معركة الكرامة 21 آذار 1968م(دروس وعبر)

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس

أفقنا فجر يوم الخميس 21 آذار 1968م، على أنباء تصدي أبطال المقاومة الفلسطينية بقيادة قوات العاصفة وقائدها الرمز الخالد الشهيد ياسر عرفات، لأرتال القوات الصهيونية الغازية التي عبرت يومها نهر الأردن للقضاء على المقاومة الفلسطينية خلال ساعات كما صرح بذلك وزير الحرب والعدوان آن ذاك الأعور موشي ديان، ولكن الفدائيين الفلسطينيين وتلاحمهم مع أسود الجيش العربي الأردني تصدوا بكل بسالة وشرف للقوات الغازية ولقنوها درساً من دروس الحرب التي لا تنسى، ودامت المعركة من الرابعة فجراً إلى السابعة مساءً أي قرابة خمسة عشر ساعة دُمِرَّ فيها العديد من الدروع والدبابات والآليات الغازية وأحترقت تحت نيران المقاومة الباسلة وألغامها البشرية المتفجرة، كما سقط العديد من المظليين الذين ألقى بهم العدو في أرض المعركة في كمائن الفدائيين، وما أن أصبحت الدروع والآليات الإسرائيلية تحت مرمى المدفعية الأردنية، حتى صدرت الأوامر من المرحوم البطل مشهور الحديثه رئيس هيئة الأركان في الجيش العربي الأردني للكتيبة السادسة مدفعية والتي كان يقودها العقيد سامي حسن الطوس، حتى إنهالت قذائفها حمماً على الآليات والدروع الإسرائيلية، وقد وقع خلال المعركة أكثر من ألف وخمسمائة إصابة بين أفراد قوات العدو الغازية، وسقط العشرات من الشهداء من قوات المقاومة الفلسطينية الأردنية الباسلة ثلاثة وثلاثون شهيداً من قوات التحرير الشعبية، أذكر منهم الشهيد البطل عبد الرحيم عيسى جاموس، إبن عمي الذي كنت قد ودعته في الخميس السابق لمعركة الكرامة، والذي حضَر بعد غياب في الأرض المحتلة في ((مهام عمليات داخلية)) دامت ثلاثة أشهر وكان قد نعي أثناءها من قبل قوات التحرير الشعبية شهيداً، ولكنه فاجئنا بالحضور حياً في بداية آذار لقضاء إجازة بطرفنا، وكانت مفاجئة لنا وفرحة كبرى لنا وأذكر حديثه لنا ((أن لا زال له عمرا من أجل قتال هذا العدو، فأما النصر أو الشهادة))، وقد كتبت له الشهادة في ذلك اليوم العظيم، وكذلك قدمت قوات العاصفة مائة وعشرين شهيداً، يتقدمهم الشهيد البطل الفسفوري، الذي بقي ذكره خالداً بين رفاقه وأبناء دورته الأربعة والخمسين والذين كانوا قد حضروا لتوهم من دورة الصاعقة التي تلقوها لدى الجيش العربي المصري وشاركوا في معركة الكرامة، كما قدم الجيش العربي الأردني إثنان وستون شهيداً بين جندي وضابط صف وضابط.
وقد اضطر العدو إلى طلب وقف إطلاق النار حتى يتمكن من إجلاء حطام قواته من أرض المعركة، وهكذا خاب يومها رهان وزير الحرب والعدوان موشي ديان في القضاء على المقاومة الفلسطينية، بل ازدادت عنفاً وإتساعاً وإلتحاماً مع الجيش العربي الأردني ومع الجماهير الشعبية الفلسطينية والأردنية، وتصاعدت أعمال المقاومة الفلسطينية الأردنية من أم قيس شمالاً إلى العقبة جنوباً وكانت حرب استنزاف شرسة قضت مضاجع الاحتلال، وأنطلق العمل الفدائي الذي شاركت فيه بعدها كافة الفصائل الوطنية والقومية، وأثبتت حركة "فتح" مبدأها في أن التحرير طريق الوحدة، وأن المقاومة والكفاح هما طريق النصر والتحرير، وأعطت معركة الكرامة البرهان على ذلك.
واليوم ونحن نستذكر هذا اليوم العظيم بعد مرور ستة وأربعون عاماً نستذكر تلك الكوكبة من الأبطال الذين رسموا لشعبنا ولأمتنا طريق المقاومة والعزة وعبدوها بدمائهم الزكية الطاهرة، فإن تكريمهم هو بالإخلاص والوفاء للأهداف والمبادئ التي قضوا وضحوا من أجلها، وهي العودة، والحرية، وتقرير المصير، وإقامة الدولة وعاصمتها القدس، ولولا هذه الكوكبة، لما كان لنا اليوم وجود على الخريطة السياسية ولما وجدنا العدو يدخل معنا في مفاوضات أو مساومات ولما وجدنا هذا الإعتراف العالمي بحقوق شعبنا، فذلك الإنجاز ((معركة الكرامة)) هو أساس ما نبني عليه اليوم إنجازات نضال شعبنا على طريق الحرية والتحرير والاستقلال، رحم الله هذه الكوكبة من أبطال الأمة، رحمهم الله ومن تبعهم بروح المقاومة والفداء، وثبت الله من يعمل وفاءً لأرواحهم الطاهرة ووفاءً لما عاهدوا الله عليه وعاهدوا شعبهم الفلسطيني وأمتهم العربية بمواصلة طريق الثورة حتى النصر، حتى تتحقق أهداف شعبنا الفلسطيني والأمة العربية في تحرير الأرض والإنسان وبناء دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
E-mail: pcommety @ hotmail.com
الرياض 20/03/2014م الموافق 19/05/1435هـ