ما يجري في فلسطين من تصعيد إسرائيلي دموي والتجرؤ و التغول على الدم الفلسطيني، و هو لكي وعي الفلسطينيين وما يرافقه من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين المتغطرسة خاصة من نتنياهو الذي يقول في كل مرة تسخن فيها المنطقة انه استطاع جلب الهدوء والأمن للإسرائيليين وان قوة الردع الاسرائيلية هي من تفرض هذا الهدوء.
كما ان هذا التصعيد والقتل هو استمرار لحال القتل و الاشتباك والعدوان الاسرائيلي المستمر على الاراضي الفلسطينية منذ عدة سنوات وازدادت وتيرته ووحشيته في منتصف العام 2006، على اثر اختطاف الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط، فالمسؤولين الإسرائيليين لا يخفوا رغبتهم، ولم يتوقفوا يوماً عن التهديد والوعيد بتوجيه ضربات عسكرية مؤلمة لقطاع غزة، وكسر حركة حماس، وتهديد حكمها.
ومع ذلك، هل صحيح أن ما يجري الان من تصعيد محسوب على الأقل من طرف سرايا القدس التي قادته يوم امس الاربعاء 12/3/2014، باسم عملية كسر الصمت ردا على الجرائم الاسرائيلية خلال الفترة السابقة؟ ام هو مقدمة لعدوان اسرائيلي جديد و حرب صغيرة على نار هادئة؟ لا تريدها اسرائيل ولا يريدها أي طرف في قطاع غزة.
وهل صحيح أن الفصائل وفي مقدمتها حركة حماس تدرك أن عليها ضبط النفس والحكمة والحنكة في الردود على الجرائم المستمرة وعدم جرها الى حرب ليست جاهزة لها ولا يحتملها الناس؟ و أن سرايا القدس وفصائل المقاومة قامت وتقوم بردود محسوبة على اختراق اسرائيل التهدئة المبرمة منذ نوفمبر/ تشرين ثاني 2012، حيث غالبا ما تقوم بقصف مناطق غير مأهولة كما تكتفي اسرائيل ايضاً بمهاجمة مواقع غير مأهولة أو تم إخلاؤها.
في إسرائيل يقولون أن حماس تمر بأزمة خطيرة وحكمها مهدد ومع ذلك هي ليست راغبة في انهاء حكم حماس، و تدرك ايضا أن ما يجري في المنطقة خاصة مصر هو يصب في مصلحة إسرائيل وان الاوضاع بالنسبة لها افضل ما كانت عليه قبل ثلاثة اعوام.
فصائل المقاومة وفي مقدمتها حركة حماس بين نارين، نار المطالبات الشعبية المطالبة بالرد على العدوان الإسرائيلي المستمر، ونار الخوف من أن التصعيد الذي ربما يسبب في مقتل إسرائيليين فيقع ما تتمناه إسرائيل لتنفيذ مخططها بشن عدوان ربما يكون اشد قسوة من عدوان العام 2008، و 2012.
الفصائل الفلسطينية التزمت بالتهدئة واتفقت على توافق في آلية الرد على العدوان الإسرائيلي، وان التهدئة ستكون تحت شعار هدوء مقابل هدوء، وان صبر الفصائل في الرد على العدوان والاغتيالات لن يطول وان إسرائيل ستدفع ثمن ذلك غالياً، في حين أن إسرائيل لم تلتزم بالتهدئة، وكانت التصريحات التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الحرب موشي يعلون بان إسرائيل غير معنية بالتصعيد، هي تصريحات تكتيكية تخدم اهداف اسرائيل وهي التي تحدد الرد و آليته وكيفيته.
حماس وفصائل المقاومة ملتزمون بالتهدئة، وبرغم التهديدات التي أطلقتها فصائل المقاومة، وحتى الآن إسرائيل مستمرة في القتل والاغتيالات واستهداف المدنيين، والفصائل تلتزم بضبط النفس مجبرة، وفي حيرة من أمرها، فهل تقوم بالرد في العمق الإسرائيلي على طريقة رد الجهاد الإسلامي قبل عدة اشهر، أم تنتظر تدخل طرف ثالث يلزم إسرائيل بالتهدئة؟ أو بالطريقة التي قامت بها امس؟
وهذا يطرح السؤوال: ماذا نريد من المقاومة؟ وهل هدف المقاومة هو الدفاع عن الفلسطينيين امام الهجمات الاسرائيلية المستمرة؟ وهل المقاومة فقط هي بإطلاق الصواريخ؟ وهل تستمر الفصائل الفلسطينية بضبط النفس، لعدم استفزاز إسرائيل وجرها لشن عدوان جديد يدفع ثمنه المدنيين؟
حتى الآن لا يوجد توافق حقيقي بين الفصائل الفلسطينية على مفهوم التهدئة، وهناك اختلاف كبير فيما بينها على الرغم من ما توصلت إليه من اتفاق وتفاهمات على آلية الرد على التصعيد الإسرائيلي.
المطلوب ليس الاستمرار في بحث وضع آليات لمقاومة الاحتلال، إنما إعادة تقييم الوسائل والأساليب، المطلوب ووضع استراتيجية وطنية لمقاومة الاحتلال وإنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار للمشروع الوطني، وتغليب المصلحة الوطنية، وذلك لا يتم حسب معايير حركتي حماس وفتح، وفرض رؤيتهما وموقفهما على الكل الفلسطيني، بل من خلال التوافق.
ما يجرى في حالنا هو تعبير عن حجم الازمة التي نعيشها جميعا خاصة حركة حماس، ويعبر عن سوء تقدير وتغليب المصلحة الحزبية والمزايدة والمناكفات السياسية وعدم الاتفاق الفلسطيني على آليات وأساليب مقاومة الاحتلال سيزيد من معاناة الناس وتجرؤ اسرائيل اكثر على الدم الفلسطيني وسيسهل من مهمة دولة الاحتلال في استمرار العدوان على قطاع غزة.
عملية كسر الصمت التي نفذتها سرايا القدس هي مستحقة وجاءت ردا على ما تقوم به اسرائيل، ويجب ان تكون كسراً للصمت السائد منذ سنوات الانقسام، وما يجري الآن هو تكرار لحالة مستمرة منذ سنوات والتفرد باتخاذ قرارات مصيرية على جميع الاصعدة باسم الشعب الفلسطيني.
اتمنى كغيري ان لا يكون ذلك تنفيذاً لرغبات بعض منا بالرد وعدم العمل بمبدأ الشراكة، إن تغليب المصلحة الوطنية تتطلب العمل بشكل مشترك وتجنيب شعبنا ويلات الحرب والدمار في وقت نعاني من سوء الحال، و نحن بأمس الحاجة الى توحيد صفوفنا.