على الرغم من الاجواء الايجابية و بادرات حسن النية التي اتخذتها "حماس" لتقريب وجهات النظر للوصول للمصالحة، إلا أنها ما زالت تتخذ خطوات تعمق الانقسام، وتنظر الى قطاع غزة على انه كيان مستقل وتعزز انفصال غزة عن ما تبقى من وطن.
غير مفهوم لي على الاقل موقف "حماس" وتصرفها في هذا الوقت الصعب الذي تمر به وتفاؤل الناس بالمصالحة والمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، و اعتراضها على مناهج مادة حقوق الانسان الذي اقرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا". وتم تجميدها بعد الخلاف الذي برز بين "اونروا" وحكومة "حماس"، وبعد خلاف عدة ايام تم الاتفاق على تجميد تدريس مناهج حقوق الإنسان غير المرخصة وفقا لما ذكرته الوزارة.
اعتراض "حماس" جاء على لسان وزير التربية والتعليم اسامة المزيني في بيان له على الموقع الالكتروني للوزارة قال فيه: "ان المناهج تجاهلت نكبة الشعب الفلسطيني ومسح ثقافة حق العودة وترسيخ ثقافة المقاومة السلمية والخنوع كوسيلة لاسترداد الحقوق، و تحتوي على مغالطات مشوهة و التركيز على اسماء شخصيات غربية تدافع عن حقوق الانسان، ولا تشير الى شخصيات عربية وإسلامية وفلسطينية، وان هذه المناهج تتحدث عن معارك وحروب ونزاعات دولية تم فيها انتهاك حقوق الانسان".
ليست هذه المرة الاولى التي تختلف فيها حكومة حماس مع " اونروا"، واتهامها "بتغير المناهج من دون التشاور معها وانها "تجاوزت القوانين والأعراف المتبعة"، واعترضت اكثر من مرة على قضايا مختلفة كان اخرها الاعتراض على تدريس مادة حقوق الانسان، التي اقرتها.
فهل حماس ترى ان التاريخ يتوقف عند حكمها لقطاع غزة، ومحاولة منها عزل الناس في قطاع غزة عن العالم؟ ومنعهم من الاستفادة من الثقافات والتجارب الاخرى التي مرت بها شعوب العالم في التحرر من الاستعمار والاستعباد، وكأنها تعيش في كوكب اخر عن العالم، فالناس من دون تجارب الاخرين لن تتقدم ولن تزدهر، وتاريخ العالم هو تاريخنا وهذه نماذج تاريخية، لا يمكن لأي كان ان يعزلنا عنها.
فالشخصيات العالمية التي ناضلت من اجل تحرير شعوبها لن تعد حكرا لشعوبها، بل هي شخصيات عالمية تركت افكارها وتجاربها وأثرت في البشرية، فكيف ستستطيع حكومة حماس عزل الناس عن قراءة افكار غاندي ومارتن لوثر كنج ونليسون ما نديلا، وما قاموا به خدمة البشرية وشعوبهم، ودراسة تجربة وانتفاضات شعب جنوب افريقيا في النضال ضد نظام الفصل العنصري، بعد أن اصبح الكون قرية صغيرة والتطور الهائل في تكنولوجيا الاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي.
غاب عن ذهن حماس ايضا أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين الذي تعلموا في فلسطين وخارجها بما فيهم الفلسطينيين الذين يعيشوا في اسرائيل لم تستطع اسرائيل أن تغير قناعاتهم تجاه قضيتهم الوطنية، وبرز وما زال منهم شخصيات فلسطينية مؤثرة في التاريخ الفلسطيني وعلى المستوى الدولي.
كما ان المعلمين في "اونروا" هم فلسطينيون، وعدد ليس قليل منهم ينتمون فكريا وسياسيا لحركة حماس، ومن وضعوا المناهج هم ايضاُ فلسطينيين مسلمين، وعدد منهم اصحاب خلفيات اسلامية، ولا ننسى أن المعلمين مدربين وأصحاب خبرة كبيرة وثقافة واسعة في تدريس مادة حقوق الانسان، ولديهم القدرة في التأثير على توجهات الطلاب وتدريسها بما يتوافق مع ثقافتنا الوطنية.
اما الاعتراض بهذا الشكل والحديث عن "إسراف في الحديث عن ويلات الحروب، وآثارها السلبية" فهو غير مجد وغير مقنع، فالشعب الفلسطيني يناضل ضد الاحتلال بكافة الوسائل المتاحة والمقرة دوليا، والمقاومة السلمية والشعبية هي جزء اصيل من نضال الفلسطينيين، وأي مناهج تعليمية لن تغير من قناعات الفلسطينيين.
حتى الاعتراضات التي قدمتها حكومة حماس وقالت أنه مخالفات دينية فهي غير دقيقة، و اذا ما تم التدقيق في المناهج ونشر الاعلان العالمي لحقوق الانسان، فقد قامت "اونروا" بكتابة ملاحظة في نهاية الكتاب قالت فيها، "ان دولا إسلامية و عربية سجلت تحفظا على المادتين 16 و 18 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان وعلى المعلم توضيح ذلك لطلابه".
وحتى لو كانت اعتراضات حماس صحيحة فليس من حقها ان تفرض على الوكالة تجميد مادة حقوق الانسان، ووافقت عليها السلطة الفلسطينية وهي المسؤولة عن المناهج. ومع ذلك تم تجميد مادة حقوق الانسان استجابة لضغط حماس، و مر الاتفاق بين حكومة حماس و "اونروا"، من دون أي ضجيج في الصحافة الفلسطينية التي نشرت الخبر كأي خبر من تلك الاخبار العابرة التي تسمم افكارنا وحياتنا اليومية.
ومن دون تعليق او انتقاد من الفصائل الفلسطينية، ولم يلتفت أي من مؤسسات المجتمع الفلسطيني، وقيام حماس اجبار الوكالة على التعامل معها بوصفها سلطة مستقلة لها الحق في ترخيص المناهج وإقرارها، كما مرت عشرات القوانين التي سنتها كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي، وإقرار قانون التعليم، ووضع منهج التربية الوطنية للمرحلة الاساسية العليا. كما لم يتم مناقشة موضوع تجميد مادة حقوق الانسان على المستوى السياسي بين حركتي "فتح" و"حماس" اثناء زيارة وفد "فتح" الى قطاع غزة، وكأن الموضوع لا يهم مستقبل وثقافة ربع مليون طالب وطالبة في غزة.
الفلسطينيون مشغولون بإثارة الخلافات والجدل في كل امورهم وقضاياهم، من دون الاتفاق او حتى الالتفات الي أي منها ومناقشتها او التصدي لها بجدية، والوقوف في وجه ما يتعارض مع مصالحهم، كما يجري مع خطة كيري والصراخ الذي يملئ الدنيا من دون ان نرى خطوة واحدة على الارض لمواجهتها.
22/2/2014
[email protected]
mustaf2.wordpress.com