صور.. قطع أثرية لسبع حضارات يجمعها فلسطيني بثلاثة عقود!

داخل سرادق أو ما يُسمه البعض "قبو" أو "بدروم" تحت الأرض، وجد المواطن مروان شهوان "46 عامًا" من سكان محافظة خان يونس جنوب قطاع غزة، ضالته ليضع بها نحو "10ألاف قطعة أثرية" تعود لنحو سبع حاضرات، ويزيد تاريخها عن 4 ألاف عام.

ولتجد طريقك نحو القبو الذي تحول لمتحفٍ أثري فريد من نوعه، لا بد أن تنزل 10 دراجات خرسانية تمتد لنحو10 أمتار تحت سطح الأرض افترشت بسجادة قديمة، ويحيط من حولها تماثيل منحوتة وقطع حجارة أثرية تعود لعصور مختلفة.

أربعة جدران قديمة متهالكة تفوح منها رائحة الماضي، تحيط بمساحة لا تزيد عن 150مترًا، وآلاف القطع الأثرية تزاحمت فوق بعضها البعض، وبعضها لم يجد لها مكان، هذا أبسط وصف للقبو الذي حوله شهوان لمتحف أثري غني بتلك القطع التي، تختصر ألاف السنوات.

وبدأت حكاية شهوان مع جمع الآثار قبل نحو "ثلاثة عقود" عندما كان شابًا وذهب للتجول بسوق المحافظة، فوجد قطعة أثرية تباع بالسوق، فقام بشرائها، لينطلق بعدها للبحث عن أي قطعة أثرية ليشتريها، بجانب الذهاب لأماكن التنقيب وجمع القطع التي يتم العثور عليها.

وما إنّ مرت العقود الثلاثة، حتى وجد نفسه وقد جمع ألاف القطع الثمينة التي تمكنه من إقامة متحف فريد ومميز من نوعه على مستوى فلسطين، سيتحول لمحط إعجاب يزوره الكثير من الهواة والباحثين والسائحين، بجانب دعمه حكوميًا ومن وزارة السياحة والثقافة.

تحول المتحف لمزار والدعم معنويًا وماليًا لإنشاء متحف، كانت مجرد أحلام لشهوان، لكن سرعان ما تبخرت، فلا وزارة سياحة تعتني أو حكومة ترعى، ولا سائحين أو حتى أحد من سكان غزة يعلم عن مكانه إلا القليل، لتتزاحم تلك القطع فوق بعضها البعض داخل القبو "بدروم" يعود لأقربائه.

المتحف ومحتوياته

ولم يترك شهوان قطعة أثرية متعلقة بالماضي سواء بالعصر" البيزنطي، الفرعوني، التركي، الروماني، الإغريقي .."، إلا وجمعها، حتى أنه جمع قطعًا أثرية تعود لعهد الإدارة المصرية التي كانت تحكم في فترة من القرن الماضي الأراضي الفلسطينية.

"هدايا، تماثيل (معدنية )، أواني فخارية، عتاد عسكرية (سيوف، رماح، ملابس، منجنيق، إطارات مدافع وطائرات..)، عظام (ديناصور)، جسور، حمام ملكي، أوني فخارية ومعدنية..، أدوات الفلاح والنجار والحداد، ملابس نسائية، حُلي المرأة، نياشين عسكرية..، وغيرها الكثير من القطع يضمها المتحف".

ما أن تطأ قدماك المتحف تقع عينيك على جسر حديدي عثماني علق بالسقف نقش عليه "من خيرات أمير المؤمنين السلطان الغازي الثاني عز نصره"، ويسجل مناسبة لافتتاح سكة حديد ربطت غزة بالحجاز، تستحضر تاريخًا مجيدًا لهذه المدينة وكيف كانت أمور السفر والتنقل متيسرة منها إلى العالم.

ولدى الدخول للمتحف يقابلك محراث زراعي نادر ومحاريث أخرى يدوية الصنع عرفها المزارع الفلسطيني، وفخاخ لصيد الطيور، وجرة معدنية يدوية الصنع لحفظ الدواء، وبجوارها الفراش العربي القديم علقت من حوله البكارج والأباريق الفخارية والمعدنية.

ويضم المتحف جناحًا خصص للتراث الفلسطيني وضعت فيه الملبوسات الفلسطينية القديمة وفراش وأثاث وأبسطة وأغطية كانت تستخدم في المجالس والبيوت، إضافة إلى نماذج لملابس الرجل الفلسطيني الذي يتمثل بالعباءة والقمباز والكوفية والعقال والعصا المصنوعة من أغصان الأشجار.

تشتم رائحة الماضي

ومن الأجنحة المتميزة المخصصة للوسائل القتالية القديمة، والذي شمل طبول الحرب وقذائف المنجنيق الصخرية كروية الشكل، والرماح والسيوف والدروع والألغام، إضافة إلى أسلحة وصناديق رصاص تعود لفترة الاحتلال البريطاني والعثماني، والتي تم عرضها بطريقة تأخذك عبر التاريخ مئات السنين للخلف.

وعلى أرفرف خشبية حملت أواني نحاسية نادرة وأباريق وبكارج قهوة وأسرجة زيتية للإضاءة وتحف متنوعة وغلايين التدخين وأدوات الحلاقة القديمة ومكاييل الوزن النحاسية وربع صاع كتب عليه "مد نبوي" وهو يعود إلى العهد الإسلامي.

وعلى أرضية جزء من القبو "المتحف" وضع شهوان أجزاء من غرفة لملك روماني نقشت صورته على قطعة منها، وقطع أخرى من بلاط حمام ملكي يعود للعهد الروماني، بجانب قطع فخارية ومعدنية ونحاسية أخرى تعود لنفس العصر.

وفي كل زاوية من زوايا المتحف تشتم عبق التاريخ الفلسطيني، فالقسم الخاص بالآلات الموسيقية يضم العديد من المقتنيات الخشبية التي استخدمت قديماً في الأفراح والمناسبات مثل "أدوات العزف الموسيقي كاليرغول والشبابة والربابة"، بجانب راديو وتلفاز صنعا من جلد الحية.

وبجوار أعمدة القبو التي تتوسط المتحف، وجد شهوان مكانًا ليضع فيع مطاحن صخرية للحبوب، وأحواض غطس للأطفال ومسامير حديدية طويلة كانت تستخدم في صناعة السفن، وقطع برنزية ونحاسي، علاوة على أدوات منزلية كـ"الرحى والكانون وفرن الطابون وأوانٍ نحاسية وفخارية تعود إلى ما قبل 100 سنة".

واللافت للمتجول بالمتحف أن شهوان نجح لأول مرة في شيءٍ فريد من نوعه، أعطى لمتحفه صبغة مميزة، جمع معظم العملات القديمة الورقية والمعدنية، وأول عملة بالتاريخ استخدمها الإنسان وهي على شاكلة "زلف بحر"، ووضع تلك العملات في أوانيٍ معدنية، وبعضه خبأه داخل أواني مغلقة.

وازدحمت الآلاف من القطع النحاسية والصخرية والجلدية والتراثية وطيور فوق بعضها البعض لضيق المساحة، ووضعت فوق قطعٍ فخارية وحجارة، ثعالب محنطة، وبجوارها مكن خياطة قديمة ومناشير وسلحفاة كبيرة الحجم وبوصلة لتحديد الاتجاهات.

كما يحتفظ بالنسخ الأولى للعديد من الصحف كـ "صحيفة فلسطين، القدس، الأهرام، والشرق الأوسط.."، بجانب لوحاتٍ فنية لفنانين رسمت قديمًا بعضها يزيد عن 80 عامًا، ولا يمكن حصر عدد القطع وأنواعها وتاريخها وأسمائها لكثرتها، وضيق المكان جعله يحتفظ بكثير من القطع بمنزل ولا يأتي بها للمتحف.

طموح مستقبلي

ويقف شهوان خلف "باترينة" من الخشب مغطاة بالزجاج" مليئة بالقطع الأثرية والحُلي والهدايا والتماثيل المعدنية الصغيرة، معبرًا عن عشقه وفخره لمهمة البحث عن الآثار وما جمعه من قطع، لكنه يشتكي من قلة الاهتمام به من قبل الجهات المختصة خاصة وزارتي السياحة والثقافة.

ويشير إلى أنه شارك في العديد من المعارض المحلية التي نظمتها وزارة السياحة والآثار، وحصل على العديد من الشهادات التكريمية لحرصه على حفظ التراث الفلسطيني من الاندثار، مبديًا أمله أن يجد دعماً لتكبير المتحف وإيجاد مكان أكثر ملائمة له.

وزار المتحف العديد من الوفود الأجنبية والباحثين والزوار العاديين، لكنه على الرغم من ذلك لم يأخذ حقه بحجم ما يوجد بداخله من قطع_حسب شهوان_، متمنيًا أن يصبح له متحف خاص به، يتحول لمزار للسائحين من الداخل والخارج، ليعود بالمنفعة عليه وعلى البلد.

عدسة مراسل "وكالة قدس نت للأنباء": عبد الرحيم الخطيب

المصدر: خان يونس – وكالة قدس نت للأنباء -