المقاومة الفلسطينية ونموذج جنوب أفريقيا

تعتبر التجربة النضالية في جنوب أفريقيا حالة نادرة ، ومميزة عن تجارب الحروب والصراعات الاخرى بين الدول ، لبروز النضال المدني والوعي والإدراك الجماهيري في مواجهة النظام العنصري الذي اتسم بالصلف والعنف ضد الافارقة السود .

 حققت أساليب التظاهر والإضراب والمقاطعة نجاحا واسعا مع تزايد مشاركة قطاعات أخرى مع المجتمع المدني في مواجهة التطرف والإجرام العنصري وما نتج عنه من قوانين وتشريعات تنقص من حرياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية ، ومدى تمسك قوى وحركات التحرر بأساليب المقاومة اللاعنفية في مواجهة النظام العنصري.

  لنتقل للضفة الثانية من نهر المقاومة والتضحيات على مر القرون والعصور حيث فلسطين ومدى سعي الفلسطينيين في التنوع والابتكار بأسلوب المقاومة بكافة أشكالها ، لدحر هذا المحتل عن أرض الاسراء والمعراج  ، ولجم وكبح  وقطع هذه النبتة الخبيثة الذي تحاول أن تثبت جذوها وتنموا فروعها على كافة أصقاع فلسطين ، لكن الفلسطينيين لهم بالمرصاد حيث  يتجهون بصورة متزايدة نحو نموذج جنوب أفريقيا القائم على المقاومة الشعبية في الداخل والدعوة إلى مقاطعة دولة "إسرائيل" في الخارج .

لنرجع إلى الخلف قليلا لنذكر ما حققته المقاومة الشعبية والتحركات المدنية الفلسطينية الذي أبدت بها بعض أهالي القرى والبلدات نجاحاً كبيراً يوازي نجاح حركات وقوى التحرر في جنوب أفريقيا ،  فقد أفشل أهالي قرية بتير الواقعة جنوب غربي القدس المحتلة خلال عامي 1947- 1949، المخططات الصهيونية لتهجيرهم من قريتهم، وذلك عندما استخدموا أساليب المقاومة المدنية بإشعار الصهاينة بكثرة سكان القرية من خلال إشعال الأنوار وتكثيف حركة السكان وخلق ضوضاء وإظهار المعاناة أمام اللجنة الدولية للصليب الأحمر .

 سرعان ما أثمرت هذه النقلة النوعية في المقاومة الشعبية ضد الغطرسة الصهيونية التي لا تصغى لقرارات زعماء الدول العربية والأوربية وما تقره المنظمات الدولية ، خلال همم وجهود الناشطون الفلسطينيون المتنامية من المقاومة الشعبية السلمية الذي بدأت بقرية بلعين الصغيرة عام 2004 إلى أن امتدت لعدد كبير من القرى والتجمعات الفلسطينية المحتلة ، لتقى صدى واهتمام أكثر لدى الشباب والسياسيين والوزراء والقادة الفلسطينيين عبر تكثيف الجهود بإقامة قرى وأحياء مهددة بالمصادرة وتهجير ساكنيها ، لتنضم إلى دائرة المقاومة الشعبية منظمات دولية من الأكاديميين والنشطاء الأجانب لمقاطعة "إسرائيل" ، لتحلق هذه المقاومة بالأفق وتلقى استجابة مؤسسات أكاديمية واقتصادية وسياسية ونقابية حول العالم دعواتها لمقاطعة المستوطنات ومنتجاتها والمؤسسات الإسرائيلية.

لا ننسى عندما بدأت المحاولات الفلسطينية على جميع المستويات الشعبية والرسمية والتنظيمية منذ بدء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي لتبني خيار المقاومة المدنية لا تتخطى إطار الدعوات والنداءات، لتطبيق أساليبها بالمقاطعة والعصيان ، لتجني ثمارها اليوم عندما بينت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية ظهور تراجع كبير في صادرات المستوطنات من المنتجات الزراعية العام الماضي بنسبة 50%  والصناعية والتجارية بنسبة 14% .

حتى إن قوى التحرر وفصائل المقاومة الفلسطينية في حال التهدئة مع العدو الصهيوني ، تهرع إلى المقاومة الشعبية خلال الفعاليات والمهرجانات والمسيرات لتعبر عن رفضها لمخططات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي لكي تستحوذ وتجلب تعاطف العالم مع الشعب الفلسطيني المكلوب .

المصدر: غزة _ وكالة قدس نت للأنباء -