب فهي وجودنا وحياتنا فحافظوا على وجودنا وحياتنا .

أكرم أبو عمرو

غزة- فلسطين

16/2/2014

المصدر: غزة - وكالة قدس نت للأنباء -