بداية نقول بأنه ثمة الكثير من التطورات المتسارعة والمتلاحقة والمتغيرات على صعيد الأزمة السورية بعد فشل الجولة الثانية من مفاوضات جنيف (2)،وإنغلاق أفق الحل السياسي وعدم تدحرجه الى الأمام في هذه الجولة،وهناك مجموعة من الإستحقاقات في هذا الجانب،ستتوقف نتائجها على ما تؤول اليه وعليه التطورات العسكرية،وبالتالي رسمها لجدول اعمال جنيف(3) وما ستكون عليه عناوينه واولوياته،إما التسليم الكامل بأن يكون الجدول هو الحرب على الإرهاب وهو السيناريو الأكثر حظاً،أو ان يكون تطورات عاصفة ودراماتيكية وغير متوقعة تجبر النظام على تقديم تنازلات فيما يتعلق بالفترة الإنتقالية على الرغم من ان الوقائع والحقائق على الأرض تجعل نصيب هذا الخيار تقارب الصفر،فمن هذه التطورات والتغيرات المتسارعة العربية والإقليمية والدولية المتصلة والمرتبطة بالأزمة السورية، تخلي فريق الرابع عشر من آذار عن حكومة الأمر الواقع في لبنان والقبول بالحكومة الجامعة مع حزب الله،إستمرار مسلسل التفجيرات والأعمال الإرهابية في الضاحية الجنوبية وبئر حسن،رحيل بندر ونهاية الحقبة الذهبية السعودية في قيادة العالم العربي والمنطقة،وحلول محمد بن نايف بدلاً منه،حيث فشل بندر في تحقيق انتصارات وإنجازات لصالح ما يسمى بقوى المعارضة،رغم كل الدعم العسكري والمالي واللوجستي والأمني والسياسي الكبير والواسع لتلك القوى،وهذه جعله كبش فداء لذلك الفشل،وعودة الروح للعلاقات الأمريكية - السعودية وزيارة اوباما للسعودية والقمة العربية القادمة في الكويت،والضغوط الكبيرة الممارسة سعودياً وأمريكياً على الأردن للتورط في الأزمة السورية بشكل مباشر وعلني،والأحداث والتطورات المتسارعة في اوكرانيا.
اما التطورات على الصعيد الداخلي والمباشر للأزمة السورية،فهي حدوث مصالحات سورية - سورية داخلية بين النظام وقوى معارضه وطنية وعلمانية،تصدعات وإنهيارات وانشقاقات في قيادة جيش وجماعات المعارضة،الحديث عن مناطق حظر جوي وشريط عازل فوق الأراضي السورية(جيش لحد) وتسخين جبهة درعا - القنيطرة،الحسم العسكري في معركة القلمون،والتي على مسارها ونتائجها سيتحدد جدول أعمال مؤتمر جنيف(3)،اجتماعات ولقاءات عسكرية سعودية وامريكية وفرنسية واسرائيلية،تسليح ودعم ما يسمى بقوى المعارضة بأسلحة حديثة ونوعية بما فيها دفاع جوي ومدرعات ودبابات،غرف عمليات مشتركة فوق الأراضي الأردنية،تهديد النظام في عاصمته دمشق.
هناك مسلمة يجب الإتفاق حولها بأن مسار الأزمة السورية،لن يكون رهناً بما تتمخض عنه نتائج التفاوض السوري- السوري في جنيف،ولا بالدعم الخليجي المفتوح لقوى ما يسمى بالمعارضة،بل هذا له إرتباط كبير بالصراع بين أمريكا والغرب مع روسيا،والصراع الإيراني- السعودي على القيادة والنفوذ في المنطقة،والبعض قد يقول ما علاقة ما يحدث في أوكرانيا بالأزمة،ففي كلا الحالتين أمريكا والغرب محركين للأزمة في تلك البلدين،وتلك البلدين يعتبران بمثابة امن قومي لروسيا،وبالتالي لن تقبل بالتنازل او المقايضة لمصالحها في أي من البلدين،فأوكرانيا مجال حيوي لروسيا لمواجهة قواعد الدرع الصارخي لحلف شمال الأطلسي في رومانيا وبولندا وكذلك رادارات الحلف في تركيا،وسوريا هي المنفذ الروسي على شاطىء البحر البيض المتوسط،وكذلك لتواجدها على حدود تركيا،ولذلك من المستبعد ان تقايض روسيا بسوريا او أوكرانيا لكونها قضايا امن قومي من الدرجة الأولى،وهي ردت على التصعيد الأمريكي بتسليح المعارضة السورية بأسلحة حديثة والحديث عن مناطق حظر جوي وشريط حدودي عازل(قوات لحد) بأن قالت بانها ستقدم كل الدعم العسكري وحتى الإقتصادي لسوريا،وكذلك فعلت في اكرانيا دعم عسكري واقتصادي ومارست تأثيرها على البرلمان الأوكراني لإقالة الرئيس الأوكراني.
واضح بأن هدف أمريكيا وحلفائها في سوريا وأوكرانيا هو عملية التقسيم خدمة لمصالحها الإستراتيجية هي وحلف شمال الأطلسي في اوكرانيا،هي واسرائيل والعثمانيين الجدد ومشيخات النفط في سوريا،ولكن التطورات في كلا البلدين تؤشران على ان روسيا تبدي حزماً وصلابة غير مسبوقة،وهي ترى بان حليفها الأسد يحقق إنجازات ميدانية وسياسية معاً،ولذلك هي ترفع من سقف مطالبها وتحديها،وأمريكا على قناعة بأن حلفائها الإقليميين والدوليين في تركيا والخليج ولبنان غير قادرين على تحقيق إنجازات نوعية،وإن عمليات التحشيد والتسخين لجبهة درعا –القنيطرة،والعودة للحديث عن الخيار العسكري والتدخل المباشر هناك،نتائجه غير مضمونه وخصوصاً ان ما يسمى بقوى المعارضة المرتبطة بالسعودية وتركيا وقطر وغيرها قامت باكثر من حملة عسكرية على النظام السوري من اجل إختراق دفاعاته وتحقيق إنجازات عسكرية على الأرض،ولكن كانت النتيجة المزيد من الهزائم العسكرية لها،والتقدم لقوات النظام على الأرض،واليوم في ظل ما انجزه النظام من تحقيق مصالحات سورية مع قوى معارضة في اكثر من منطقة،وتصدع وتشقق وإنهيار وإقتتال قوى ما يسمى بالقوى المعارضة،الجماعات التكفيرية والإرهابية بمسمياتها المختلفة،وتراجع البيئة الحاضنة لتلك الجماعات في الداخل السوري،حيث باتت مكشوفة الأهداف أمام الجماهير التي خدعت بها،فقد أصبحت تدرك بأن تلك الجماعات تريد مصالحها والغنائم وافمتيازات،وليس لها علاقة لا بحرية ولا ديمقراطية ولا تحسين ظروف وشروط حياة الشعب السوري.
فإن الحديث عن تسخين جبهة درعا - القنيطرة وتسليح تلك الجماعات،لن يخيف النظام السوري،فهو سيستمر هو وحزب الله في خيار الحسم العسكري في معركة القلمون،فهي المعركة الفاصلة في الأزمة السورية،والتي أتوقع ان تحسم لصالح النظام السوري حزب الله،وبالتالي تجعل الطريق للحل السياسي للأزمة السورية ممكناً،حل يتم التوافق عليه بين روسيا وامريكا،يشمل اكثر من ملف من اوكرانيا الى الملف النووي الإيراني فسوريا،بحيث يعقد جنيف (3) بجدول أعمال يحدد محاربة الإرهاب كبند اول على جدول اعماله،وهذا التفاهم يمهد لزيارة اوباما الى السعودية،بحيث يعقد جنيف(3) بمشاركة ايرانية وسعودية،بعد ان تكون السعودية قد استوعبت الدرس جيداً،بان عليها التسليم بإيران كقوة إقليمية لها مصالحها ونفوذها في المنطقة،وان سوريا لن تقسم وتكون تحت سيطرة جماعات إرهابية وتكفيرية،بل سيتم الإحتكام الى الشعب السوري في إنتخابات سيخوضها ويترشح لها الأسد،فالسعودية قبل بندر لن تكون هي السعودية بعد بندر.
القدس- فلسطين
22/2/2014
0524533879
[email protected]