مع التقدير لكل الآراء ، والتفهم لحالة الجدل الصاخب التي وصل بعضها حـد الهلوسـة ، فاعتقادي أن ما قاله الرئيس الفلسطيني محمـود عباس أمام اجتمـاع المجلس الثوري لحركة فتـح لم يكن مغامرة ولا مقامرة ... فلم يُعرف عنه طوال مسيرته السياسية المليئة بالألغام ومنذ الجنون الأول للخمسة العِظام أنـه كان يوماً مقامراً أو مغامراً ... كانوا معـاً مخاطرين من طراز رفيع يوم أعطانا جنونهم الحكمة الكبرى وتبعناهـم مع الغالبية من شعبنا في مسيرتهم حتى وصلنا إلى اليوم الذي اصبحنـا نرى فلسطين الأرض والشعب والحقوق على الخارطة الجغرافية والسياسية لكل الدنيا . واليـوم نرى نفس الرجل يًجدد جنونه في مخاطرة جديدة ومحسوبة في زمن ينتشر فيه المقامرون والمغامرون على امتـداد كل الأزقـة والحارات في بلادنا العربية لدرجة يكاد يستحيل على الكثير تفسير هذا التشابك والتقاطع ، ولا رؤية أو فهم الامتدادات للخيوط والمصالح التي تدفعهم للإقدام على هذه المقامرات والمغامرات .
في هذا الزمن المدبب بحدة زواياه الكثيرة ، ورغم كل الإدعاءات عن أسباب ما نراه من التدمير المدروس والنزف الحـاد للدماء في بلادنا ، فلم تكن هذه الإدعاءات رغم الوجاهة لدوافعها من فساد وفقر واستبداد وفوضى إلا سواتر وأدخنة لإخفاء الهدف الحقيقي لما يًـراد الوصول إليـه ... ولم يكن هذا الهدف إلا فلسطين الأرض والشعب والحقوق ... ولم يكن أصحاب هذه الإدعاءات إلا طيوراً توجهـت طوعاً أو بالإكـراه لتحـط على الشجرة الفلسطينية التي بدأت ثمارهـا في النضوج لتقوم بإفساد هذه الثمار إن لم تستطع التهامها... في هذا التوقيت واستعداداً لجني ثمار الشجرة الفلسطينية والتي تجمعّت عليها طيور النهب واففساد اختـار الرئيس الفلسطيني أن يخاطر بإلقاء حجره على هـذه الشجرة ... حجراً لم يستهدف الثمـار ، ولكنه استهدف الطيور لإبعادها إن لم يستطع أصابتها وإسقاطها ، وأعتقـد أنـه سـيفلـح في إصابة بعضها وإبعـاد الكثير منها ، وسيجني هو وسنجني معـه الكثير من الثمـار التي نضجت على شجرتنا الفلسطينية .
حجر الرئيس الفلسطيني كان رسالة موجهة للداخل الفلسطيني وللمحيط الإقليمي والدولي المعني بفلسطين ... واختـار أن يلقيه تحديداً عشية زيارته لواشنطن كواحدة من أهـم الممسكين بالخيوط المتشابكة والمختلطة بالصراعات والتحالفات المتبدلة بين زقاق وزقاق ، وبين حارة وحارة ، وبين دولة ودولة . فالرئيس الفلسطيني ورغم كل ما يقوله عن رغبة الأمريكان في إيجاد حل يرضي الفلسطينيين ( طوعاً أو كراهية ) فهو يعلم ونحن نعلم أن الأمريكان كانوا وما زالوا يراهنون على الزمن علّـه يٌفضي إلى تبدّل في الواقع المستجد لموازين القوى في العالم وفي منطقتنا تحديداً ... ويعرف أن كل ما يريده الأمريكان ( ورثة الصانع لنكبتنا والحامي لمغتصب أرضنا وقاتل أبنائنا ) هو المزيد من الوقت لعل وعسى أن يُفلـح بعض حلفائهم في إنجاز قد يقلل من الخسارة ومن الثمن الواجب دفعه للقوى الجديدة الناهضة الصانعة لتعدد الأقطاب في عالمنا الجديد ... ويعرف أنهم مستعدون لدفع ثمن ما مقابل هذا الوقت ( حتى نهاية العام وانقضاء دورة الانعقاد للجمعية العامة للأمم المتحدة ) ولطبيعة الحالة العربية الراهنة فلن يتردد في إعطائهم هذه الأشهر مشروطة بإطلاق عدد من الأسرى ( كل الأسرى المرضى ) وشبه تجميد ( غير معلن ) للاستيطان لحفظ ماء الوجه للأسطى نتنياهو ... هذا دون التنـازل عن حق استكمال الانضمام للمؤسسات الدولية عند أول خرق خصوصاً تلك التي ترعب الاحتـلال .
واخيراً ... فإن الحجر الذي خاطر الرئيس الفلسطيني بإلقائه على الشجرة الفلسطينية اصاب الكثير من الطيور الواهـمة بإمكانية السطو على ثمارها ... وفتـح الطريق إلى التمـرد الثاني لفلسطين ... تمـرد بدأت تتهيـأ له كل أسباب النجـاح ... اسباب يستطيع قراءتها كل من يدقق في سير الأحداث حولنا وعلى الساحة الدولية و:
حجـر ... صحيـح أنه لن يقلب الطاولـة ولكنـه مـيَّلهـا بشدة
بالســلامـة يا ريّـس