خلال أيام القادمة تحتفل النساء في كل إنحاء العالم بعيد المرأة العالمي، الثامن آذار، وبهذه المناسبة يبدأ الجميع بتذكر العنصر الفعال والأصيل في المجتمع - والذي يجسد المجتمع كله-، بما يحمل من مسئوليات وأدوار تؤثر في كل مكونات الحياة، وعند الحديث عن المرأة وحقوقها نجد الكثير يحاولون ربط قضاياها بالبعد الديني، وذلك في محاولة لتقليل من شأنها باعتبارها أقل في الحقوق من الرجل، وهذا من وجهة نظري يعني تعصب وتمييز سلبي لدي المتخلفين باسم الدين، الذين ينظرون للمرأة كتابع ناقص الأهلية وكسلعة أو جسد لمغامرات الرجل، وهذه المحاولات شكلت إحساس عند النساء بأن الدين يشكل عامل تعدي على حقوقهن، فليست كل النساء فقيهات بالدين، فما يقوله المتعصبون من رجال الدين ضد المرأة وحريتها، ومساهماتها هو تظليل وتغييب لها عن الفعل الاجتماعي والإنساني متناسين أهمية المرأة ودورها في الحياة بما تحمل من إمكانيات وقدرات وطاقات مذهلة تمنح المحيطين بها معنى للحياة، ولا تقف مشاكل المرأة وتحدياتها هنا بل تخطت ذلك، فدعاة الحرية والديمقراطية في المجتمعات الحديثة يتحدثون في خطاباتهم عن المرأة باعتبارها شريك بالحياة الاجتماعية والسياسية، ولكن لا يوجد على أرض الواقع أي فعل حقيقي لانصافها، فلو نظرنا لتلك المجتمعات نجد نسب مشاركة المرأة لا ترقي لحجمها في المجتمع، ولا لمهاراتها، فتمثيلها في المواقع الريادية والسياسية لا يذكر، والسبب يعود لكونها امرأة، وليس لأي معايير تتعلق بالكفاءة والقدرة والمهارة، فمازلت نزاعات الذكر تسيطر على ثقافة المجتمعات، برغم خروجها ومحاولاتها لدخول كل الميادين لإثبات ذاتها ومشاركة الرجل في مواجهة صعوبة الحياة ومساندته اقتصادياً في الأسرة، فمساهماتها اليوم كثيرة ومحسوسة في الحياة؛ بما قدمت من انجازات للإنسانية وللعلوم، وللمجتمع باعتبارها المسئول الأول عن التنشئة الاجتماعية لمستقبل المجتمعات وهم الأطفال، فهي من يزرع البذور الأولى للقيم والأخلاق والثقافة، وتمنح الحب وتنشط العاطفة بما تقدم من حنان، وبرغم ذلك ما زال هناك من يحاول أن يبرر تهميشها لأسباب دينية وثقافية غير مقنعة، ليس لها أي أصل بالمرجعيات والكتب الدينية، فلم يكن لحظة الدين يدعو للتمييز، أو إهدار الحقوق لأي عنصر بالمجتمع، فالدين يعزز القيم الأخلاقية والعدالة الاجتماعية ويدعو لإصلاح المجتمعات وخدمة الإنسانية، وهذا لا يتعارض مع إشراك المرأة ومنحها فرصة عادلة في الحياة كالرجل، بما تحمل من إمكانيات تساهم في تنمية المجتمعات وتطورها، فالمجتمعات التي تسعى لتحقيق الرفاة والتقدم والتنمية، عليها منح المرأة حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة السياسية والاجتماعية، كإنسان بغض النظر عن النوع، فذلك سيحقق للمرأة وقضيتها التقدم ويعزز تحررها ويوسع دائرة مساواتها بالرجل.
إلى متى ستظل قضية المرأة مرهونة بمزاج وتوجهات الرجل؟ الواجب اليوم أن نتخطى هذه الفكرة المتخلفة، فالمجتمعات الذكورية قمعية بتركيباتها ويدفع الثمن فيها الفئات المهمشة الضعيفة، والتي تعتبر المرأة في أدنى مستوياتها، فقد تعاملت السياسة الجديدة في المجتمعات العربية مع قضية المرأة بدونية تامة وأدرجتها ضمن محاولات التهميش، في محاولة للبقاء على تابعيتها، وتزامن ذلك تحديداً مع صعود التيارات الدينية للحكم، والتي أثبتت فشلها في أول خطوة احتكاك فعلية بالواقع، ويتجلي ذلك بارتفاع نسب القتل والعنف ضد المرأة في المجتمعات العربية لأسباب عديدة يستغلها عديم الرحمة من الرجال، وتفسر جميعها لعامة الناس بأن القضية تتعلق بالشرف والنشوز، بهدف التستر على جرائم الرجل، ويأتي ذلك بصمت المجتمعات والحكومات ورأفة القضاء، الذي منح المتجبرين فرصة بإسم الشرف لقتل الإنسانية، وتحميل المرأة مسئولية أي سلوك، فقضايا الشرف التي يخرج منها الجاني بمدح مجتمعه أحياناً وبعقوبة مخففه نظراً لان القانون ينص على ذلك، وكأن قضايا الشرف فقط هي تمس المجتمع بفعل النساء لوحدهن والرجال ليسوا طرف بها، فهذا تجني ضد المرأة من الرجل بالخداع، ومن المجتمع بالدونية والرفض، ومن الدولة بحماية الجاني وتخفيف عقابه وتشريع قوانين غير منصفه، وموروثات متخلفة وثقافة بالية تمنح الظالم فرصة ليعمق ظلمه ضد الرقة والعاطفة والإنسانية، فكم يحزن القلب لسماع قتل فتاة لأسباب يكون الرجل الأساس فيها، ولأنها امرأة تقتل ضمن مفهوم العار والدونية الموروثة في ثقافة الرجل الشرقي المتخلف، بهذا المنظور ضاعت حقوق النساء ما بين الموروث من العادات البالية والتفسير الخطأ للديني، فالسلطة الأبوية الذكورية تسعى لتعزيز حقوق الذكر على حساب المرأة ، ولا تقف مسألة تغييب الحقوق للمرأة عند هذا المستوى، فكل الحقوق مكفولة للرجل، كما وضعف المرأة أمام التشريعات وغياب حقوقها وتهميشها كان له دوراً كبيراً في تعزيز قوانين مجحفة بحق المرأة خاصة في المجتمعات العربية، وهذا يحتاج لخطوات عملية لإعادة النظر بشكل فعال بموضوع المرأة وقضاياها، فمن المعيب في ظل الثورات وحالات التحرر اليوم، ورفض كل أشكال الظلم والاستبداد، وفي ظل الربيع العربي، وتقدم المجتمعات في الألفية الثالثة، أن تضيع حقوق والمرأة التي تمثل الأم والأخت والزوجة والرفيقة .... ، وتكون معدمة، لذا من الواجب العمل بالتالي لإنصافها :
- يجب نبذ كل أشكال التمييز أي كان مصدرها دين أو تشريع أو ثقافة تحط من مستوى ومكانة المرأة.
- ضرورة أن ترقى التشريعات والقوانين لتحمي المرأة كشريك وتمنحها حقوق متساوية للرجل، فلها الحق مثله في مجتمعها ودولتها، فيما يتعلق بالمساواة في الحقوق والمواطنة والعدالة.
- ضرورة تكافؤ الفرصة، والعدالة، والتمييز الايجابي لصالح المرأة، ويفترض أن تكون هذه فلسفة المجتمعات العربية الحديثة، وتعمل خططها وبرامجها عليها، لحين إنصاف المرأة بشكل حقيقي وفعلي، في كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية .
إن إنصاف المرأة والوقوف إلى جانبها وتقاسم الحياة معها، يعتبر مقياس حقيقي لمدى مدنية وديمقراطية المجتمع وتقدمه، فتشجيعها وإشراكها بعدالة وفق إمكانياتها ومؤهلاتها يساهم بشكل فعال وكبير في عملية التنمية والتغيير، فالعدالة التي تنادي بها المجتمعات اليوم يجب أن تبدأ بالأفراد والحكومات، وخاصة عقلية وثقافة الرجل، فالأصل أن يكون عادلاً رحيماً في أهله ويرقى بشريكة حياته للأفضل، كما أوصانا رسول الإنسانية محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله" خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي"، فالتأسيس للعدالة يكون بدايته من الأسرة ليتحقق على مستوى المجتمع، فأخطر المسائل ينحصر بأن ندعو لشيء نفتقر له بسلوكنا الشخصي وفي حياتنا، فهذه أول خطوة لتحقيق مجتمع المواطنة والعدالة والعيش الكريم، فإكرام الإنسان متجسد بالمرأة التي هي والأم والأخت والزوجة، يعني حقيقة لا يجوز إنكارها والاستمرار في تهميشها حتى اليوم، وسنظل نتحدث عن المرأة حتى تحقق طموحاتها، وتأخذ فرصتها في الحياة، فالاعتماد عليها كبير وحقوقها مسلوبة، فلا تنتظروا الكثير من المظلوم، ومسلوب الإرادة، فحقها علينا جميعاً أن نكون سند لها وخلفها في كل الأدوار التي تقوم بها فإن نحن بخير فالمرأة سبب في ذلك.
أخيرا انتهز فرصة اقتراب عيد المرأة العالمي وعيد الأم خلال شهر آذار، وأهنئ النساء في كل مكان وأتقدم لهن بجزيل الشكر على ما يقدمن للحياة من جمال وخدمات نشعر بها ونتذكرها كل لحظة، ولو اختفت من حياتنا، لانتهت الحياة فالمرأة كالأكسجين، تنتهي الحياة بغيابها.